من الصعوبة فى أعقاب الثورات أن نُقيم المشهد تقييماً دقيقاً ولكن سيكولوجية أى ثورة تمر بعدة مراحل منها الصخب والرفض والصياح والتكاشف فى إسقاط نظام بائد
ما يُبهرنى بمصر هى فكرة إستمرارية الحضارة فأنا لا أرى أن الحضارة الفرعونية إنتهت بقدوم الإغريق وغيرهم فالحضارة مازالت موجودة ولكن عليها أكواماً من التراب وعلينا إزاحة تلك الأكوام.
رغم كونه فى الأساس طبيب عيون إلا أنه إستطاع أن يكون أحد أشهر الفنانين المؤثرين فى الحياة التشكيلية المصرية. ولد فريد فاضل في مدينة أسيوط عام 1958 لعائلة تعشق الموسيقي الكلاسيكية وتمتهن الطب والمحاماة، إلتحق بمعهد الكونسيرفتوار عام 1965 وتتلمذ على يد الأستاذ أدولف منشة ليعزف الكمان بالإضافة للبيانو والغناء. أقام معرضه الأول للتصوير بالألوان المائية عام 1971 بقصر ثقافة قصر النيل وكان عمره آنذاك ثلاث عشر عاماًً، يومها وصقه الناقد صبحي الشاروني بقوله «موهبة مُبكرة تعرض في قصر ثقافة قصر النيل». تخرج في كلية الطب، جامعة القاهرة عام 1981 ثم حصل على ماجستير طب وجراحة العيون من جامعة القاهرة عام 1987 وكانت رسالة الدكتوراة بعنوان الكيمياء المناعية لرقعة القرنية المرفوضة بجامعة القاهرة عام 1998. ومن الفن وجراحات العيون ومصر الأمل وريشة المستقبل، يقضي فاضل أوقاتاً هادئة بإسترخاء بين أفراد عائلته الصغيرة وزوجته د. مني زكي وإبنتيه لي لي ودوللي.
نشرت الموسوعة العالمية نبذة عن حياة فريد فاضل ووصفته بأنه «رجل عصر النهضة» لأنه يجمع ما بين الطب النفسي والفن التشكيلي والموسيقى. أقام فاضل ستة وثلاثين معرضاً فردياً للتصوير بمصر وإنجلترا والولايات المتحدة بمتحف توليدو للفنون بولاية أوهايو حيث ألقى عدة محاضرات هناك وأعلن أول بيان «مانيفستو» لنظريته المدرسة الطبيعية الجمالية المتكاملة. أقام أيضاً معرضاً عن إبداعات ليوناردو دافنينشي، عملاق عصر النهضة بدار الأوبرا عام 2003 تحت عنوان «رحلة الجيوكندا». حصل على عدة جوائز بمجالي التصوير والحفر، الميدلية الذهبية للبابا بولس السادس في مسابقة الكتاب المقدس، والمركز الأول في الحفر على مستوى الجامعات المصرية والمركز الثاني في التصوير على مستوى الجامعات المصرية، والجائزة الأولى لمسابقة الطبيب الفنان بولاية أوهايو.
طبيب ورسام وعازف ومغنى فى بعض الأحيان .. صف لى تلك الحالة؟
أعتقد أن السبب فى تلك الحالة هى النشأة فأنا نشأت فى عائلة تعشق الفنون وتقدرها فجدتى إميلى جوترن كانت من المهتمات جداً بالموسيقى الكلاسيكية وتعلمت البيانو فى لندن وعند عودتها لمصر قررت عندما تنجب أولاداً أن تعلمهم الفن بكل ألوانه سواء عزف أو غناء أو رسم. وبالفعل علمت كل أولادها الفن، فوالدتى الدكتورة مارى جرجس حنا قررت مثلماً تعلمت أن تعلمنا فهى أيضا مثلى تعمل شيئين معا.ً فهى أستاذه بقسم الإحتماع بجامعة توليدو بالولايات المتحدة وفى نفس الوقت لديها مدرسة لتعليم البيانو. وأنا نشأت فى بيئة محبة للفن بجميع ألوانه وكان يجب أن أدرس فى الكونسرفتوار فهذا لم يكن إختياراً بل كان إجبارياً ولكن كان لدى إحتياجاً لنوع آخر من أنواع الفنون فمنذ صغرى وأنا أعشق الألوان وأحب جمع قصاصات الورق وتلزيقها وكان ذلك في سن الثالثة. وفى السابعة، بدأت أرسم وفي سن الثالثة عشر، قمت بعمل أول معرض خاص بى فالبداية المبكرة أراها نتيجة طبيعية للمناخ الثري الذى نشأت به.
لم يُقال عنك «مجنون مصر»؟
أعتقد أن هذا الإنطباع جاء نتيجة المعرض الذى إستضافته مؤخراً قاعة الفنون بدار الأوبرا فقد قدمت معشوقتى ولأول مرة بعيون الغرباء والمستشرقين وأبنائها المخلصين تحت عنوان «بين عشق مصر والجنون بها» فلا أعتقد كونه جنوناً بمعنى الكلمة فالجنون في الأغلب ما قد يأتى لمن يعيش بالخارج والذى يُحب مصر حقاً سيبنى ويُعمر بها. ما يُبهرنى بمصر هى فكرة إستمرارية الحضارة فأنا لا أرى أن الحضارة الفرعونية إنتهت بقدوم الإغريق وغيرهم فالحضارة مازالت موجودة ولكن عليها أكواماً من التراب وعلينا إزاحة تلك الأكوام. هناك ثلاث أكوام للأسف علينا إزالتهم أولاً كون الإنسان المصرى غير شاعر إنه إمتداد للأصول الفرعونية فنجد أن المسلمين إنتمائهم لمكة والمسيحين إنتمائهم للقدس فأين نحن من أصولنا الفرعونية؟ من ليس لديه جذور، لا يوجد له مستقبل والمشكلة هنا بفكر الشعب ذاته وكما يُقال بالأمثال «من فات قديمه تاة». ثانياً، إفتقار المصريين حالياً للدقة فإذا نظرنا لأعمال القدماء المصريين، سنجد الدقة فى كل شئ بفضل قناعتهم بأنهم يعملون للحياة الأخرى ولله فنجد الإخلاص والدقة والتفاني وكل شئ يمشى بنظام وقانون صارم وحسابات هندسية، وللأسف الشديد، المصريين فقدوا حبهم للإتقان وهذا شئ قاتل. السبب الثالث كان بسبب الإستعمار الذى تعرضنا له فالمستعمر يُمارس الضغط على المستعمرين كنوع من أنواع القهر ومحو الشخصية ليتمكن من فرض ثقافته وفكره بالقوة وطمس حضارة البلد المُستَعمَر. ولعل الثقافة الإغريقية هى الوحيدة التى لم تقم بالضعط ومحو الثقافة ولكنها إلتحمت مع ثقافتنا. نرى ذلك بوضوح فى معبد الفيلة ومعبد إدفو فعندما تشاهد تلك المعابد ترى أن الإغريق قد أحبوا الثقافة المصرية وكان هناك حوار مُثمر بين الثقافتين. قد يكون حبي الشديد لمصر بسبب الأرض والجذور فرغم أننى عشت فى أسيوط لمدة أسبوع واحد فقط وقد لا أتذكر أى تفاصيل هناك ولكننى أحب النيل والأرض، حبى للأرض جعلنى أقيم معارض مختلفة عن بقاع مصر ومن أمثلة تلك المعارض «البحث عن النوبة» و«الصعيد من جديد» و«هنا القاهرة» و«بحرى» و«صحراء، واحة ووادى» والعديد من المعارض التى تصف مصر الجميلة.
هل من فرق بين المعارض الداخلية والخارجية؟
لا يوجد فرق تماماً بين المعارض التى أقمتها سواء داخل مصر أو خارجها فمن سواء من حيث إستقبال الناس لتلك المعارض أو حتى من حيث تقدير الناس أنفسهم لها، ما يُشاع عن كون مصر غير مهتمة بألوان الفنون المختلفة إشاعة لا صحة لها. فالحركة التشكيلية غنية جداً وهذا واضح من المعارض العامة الجماعية والمعارض الخاصة لبعض الفنانين، هناك غني وتنوع وخصوصاً للفنانين الذين يعملون بوازع من قناعاتهم الشخصية وليس بغرض التقليد أو الحصول علي جائزة، لكن يجب تشجيع كل الإتجاهات الفنية.
أحدث معارضك «خبز والماء»..صرخة نداء ورؤية جديدة للنيل، كيف؟
فى هذا المعرض، قدمت 30 لوحة تحت عنوان «خبز وماء»، كنت أنوي أن أطلق علي هذا المعرض إسم «نهر النيل العظيم» ولكن غيرت رأيى عندما شاهدت فلاحة تعجن الدقيق بالماء لتصنع الخبز فقرر أن أطلق علي المعرض إسم «الخبز والماء». تعكس هذه المجموعة الجديدة رؤيتى لجماليات نهر النيل بعلي أساس كونه شريان الحياة لمصر ومصدر خيرها ورزقها. فهي بحق هبة النيل وبدونه لصارت صحراء جرداء، فها هو الصياد في مركبه يلقي بشباكه في الصباح الباكر ورزقه علي الله وها هي أشرعة الفلايك تتداخل في حركة رشيقة والرياح تملأ بطونها الناعمة فتدفعها في حركة دائبة علي سطح النيل. وللحق، لقد سيطرت جماليات النهر الخالد علي فؤادى ولكن رائحة الخبز الطازج الخارج تواً من الفرن البلدي أوحت لى بمجموعة أخري من اللوحات منها «الأم الخبازة» و«فرحة الخبيز» و«الأميرة» وهي لوحة تُمثل طفلة صغيرة تحمل العيش البلدي في كارتونة تفاح مع إبتسامة صافية تعكس الرضا والبراءة في آن واحد. حرصت أيضاً على رسم منظر الشاب الذي يحمل كوماً من الأرغفة علي رأسه ويقود دراجته في حركة بهلوانية بينما يحفظ إتزانه بمهارة يحسُده عليها لاعبو السيرك القومي وفى تلك اللوحة وضعت سنابل قمح حقيقية. وفي مجموعة أخري من اللوحات، إستخدمت العجائن مع الزيت لتخرج اللوحات مُحملة بكثافة لونية تستلهم سحر الريف والإرتباط بالأرض فنري بنات البلد يحملن «البلاليص» في رشاقة وخفة وأسرة مصرية بسيطة تجتمع حول «شونة البيض» في انتظار طعام الإفطار ثم نرحل جنوباً إلي النوبة حيث نُشاهد إهتمام المزارعين بالأرض ينظفونها من الحشائش والديدان لتُعطي الأرض أفضل خيراتها كما يتطرق المعرض أيضا إلي قضية الإكتفاء الذاتي في زراعة القمح فمن لا ينتج قوته لا يملك قراره كما يُركز علي أهمية الحفاظ علي ماء النيل وحمايته من التلوث والإهدار. أما المجموعة الأخيرة من الأعمال، فتناقش بعض المشاكل الأساسية خلال تلك الفترة الحرجة من تاريخ بلادنا فتتطرق إلي جُملة مشاكل الفقراء والمهمشين كما تظهر في لوحة «الموت جوعاً» التي إستخدم فيها الفنان العجائن والكولاج مع تكثيف الطبقات اللونية لإستحضار حالة فريدة من القنوط واليأس الذي يتملك رجل طرحته قسوة الحياة في الشارع ليُواجه مصيره المحتوم بعد أن فقد كل شيء.
كيف ترى الحراك السياسى الآن؟
من الصعوبة فى أعقاب الثورات أن نُقيم المشهد تقييماً دقيقاً ولكن سيكولوجية أى ثورة تمر بعدة مراحل منها الصخب والرفض والصياح والتكاشف فى إسقاط نظام بائد، فإذا ما سقط تبعتها حالة من (اليوفوريا) أى النشوة العارمة التى كثيراً ما تُنكر كل سلبيات الواقع وسط فرحتها بالإنجاز الكبير ويعقبها عادة حالة من الإحباط عندما تصطدم الآمال بالحقيقة ويعرف الشعب أنه لن يتمكن من تحقيق كل آماله أو نوال مطالبه ثم تأتى مرحلة البناء فيما تدرك كل أطياف الشعب أن النضال المستمر هو دماراً شاملاً وقد سبقتنا أمم كثيرة إلى معايشة هذا السيناريو الذى أرجو ألا يستغرق وقتاً طويلاً قبل أن نبدأ مرحلة البناء الجاد لذا أعتقد أن المشهد الثقافى حالياً يعكس تخبُط مرحلة الإحباط مع بزوغ بعض الأصوات العاقلة التى تناشد بالخلاص من خلال سرعة بناء مجتمع متحضر متزن يعوضنا عن السنين التى كانت ملؤيئة بالفساد.
كيف تري دور وزارة الثقافة؟
أعتقد أن وزارة الثقافة قامت بمجهود متميز فقد كنت أري أن هيئة قصور الثقافة تحاول بإمكاناتها المتواضعة أن تصل للجميع في كل مكان وبكل وسيلة مُمكنة وهذا واضح في الإصدارات الأخيرة وكذلك الهيئة العامة للكتاب، وأيضا مشروع الترجمة من المشاريع المهمة والمتميزة وإصدارات المجلس الأعلي للثقافة. أعتقد أن الفن التشكيلي أخذ حظه أكثر بإعتبار أن وزير الثقافة الأسبق كان فناناً تشكيلياً وقد بدا بهذا النوع من الفنون بشدة من خلال قاعات العرض. والحركة الفنية عموماً فى مصر عليها إقبالاً كبيراً ومصر لديها العديد والعديد من الفنانين.
لأيزً من مدارس الفن المختلفة تنتمي؟ وبم تتميز تلك المدرسة؟
هناك العديد من المدارس منها المدرسة الكلاسيكية والتجريدية والسريالية والتكعيبية وهناك المدرسة الواقعية وهي التى أنتمى إليها. والمدرسة الواقعية في الفن التشكيلي هي المدرسة التي تنقل كل ما في الواقع والطبيعة وتحوله إلى عمل فني طبق الأصل، فهي مُجمل رصد لحالات تسجيلية كما إقتضاه الواقع من حيث الظروف السياسية والإقتصادية والدينية في ذلك العصر. كما ترصد عين الكاميرا الفوتوغرافية اليوم واقعاً مُعيناً ما يخص المجتمع مع إضافة الأحاسيس والمشاعر،فأنا عاشق للواقعية ولكننى معنى أكثر بالواقعية التفصيلية أى بتفاصيل دقيقة فى ملامح أبطال لوحاتى ومفردات الحياة فأهتم بإنعكاس ضوء الشمس على براد شاى فى يد طفل صغير أو تجويف أحدثه مسمار مخلوع من قارب صيد وهكذا. وفى النهاية، لكل مدرسة مزاياها وعيوبها وروادها.
النوبة فى لوحات فاضل
النوبة هي الأسطورة بمعنى الكلمة. تناولت النوبة فى حوالى معرضين ضم أحدهما 120 لوحة مُختلفة المساحات والخامات قدمتها فى معرض «البحث عن النوبة» والذى أقيم بقاعتى «نهضة مصر» و«إيزيس» بمتحف محمود مختار بالقاهرة. حاولت من خلال تلك اللوح إبراز عادات وتقالد وحياة هذا الشعب. فالمجتمع النوبى إذا أحببته بشدة لا يمكنك البعد عنه مُطلقاً فأجد نفسى من حين إلى آخر أحن إليهم ولهذا حرصت على تواجدهم فى المعرض فحضورهم كان مهم بالنسبة لى. أهل النوبة طيبين وكرماء ويحبون من يحبهم والنوبة كانت تجربة لا تُنسى فلم تكن لوحات على حائط وإنما هى حياة مليئة بالمواقف. ففى رحلة النوبة إكتشفت فريد فاضل الشاعر والكاتب أيضاً. وجدت نفسى أكتب قصصاً عن النوبة وأشعاراً لها وتحولت رحلة النوبة إلى كتاب ضم اللوح وقصتين فضلاً عن الأشعار. والسبب فى تسمية المعرض «البحث عن النوبة» يعود لكون النوبة المصرية مكان ضاع الكثير منه والنوبة السودانية ضاع منها 150 كم والباقي قرى شمال السد العالي التي لم تُهجر كجزيرة قريش بغرب أسوان، والجزر ما بين الخزان والسد كجزيرة عواض. فالنوبة تستحق أن يكون لها معرض خاص بها.
هل صحيح إعدادك لمتحف خاص بدافينشي؟
لا هذا الكلام لا أساس له من الصحة بل هي مجرد إنتشرت بسبب المعرض الذى قدمت فيه إبداعات ليوناردو دافينشي عملاق عصر النهضة بدار الأوبرا عام 2003 تحت عنوان «رحلة الجيوكندا» وكان ضيف الشرف العلامة الإيطالى أليساندرو فيتسوسي مؤلف عدة كتب عن دافينشي ومدير ومؤسس متحف ليوناردو دافنشي ولكن لم أنو مطلقاً عمل متحف لأعمال ل دافينشي برغم حبي له.
عن المستقبل
حالياً لدى معرض خبز وماء وخلال الفترة القادمة سيكون هناك معرضين أعكف علي إعدادهما خلال الفترة الحالية.
نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب
