أساطير كنعان.. تروي الماضي وتقرأ تاريخ الحضارات

لكل أمة عصر بطولة أو أسطورة كان الناس يعتقدون بها وبعض هذه الأساطير متعلق بالأشخاص أو بالدين .. وقد وجدنا أن بعض الملاحم التي عُثر عليها في أوغاريت يمكن أن تحقق هذا الغرض فهي تروي حكايات ملوك وحكماء وأبطال ينحدرون من الآلهة ويقومون بأعمال جليلة وتحكى أيضاً عن بعض الطيور التى غالباً مايكون لها دور رئيسى في الأسطورة لأنها فى الغالب ترمز إلى أشياء مقدسة عندهم،

طائر الشمس المحترق
ربما يكون مصدر التسمية ذلك الطائر الأسطوري المصري «بنو» ويوصف بإله الشمس ويشبه أبو قردان أو مالك الحزين ويرمز للشمس. وربما كان مصدر فكرة ارتباط الشمس بالنسر عند تحول طائر «بنو» لنسر يمثل طوراً أكثر إفصاحاً عن الشمس المحرقة وهو رمز الإله حورس إله الشمس الأقوى في مصر. وهذا يعني أن فكرة احتراق طائر الشمس أو الفينيق أتت من مصر ودخلت في العقائد الفينيقية، لكن القديس هيرونيم يذكر شيئاً مخالفاً اذ يرجع أصل الطائر للهند حيث يولد ويعيش لمدة خمسين عاماً وبعدها يذهب لفينيقيا ويبقى ثلاثة أيام ثم يعود للهند. في اليوم الأول، يجمع الأعشاب الطيبة ليصنع منها عشاً يضعه على هيكل الأسرار في معبد الشمس «هليوبلس»، ويغمر طائر الفينيق هذا العش برائحة العنبر التي تخرج منه وينام الليل كله. ومع شروق شمس اليوم الثاني، تمس الشمس أشعتها تلك الأعشاب فتحترق ويحترق معها طائر الفينيق وتبقى في العش دودة وسط رماده. وفي اليوم الثالث، عندما تمس أشعة الشمس الدودة تنبت لها أجنحة وتستعيد هيئة طائر الفينيق وتطير عائدة للبلاد الأصلية. وتصير الدودة في الأساطير العبرية بيضة حيث يعيش طائر الفينيق ألف سنة وبعد انتهائها ينبعث في عشه لهب فيحرقه لكن بيضة تبقى في العش ليعاود منها الحياة.

النخلة والتمر
كانت النخلة شجرة مقدسة عند شعوب الشرق الأدنى السامية وتعتبر شجرة الحياة عند السومريين وكان ثمرها يحظى بتقديس خاص. ومن السومريين انتقل التقديس للشعوب السامية اذ تفصح لوحة طينية عن ظهور رجل وامرأة وبينهما نخلة محملة بالتمر وتظهر الأفعى خلف المرأة وقد عد الباحثون هذه اللوحة أصل فكرة الخطيئة التوراتية في الجنة واعتبروا النخلة شجرة الحياة أو المعرفة. وتطابقت النخلة مع الإلهة عشتار وكانت تسمى فينيق أو الدامي، إذ أن شعوب البحر الأبيض ربطت ما بين عمليات إخصاب النخيل أو «الطلوع» أو «التلقيح» التي بدونها لا تطرح النخلة. والموت ثم القيامة أو توالي الولادة والاستمرار وهكذا رمزت النخلة للبعث المستمر.

البحر الأحمر
كان الاعتقاد القائل بأن الكنعانيين قد نزحوا من البحر الأحمر ويسمى «الأريتيري» ويتميز باحمرار لون مياهه بسبب تراب قاعه وضفافه الحمراء اللون والحاوية على أكاسيد الحديد الحمراء، وربما كان هذا الاعتقاد سبباً في إطلاق اسم «فوانوس« الذي يعني «الأحمر» على هذا الشعب القادم من هناك. كان المؤرخ هيرودوت أول من رأى بأن الكنعانيين قد خرجوا من شواطئ بحر أريترية إثر زلزال مدمر ونزلوا على ضفاف الممرات المحاطة بالمستنقعات ثم واصلوا السير لشواطئ البحر المتوسط وأسسوا صيدا. وأيّد سترابون تلك الفكرة وأضاف إليها أن سكان الخليج العربي أخبروه بأن أصل الكنعانيين من شواطئ البحر الأريتيري التي مازالت تحوي مدناً بأسماء صور، صيدا وآراد وأن هياكلها تشبه هياكل الفينيقيين. أما المؤرخ جوستينوس فلم ينفِ آراء هيرودوت، ولم يرفض آراء سترابون ولكنه جعل مقرهم شواطئ البحر المتوسط حيث شيدوا مدناً أسموها صيدا وقال بأنهم أقاموا أولاً على ضفاف البحيرة الآشورية دون أن يأتينا بأي معلومات عن تلك البحيرة التي ربما كانت بحيرة «برس» بجوار بابل أو ربما البحر الميت الذي كان يسمى بحر الإسفلت الذي أطلق عليه جوستينوس اسم «البحيرة آشورية».

كــــرت
ما زالت ملحمة كرت ناقصة إذ لم يعثر على بدايتها ونهايتها ولكنها تخبرنا في ثلاثة ألواح من أوغاريت عن قصة كرت ملك خوبور المفجوع بموت عائلته ومرضه فيظهر له إيل في المنام ليواسيه ويطلب منه الاغتسال وتقديم الأضاحي والقيام بحملة عسكرية على مملكة آدوم على أن لا يقبل من ملكها أي تنازلات ويصر على طلب يد ابنته حورية التي ستعوضه عن عائلته الأولى وتنجب له الأبناء. ويفعل كرت ذلك ويتزوج حورية وينجب ثمانية أبناء منهم ولدان هما «يصيب والحاء» وبنات أصغرهن ثتمانة التي يعني اسمها الثامنة والتي نالت حق البكورية أي «مساواتها مع يصيب» ويصاب كرت بعد سبع سنوات بالمرض ويكاد المرض ينهي أمره فيعجب لذلك ولده يصيب لأن كرت نصفه إله ونصفه بشر ولا يناله الموت وهو من الخالدين. يتدخل الإله إيل ويستدعي أولاً الإله الش وهو الإله النجار الذي يستنزل المطر بتعاويذه ليشفي كرت. وبعد أن يسأل الإله إيل الآلهة سبع مرات يتدخل فيشفي كرت لكن ابنه يصيب يطلب من كرت أن يتنازل له عن العرش، فيغضب منه بشدة ويدعو الآلهة لمعاقبته. وهناك أيضاً دانيال وهو من أبناء كرت وتتحدث عنه الحكايات فتقول «إنه حالما ولد دوى صوته صارخاً بعبارة أنا أكره الأعداء». وقد كان طفلاً عجيباً في مولده اذ يروي الدميري في كتابه «حياة الحيوان» قصة غريبة فحواها أن دانيال ولد في زمن ملك ظالم تنبأ له العرافون بأن طفلاً ولد في تلك الليلة سيفسد عليه ملكه فأمر بقتل كل من ولد تلك الليلة لكن أم دانيال وضعته في حظيرة أسد ولبؤة يلحسانه الليل كله حتى نجاه الله. ويبدو أن دانيال لما كبر أصبح حكيماً وتبحر في فن العرافة حتى أنه أورث الفن لابنته التي سميت «ملكة كل الأسرار».

إقهات
تروي الملحمة أن الحكيم دانيال كان يخاف آلهته ويقدم لها الأضاحي ويقيم الشعائر الخاصة بأسلافه الموتى ويعمل على حماية والده ضد الأعداء ويحافظ عليه ويغسل ثيابه، ويشارك في ولائم بعل في معبد الإله بعل، وكان يقيم العدل بين الناس لأنه كان قاضياً معروفاً ولكنه كان يبتهل دائماً بأن ترزقه الآلهة بولد يخلفه وبعد سبعة أيام من الابتهالات المتواصلة للإله بعل يرق له قلب الإله ويتوسطه عند الإله إيل ليمنحه الخصب، ويتم له ذلك فتلد زوجته ولداً يسميه «إقهات» فيقيم دانيال احتفالاً بهذه المناسبة لمدة سبعة أيام يحضره «كوثرات» آلهة الولادة والنسل إكراماً لها،

وذات يوم يرى دانيال الإله «كوثر» إله الفنون والحرف يحمل قوساً مدهشاً ويقترب منه فيدعوه إلى بيته ويأمر زوجته «دينيتيا» لتعد له وليمة فاخرة يهديها الإله كوثر القوس إلى دانيال فيقوم دانيال بإهداء هذا القوس إلى ولده اليافع إقهات ليتعلم به الصيد والقنص في البراري. وعندما تشاهد الآلهة عناة هذا القوس بيد إقهات تحاول إغراءه بالفضة والذهب ليعيره لها لكنه يرفض بحزم ويعدد لها فضائل هذا القوس المصنوع من خشب أرز لبنان وأوتار الثور البري وقرون الماعز الجبلي وأوتار ركب الثيران ومن القصب. وينصحها بأن تجلب هذه المواد إلى الإله كوثر ليصنع لها مثل هذا القوس، لكنها تصر على امتلاك هذا القوس بالذات وتعرض على إقهات بأن تمنحه الخلود مقابل ذلك فيرد عليها إقهات بحزم أيضاً ويقول لها بأنه لا يفضل الخلود ويود أن يعيش مثل الناس ويتهمها بالخداع لأنها لا تستطيع ذلك أصلاً ثم أنها لا تعرف استعمال القوس فلماذا تريد كل ذلك؟ فتغضب عناة منه وتذهب إلى والدها إيل وتهدده بأن تخضب شعره الأبيض بالدم إن لم ينتقم لها من إقهات، فيرضخ إيل لذلك ويسخِّر لها الكائن يطفن ليقتل إقهات، وتمسخ عناة يطفن وتحوله إلى عقاب وتخبئه في حزامها وتطير به مع سرب من الصقور فوق رأس إقهات وينطلق يطفن كالبرق ليخطف روح إقهات، فتبكي عناة على ما فعلت إذ لم تكن تقصد قتله بل خطف قوسه الذي ينكسر هو الآخر ويختفي. وهكذا تجدب الأرض وتجف النباتات، ويحل القحط بسبب موت إقهات، وعندما يعلم دانيال ويرى الصقور وهي تحوم في السماء ينتابه البكاء والحزن، ويمزق ثيابه متضرعاً إلى السماء لتنجده بالمطر المحبوس في السماء. وهنا تشاهد الابنة بوغات والدها والعقبان تحوم حوله وهو ممزق الثياب فتجهش بالبكاء، ثم يمتطي حماره ويتجول في الحقول الميتة عطشاً ويمسك سنبلة بيده مداعباً إياها ومتمنياً على إقهات أن يجمع سنابل الحقل ويخزنها في المستودعات فيتقدم إليه الخدم يبكون نادبين فيقسم دانيال أن ينتقم من القتلة شر انتقام. ويقوم دانيال بالدعاء إلى بعل ليكسر أجنحة الصقور التي تحوم حوله، فيفعل وتسقط الصقور عند قدميه ويبحث في بطونها عن رفات ابنه وعظامه ليدفنها في قبر يليق به ويفشل أولاً ثم يعثر على ما يريد في أحشاء الصقر (صمل) ويدفن رفات ولده ويهدد بقية الصقور بأن بعل سيكسر أجنحتها إن هي حامت فوق قبر ولده قرب موقع الحادث ثم يعود إلى قصره ويأمر بالحداد على ولده سبع سنوات. وتقوم بوغات أخت إقهات بالدعاء إلى الآلهة لتأخذ بثأر أخيها فتتبرج بالمساحيق وتعطر نفسها وتلبس عدتها المحاربة وفوقها الملابس النسائية وتذهب إلى مجموعة من البدو ليدلوها على كائن اسمه يطفن قد يقوم بمساعدتها في ذلك فتلتقي به دون أن تعلم أنه قاتل أخيها ودون أن يعلم هو أنها أخت القتيل، ويستضيفها في بيته ويشرب معها الخمر ويخبرها بأنه قاتل إقهات فتعطيه المزيد من الخمر حتى تتمكن بوغات من قطع رأس يطفن بالسيف الذي تخبئه تحت ثيابها. وهناك ما يشير في نهاية الملحمة إلى بعث إقهات (الذي ربما كان بعثاً رمزياً). وعودة الاخضرار للمراعي والخصب للحقول والحياة.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda