منال محي الدين أنامل شرقية بآلة كلاسيكية

فى البداية حدثينا عن آلة الهارب؟
الهارب هى آلة فرعونية مصرية نبرية تحتوى على 47 وتراً ويبلغ ارتفاعها نحو 170 سم وقد اخترعها الفراعنة لإحياء المناسبات والطقوس الدينية فى المعابد وحفلات الرقص والأفراح ثم انتقلت لحضارات أخرى كحضارة بين النهرين في العراق وكذلك شرق آسيا وهي حالياً أحد أهم الآلات بالأعمال الكلاسيكية العالمية بيد أنها قليلة الإستخدام لإرتفاع سعرها والذى يصل لبما يزيد عن 20 ألف دولار فهى آلة فريدة غير منتشرة ومازالت نقوش المعابد تؤكد تلك الحقيقة من خلال صور العازفات علي الهارب التي ذاع صيتها بشدة لدي الفراعنة فحملت نقوشهم ورسوماتهم المتعددة على جدران المعابد والمقابر صوراً لتلك الآلة. وعندما وفد الرومان والإغريق إلي مصر، بلغ تأثيرهم كثير من الأشياء ومن ضمنها الالات الموسيقة وعلي رأسها آله الهارب والتي تصنف اليوم من الالات الكلاسيكية وتعتمد فكرتها في الأساس على تجويف الخشب وتجفيفه نهائياً ثم تشد عليه الأوتار فتصدر رنيناً محبباً.

ولماذا كان إختيارك للتخصص في الهارب؟
إلتحقت بالكونسرفتوار وعمري عشر سنوات والفضل كله يعود لوالدي الفنان محيي الدين حسين وهو أحد رواد فن الخزف وكان عاشق للعزف على العود والكمان، وقد لاحظ والدي حبي الشديد للموسيقى فشجعني على دخول هذا المجال ثم اختارتني الأستاذة ناهد ذكري للدراسة والعزف معها وهي من وجهتني لدراسة آلة الهارب نظراً لما لمسته فيّ من

استجابة وفهم سريع لطبيعة تلك الآلة الخاصة ومن يومها وفي كل مرة أبدأ بالعزف على آلة الهارب وأتلمس أوتارها أشعر بحنين بداخلي ويداهمني شعور خفي بالعودة للطفولة وأجمل ذكريات سنوات العمر الأولي.

وكيف إذن كان مشوارك مع الهارب؟
بعد دخولي الكونسرفتور وبدء الدراسة في سن مبكرة، بدأت موعبتي الدفينة في الظهور وذلك تحديداً بعد عدة أشهر من الدراسة وبالفعل اعتليت خشبة المسرح وشاركت في عدد كبير من الحفلات وكل ذلك بالإضافة إلي الدعم والتشجيع الذي وجدته من والدي وكان شديد الإيمان بموهبتي وضرورة صقلها بالدراسة الأكاديمية ولم يكن الأمر بالنسبة له مجرد دراسة فحسب كما أن الكونسرفتور يهتم كثيراً بالمواهب ويعمل علي دعمها وتشجيعها ويوفر المناخ المناسب لصقلها وبالفعل بدأت التدريب لفترات طويلة وفي غضون عامين وجدت حياتي كلها في هذا المجال الذي عشقته لدرجة الجنون وتبلورت تفاصيل أيامي حول تلك الآلة المحببة حتي تخرجت وتعينت بعد ذلك معيدة بالمعهد وسافرت إلي ألمانيا لإستكمال الدراسة ومكثت بها حتي حصلت علي درجة الدكتوراة. وبعد عودتي، توجهت علي الفور لدار الأوبرا وكنت أول مصرية تنضم لأوركسترا القاهرة السيمفوني وبدأت منذ ذلك الحين مرحلة جديدة من حياتي مفعمة بالنشاط والحيوية من خلال الحفلات وتبنيت فكرة تعريف آلة الهارب للجمهور للجمهور إذ كانت غير معروفة
وغير منتشرة بالمرة لكونها باهظة التكاليف كما أنها تأتي من الخارج وحتي عندما كنت أدرس في الكونسرفتور لم يكن لدي آلة خاصة بي وعندما ذهبت لألمانيا عدت ومعي الهارب والتي أصبحت من وقتها الآلة الخاصة بي وبدأت مشوار الحفلات والمهرجانات والأنشطة التي لم تتوقف حتي الآن.

هل يعتمد الهارب على الموهبة فقط؟
الموهبة عامل هام للغاية ولكن الدراسة الأكاديمية وخاصة بالمجال الكلاسيكي شديدة الأهمية بل هي الأساس الذي يرتكز عليه النجاح ولابد من الدراسة التي تعتمد علي قراءة النوتة وغيرها من العلوم الموسيقية المتخصصة ولابد أن يكون العازف علي دراية كاملة بها ليصبح متمرس جيد ومبدع وتتحول موهبته لمهنة يحيا بها. ولكن علي مستوي آخر، هناك بعض الآلات التي قد تكتفي بالموهبة ومنها مثلاً الآلات شعبية وأحياناً يكون العازفين عليها غير دارسين ولكن لديهم موهبة كافية لإتقان العزف علي الآلة وأكبر مثال علي ذلك هو عازف الربابة فهو ماهر للغاية ويعتمد علي موهبته وإمكانياته الفطرية. لدينا أيضاً عظماء لم يكونوا دارسين ولكن لديهم الموهبة مثل كوكب الشرق أم كلثوم لذلك أحياناً تكون الموهبة في كل الفنون هي الأساس لكن درجات الموهبة مختلفة لدي كل الناس. كما أن هناك الموهبة الظاهرة القوية وهناك موهبة تحتاج لمجهود لإظهارها وفي حالتي كانت موهبتي ظاهرة وملحوظة لكل المحيطين بي فمنذ سن الثانية عشر أصبح واضحاً أن الموسيقى ستكون تخصصي وبالتالي أصبح تركيزي كله في دراسة الهارب والموسيقى بوجه عام.

شخصيات أثرت في مسارك وإختياراتك
تظل الأستاذة الفرنسية التي درست معها في فرنسا من أكثر من أثر في كما أنها من أكثر الشخصيات التي تأثرت بها علي مدي مشواري الموسيقي وهي أيضاً النموذج الذي أقتدي دائماً به، ومن الشخصيات التي أثرت في وبشدة كوكب الشرق أم كلثوم فانا أعشق جميع أعمالها وأحب الإستماع إليها برغم أنني لم أعزف ألحان أم كلثوم إذ أن أغلب أعمالها ذات طابع شرقي حتي النخاع لذلك لم أقترب من تلك المنطقة الشائكة لكون الهارب آلة موسيقية لها طابع غربي.

وهل يمكن للهارب عزف الألحان الشرقية؟
ليس جميعها فالهارب آلة ذات طابع غربي وليس بها مثلاً ربع تون كما أن ليس كل أنماط الموسيقى الشرقية تناسب الهارب ومن ثم أختار قطعاً موسيقية معينة وأعيد صياغتها
كرقصة عزيزة لعبد الوهاب ولونجا رياض لرياض السنباطي ونسم علينا الهوا وميس الريم للرحبانية وكلمة حلوة لداليدا ومجموعة ألحان من التراث مثل يمامة بيضا وعطشان يا صبايا وطلعت يا محلى نورها وذلك في محاولة لتوسيع القاعدة الجماهيرية للهارب وهو ما سأكثف الجهود لإنجازه خلال الفترة القادمة حيث أعيد صياغة مقطوعات شرقية كثيرة.

كيف طورت الة الهارب؟
أنا عازفة كلاسيكة وقدمت أشكال متعددة بالموسيقي الكلاسيكة وعزفت مع الالات كثيرة لأثبت أهمية آلة الهارب والتي يعتقد الكثيرون أنها آلة موجودة بداخل الأوركسترا لتقوم بالعزف في وقت قصير وغير ظاهر لذا كان هدفي الأول أن أقدم مقطوعات كثيرة لإثبات أهمية الهارب كما دخلت في تجارب عديدة من أشهرها فتحي سلامة وعزفنا معاً بفرقة شرقيات كما كونا فريق مكون من 20 بنت وعملنا فرقة بنات النيل وكنا نعزف موسيقي عربية فقط. أفادني أيضاً مشاركتي للفنان عمر خيرت وقررت تكوين فرقتي الخاصة وبدأنا في عمل أنامل شرقية وهنا بدأت إعادة صياغة عدة مقطوعات. أبحث دائماً عن أعمال تثير المستمع ليشعر بالتجديد بالألحان التي نعيد صياغتها كما أختار بعناية كل ما أقدمه لأعيد لذاكرة المستمع ألحان تكاد أن تنسي.

ماذا اضاف لك العمل مع الفنان عمر خيرت؟
الفنان عمر خيرت موسيقي عظيم ومجرد مشاركته العزف وبشكل مستمر ودوري شرف لأي عازف وشهرة أيضاً وتدوين لأعماله. لقد أضاف لي الكثير وعرفني جمهوره الكبير.

ماذا عن إختيارك للأعمال وتطويعها للهارب؟
معياري الأول في إختيار الأعمال هو حبي لها وهو أمر يتحكم فيه القلب. وأحياناً أشعر أنني أستطيع عزف بعض الأعمال علي الهارب وأحياناً أخري تراودني مجموعة من الأفكار فأقوم بإختيار عمل لموسيقار مثل علي إسماعيل الذي لم يأخذ حقه برغم أهميته وخاصة في التوزيع الموسيقي لذا قدمت له أغنية غرام في الكرنك. لم أجد صعوبة في إعادة توزيع تلك الأعمال الفنية لتناسب الهارب بفضل إستعانتي بعدد من الموزعين الموسيقيين.

ما هي التحديات التي توجيهنها ؟
التحدي الحقيقي هو أن أقوم بعمل شئ يكون له مردود جيد لدي الناس وأن يخرج الجمهور من الحفلات سعيد مع الحفاظ علي الإستمرارية في تقديم الجديد والحفاظ علي الإنطباع ذاته لدي الجمهور فالإستمرارية والإضافة للريبرتوار بالجديد عما لي التحدي الأعظم.

هل تخاطبين الجمهور العادي؟
للأسف جمهور الحفلات الموسيقية ليس كبير ولكن الفنان عمر خيرت كسر تلك القاعدة إذ تشهد حفلاته أعداداً كبيرة وحضور مكثف برغم كونه يقدم موسيقي بدون غناء. أما جمهور الفرق الموسيقية بصورة عامة، فله طابع معين وثقافة خاصة وتر كيبة تجعله يقبل علي الفنون بصورة عامة من حفلات موسيقية وأوبرا وعروض باليه وغيرها إذ تشكل جزء من حياته وخلفيته الثقافية. لدينا مشكلة في التعليم والثقافة منعدمة لدي الغالبية لذا فتوافد الجمهور علي الحفلات ضعيف بعض الشئ ولكن لكل عازف جمهوره وهذا ليس معناه الإكتفاء بهذا القدر بل العمل علي تقديم الجديد وإدخال آلات كالناي والأوكورديون وغيرها من الالات لجذب أكبر قاعدة جماهيرية.

كيف تتفاعلين مع جمهورك أثناء الحفلة؟
الأمر يتوقف علي الذكاء والخبرة لتحديد القطعة الأولي والأخيرة وما هو الجزء الذي يندمج فيه الجمهور والجزء الذي نعلو فيه وننخفض فيه. وفي نهاية الحفلة، يجوز أن نقدم مقطوعات معينة ليخرج الجمهور سعيداً. في بداية أنامل شرقية كانت القاعة لا تمتلأ بالجمهور ولكن الآن أصبحت الحفلات مكتظة ولا مجال لإستيعاب المزيد.

ماذا عن أسطوانة أنامل شرقية؟
إثر عمل مع الكثيرين، قررت تكوين تجربتي الخاصة وبدأت علي نطاق ضيق وكان معي ربع وتري وإثنين كمانجا ،وبيوله وتشيلو وناي وعازف إيقاع والآن معي 5 وتريات و2 إيقاع وأكورديون ولا زال بإمكاني التوسع أكثر فأنا أعمل منذ أكثر من 12 عاماً كما أن الظروف الانتاجية محدودة فأنا أنتج لنفسي فلا يوجد منتجين لإنتاج المقطوعات الموسيقية بالقدر الكافي. أردت إنتاج موسيقي ليس لغرض مادي ولكن لتوثيق أعمالي الموسيقية علي مر السنين.

ما الجديد خلال الفترة القادمة؟
لدي ثلاث مقطوعات سيتم تقديمها خلال الحفلات القادمة ومنها مقطوعة لعلي اسماعيل ومحمد فوزي وعمر خيرت.

هل تؤثر الحفلات علي حياتك العائلية؟
البيت له نفس الأولوية ولكن أحياناً يتأثر أثناء إنشغالي بالحفلات وسفري للخارج وأحاول دوماً تعويض فترات غيابي عن المنزل.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda