قصائد غير منشورة لبيكاسو

«قيل لي أنك تكتب، كل ما يقال عنك أعتبره ممكناً، وإذا سمعت يوماً أنك تقيم ذبيحة إلهية، سوف أصدق الأمر».. هذا مطلع رسالة كتبتها والدة بيكاسو لابنها الرسام الشهير يوم سمعت أنه منكب على كتابة الشعر، عام 1935 كان بابلو بيكاسو قد بلغ 54 عاماً وكان في أوج عطائه في التشكيل وقرر أنه ثمة «قصائد» كثيرة أو ربما «كلمات كثيرة تنام داخله» واعتبر أن عليه إيقاظها: وكانت النتيجة أو حصيلة تلك المغامرة قرابة 400 قصيدة وثلاثة نصوص مسرحية دوّنها بابلو ما بين 1935 و1959. وتميزت هذه القصائد بنفحة تحرر هائلة سواء في الأفكار أو في استخدام اللغة، واعتبر البعض أن مسودات قصائده التي كانت تحوي الكلمات بالطول والعرض بجانب رسوم صغيرة وإشارات ورموز مبهمة هي وحدها قادرة على الإيحاء للقارئ أو المشاهد بتشكيل من نوع آخر،
تلك المسودات لا تزال أغلبها بحوزة ورثة الرسام الشهير الذين قرروا أخيراً نشر معظم القصائد في كتاب واحد إذ أن بعض القصائد قد نشرت في تواريخ متفرقة والبعض الآخر مازال غير منشور حتى اليوم، والكتاب الصادر حالياً في باريس بعنوان «بيكاسو: قصائد» عن دار «لوشيرش ميدي» بالفرنسية يعيد إلى الأذهان والذاكرة حقبة السريالية وتفاعلاتها على الساحة الثقافية في باريس والعالم، وجاء في المقدمة لاندرولا ميكاييلك، كتب بيكاسو بالإسبانية والفرنسية وأحياناً كان يدمج اللغتين ببعضهما ويشرح ذلك بأن كل لغة تقدم له أحاسيس وأفكاراً مغايرة ومتناقضة، كما أنه لم يكتب بأسلوب واحد أو بتقنية واحدة فأحياناً كان يكتب القصيدة دفعة واحدة ومن دون تنقيح وأحياناً أخرى كان يعيد ترتيب أفكاره ويشطب ويصحح ويضيف ويكرر»، وكل مزاجية بيكاسو الرسام في هذه الكتابات، كذلك كل المحاولات والاختبارات الكتابية: الكتابة معه فعل مغامرة وتريب، فهنا القصيدة النثرية التلقائية أو الأوتوماتيكية وهناك تركيب صورة شعرية مستوحاة من رسومه وألوانه وأشكاله الجاهزة أمام عينيه، كما كتب بيكاسو دائماً في موضوعات متكررة تماماً كما في أعماله التشكيلية، فهناك دوماً إسبانيا و«الكوريدا» والرقص في الحلبات الصاخبة والأغنيات الشعبية والمطبخ والموائد والأطباق المفضلة لديه يتغزل بها هنا ويصف ألوانها وطعمها وشكلها، كما هناك دائماً موضوع الحرب، حتى أنه خلط بين هذه الموضوعات، فهو في بعض القصائد وللتعبير عن رأيه بالنظام الديكتاتوري، وقد كتب في آخر قصائده كثيراً عن الحب والطفولة والحياة والموت وكان يصر بقوة على كتابة التواريخ بأدق تفاصيلها مع ذكر كل الأمور المتعلقة أيضاً بالمكان الذي كتب فيه القصيدة وكيف كانت حال الطقس وما كان الحدث السياسي أو العسكري في العالم المرافق «لحظة» أو «ثانية» يعمل على تثبيتها في سجل الزمن، وتجدر الإشارة إلى مناخات النصوص الغريبة التي تندرج في إطار الكتابات السريالية في فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن المنصرم حيث تتابع الكلمات وكأنها تتوالد من بعضها وحيث إنه لم يستخدم النقاط والفواصل، فالقصيدة تدفق وتوالد من نهر جارف.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda