المرأة المصرية من القنادير للنقاب

تطور مظهر المرأة المصرية بشكل كبير، على مر العصور وعبرت كل قطعة من ملابسها عن الفترة التي تعيشها وما تختزنه من موروث ثقافي أصيل ومتنوع كما مثلت ملابسها وتغيّر مظهرها الدائم مراحل تطور الحركة النسائية وتفاعلها مع ما مرت به مصر من أحداث كانت شريكاً أساسياً فيها كما تبدو العلاقة وطيدة بين الجسد الإنساني والزي الذي عبر عبر العصور المختلفة عن أحوال إجتماعية وثقافية وإقتصادية وكان خير إنعكاس لأحوال المجتمع بأسره.

 

تحكي لنا برديات الفراعنة والنقوشات التى تركوها خلفهم عن مظهر المرأة الفرعونية آنذاك فنجدها تتزين وتتعطر وتهتم بالأناقة المفرطة بملابسها التي تظهر مواطن مفاتنها كما تفننت في تصميم ملابسها سواء البسيطة الضيقة أو الفضفاضة وتطورت ملابسها لتضم قطعتين إحداهما على هيئة قميص داخلي ضيق ورقيق والآخر على هيئة غلالة فضفاضة مفتوحة ينعقد رباطها فوق الثديين ثم تنسدل على أحد اليدين وتبدو اليد الأخرى مكشوفة كما تظهر البرديات أن المرأة المصرية لم تتعرض قط للتحرش بسبب مظهرها بل بلغت أعلى المناصب حتى إعتلت عرش مصر كالملكة ماريت بايت وحتشبسوت والتي كانت أول إمرأة تحكم فى العالم ومع بداية الحضارة الإسلامية، إختلف زي المرأة إختلافاً كبيراً وإنتقلت من حالة التأنق و إبراز مفاتن الجسد للملابس الأكثر حشمة لكنها ظلت تحتفظ بزينتها وخاصة فى العصر الفاطمى حيث كانت المرأة المصرية ترتدى الملابس المحتشمة مطرزة إما بالذهب أو بالحرير فيما بلغت المرأة المصرية أوج تألقها إبان عصر المماليك فكانت ترسم الوشم وتصبغ الحناء وتلبس الخلخال بقدمها وابتعدت قليلاً عن الملبس المحتشم فعرفت وقتها ما يسمى القنادير وهى قمصان قصيرة ضيقة وظل هذا الوضع سارياً حتي أصبحت مصر ولاية عثمانية عام 1517م.

 

وخلال العصر العثماني، إختلفت أزياء المرأة المصرية ما بين الأميرات وعامة النساء و لكنها ظلت بشكل عام مستوحاة من إسطنبول عاصمة الإمبراطورية العثمانية حيث كانت الأميرات ترتدىن الليك وهو عبارة عن رداء يلبس فوق القميص مشقوق من الأمام إلى الذيل مفتوح من الجانبين ويلف حول الخصر حزام من الحرير أو الكشمير أما نساء العامة فكن يرتدين السلبة وهي قميص من الحرير بدون أكمام وفوقها حبرة تغطي الجسم من الرأس الى القدم مصنوع من الحرير لونها أسود وأيضاً البرقع الأبيض للوجه وتحت الحبرة يوجد غطاء مطرز للرأس وظل دور المرأة أثناء الحقبة في الحياة العامة محدوداً للغاية.
ظل هذا الوضع حتى مطلع القرن العشرين حيث إرتدت المرأة البرقع المزركش بالترتر والخرز مع الملاية اللف التي كانت تضيق وتقصر بحسب رغبة المرأة وكانت التطور الطبيعى للسبلة فى العصر المملوكي وكانت المرأة تزين ساقيها بالخلخال والشبشب ذى الكعب وظلت هكذا حتى ثورة 1919م التي كانت أولى خطوات التغيير الجذري لكافة طوائف المجتمع وشمل بدوره تطوراً لافتاً بمظهر المرأة.

 

ظل البرقع أحد أبرز أيقونات زى المرأة القومى سواء بين بنات الطبقة العليا أو الطبقات الأقل مع اختلاف تطريزه وزركشته حتي إتدلعت ثورة 1919 التى اعتبرتها المرأة المصرية بداية لتحررها وخلع البرقع الذي رأت فيه قيداً وقمعاً إجتماعياً وفي أعقاب ثورة 1919، خلعت المرأة البرقع بكل جرأة وكانت رائدة الحركة النسائية هدى شعراوي نموذجاً للسيدات والفتيات ممن إتبعن نهجها سواء سيدات الطبقة العليا أو المتوسطة بالقاهرة فيما ظلت بنات البلد والسواحل ترتدين الملاية اللف أما الفلاحات فتطور الملس الواسع فى الوجه البحرى لجلباب ضيق عند الصدر بفتحات جانبى الصدر لسهولة إرضاع الفلاحة لوليدها وواسع بعض الشيء من الأسفل لتستطيع العمل والجلوس والنهوض بسهولة وبعد سنوات التحفظ، تطور زي المرأة المصرية ليلحق بركاب التطور الذي اجتاح العالم بعد الحرب العالمية الثانية على يد مصممين عالميين منهم كريستيان ديور وشانيل حيث برز اتجاه فى تصميم الأزياء يبرز خطوط الوسط بالفساتين،التي أصبحت أقصر وأكثر إبرازاً لمفاتن المرأة وإعتمدت على الأقمشة المميزة من الساتان والدانتيل كما استغنت المرأة عن أكمام الفساتين فى بعض الأحيان واعتمدت على الخياطة التى تأتي بأحدث الموديلات على هيئة رسوم أو باترونات تقص على حسبها الأقمشة التى تتحول لفساتين بعد أسابيع وظهرت التناتير المحشوة بـالشبك وهي الظاهرة التي انتشرت في المجتمع المصري.
ومع قيام ثورة 1952، بدأت حركات تحرر المرأة علي نطاق أوسع وبدأت المطابلة بتعليمها وخروجها للعمل وإنطلقت المرأة وتغير ملبسها وإتجهت للملابس العملية وإنفتحت اكثر وجاءت خمسينيات القرن الماضي لترتدي المرأة الملابس الجلدية السوداء والجينز علي غرار مارلون براندو عام 1953ورغم أن ارتداء المرأة للبنطلون قوبل في البداية بالدهشة والإستنكار، إلا أنه سرعان ما أصبح موضة للنساء وكانت المرأة المصرية آنذاك من أجمل جميلات الكون وأكثرهن أناقة. ويظل للمرأة الفرنسية الفضل الأكبر في فرض موضة البنطلون علي العالم بأسره إذ خاضت معارك ضارية ضد مجتمعها الذي كان قاصر لبس البنطلون على الرجال فقط واعتبر إرتداء المرأة له جريمة لا تغتفر إلا أن قوة إصرار المرأة ومثابرتها للدفاع عن حقوقها في ارتداء ملابس عملية ومريحة وتناسب نمط حياتها وإيقاع أيامها الذي ازداد سرعة فرض علي المجتمع تغييراً وتقبلاً للواقع الجديد.

 

وبحلول سبعينيات القرن الماضي، انفتح المجتمع المصري على الثقافات الأخرى وهو الأمر الذي عبرت عنه أزياء المرأة بدقة فظهرت بنطلونات الـشارلستون أو كما أطلق عليها وقتها رجل الفيل ولاقت رواجاً كبيراً بين البنات والشباب، بالتزامن مع ظهور التنانير شديدة القصر والتي أطلق عليها الميني جيب والأكثر قصراً أو الميكرو جيب. وجاءت ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي بظهور تيّاران مختلفان في هذه الفترة، عبرن عن ثقافة نساء هذا العصر وهما التيار المحافظ الذي اختلف معه تفكير المرأة 180 درجة من لبسها للتنورة القصيرة للزي الطويل والواسع الملائم للحجاب الذي تعددت أشكاله وأبرزها الطرحة، كما ظهرت أشكال أخرى من الملابس المحافظة منها التنورات الطويلة والبلوزات الحريرية ذات سنادات الأكتاف وانتشر تيار آخر بالتوازي مع تيار الإلتزام، وكان أكثر حرية وإنطلاق عبر عنه الـتي شيرت والأحذية ذات الرقبة القصيرة الهاف بوت والبنطلونات الجينز من نوعية سنو واشد التي تميزت بلونها الأبيض الثلجي. ومع بدء الألفية الثالثة وتطور التطنولوجيا الحديثة، اختلفت ثقافة المرأة ومن ثم زيها وأسلوبها في ارتداء ملابسها فلم تعد الموضة حبيسة باترون الخياطة أو فاترينات عمر أفندي فمن خلال الإنترنت تستطيع نساء اليوم شراء الملابس من أي دولة في العالم. واليوم، أصبح الجينز السكيني قطعة أساسية في خزانة أي فتاة بجانب السترات المقصوصة وبنطلونات الليجينز بألوانها الزاهية والجاكيت القصير والذي أطلق عليه البليزر.

 

لم يكن للتحرض في الشارع المصري مكاناً فيما مضي إذ كانت المرأة ترتدي ما يحلو لها دون أن تتعرض لمضايقات بل كانت تعامل بإحترام أيا كانت ملابسها ولو حدثت معاكسة كانت تتم بألفاظ راقية تبدي الإعجاب ولا تخدش الحياء، مثل يا جميل او يا قمر أما اليوم فالمرأة تتعرض للعنف والتحرش بكل صوره أياً كان ما ترتديه في دلالة علي تبدل مفاهيم المجتمع ومعتقداته بما لا يراعي حياء المرأة وحرمتها فالمنقبة اليوم تتعرض لما تتعرض له السافرة دون تمييز بيد أن المرأة المصرية والتي تعد أحد أقوي تساء العالم لا زالت علي عهدها حرة أبية ترفض العنف والقهر وتدافع بقوة وإصرار عن حقها في حياة كريمة وفقما تريد وليس بحسب القالب الإجتماعي والقيود التي يحاول الرجل فرضها عليها وأسرها بها.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda