مرسى مطروح..بين المفروكة والفصل الواحد

مدينة ساحرة تخلب العقول.. رمالها شديدة البياض وأرضها الخصبة تحوى الكثير من القصص والحواديت..خلف شريطها الساحلى، بقعة صحراوية تحتل %99 من مساحة مدينة مطروح بأكملها.. ورغم التصاقها بالشريط الساحلي إلا أنها بعيدة كل البعد عن التحضر والمدينة.. بقعة يعيش فيها سكان مطروح الأصليين من البدو قاطني الصحراء إما فى خيام أو عِزب أو قصور.. لفت التناقض البين نظرى واستفزنى لمعرفة المزيد عن ساكنى تلك البيداء..

بأحد الشواطئ، وجدت مراكبى يتحدث وزميله بلغة لم أفهمها فتوقعت أنه أجنبى وفد للعمل صيفاً، وعلى الفور افتعلت موقفاً للتحدث معه ولدهشتى وجدته يتحدث المصرية بطلاقة فسألته عن موطنه فأجاب «مصرى من سكان مطروح الأصليين».. اسمى «كذا» من قبيلة «كذا». لم أفهم اسمه ولا اسم قبيلته فيما شعر هو بالضيق من سيل أسئلتي الغير مبررة ثم التفت لزميله معاوداً الحديث بتلك اللغة الغريبة. وللحق، زادت رغبتي فى اكتشاف عالم هؤلاء السكان الذين يعيشون الحياة القبلية عام 2010. ولتوي، ذهبت لزميل المراكبى وسألته بابتسامة خفيفة عن بلده فأجاب «مطروحى أباً عن جد» فاقتنصت الفرصة وطلبت منه أن ندردش سوياً بعد أن عرفته بنفسى فرحب كثيراً وبدأنا الدردشة.

من أنتم.. وما أصل لغتكم الغريبة؟
نحن مصريون مثلكم تماماً. كل منطقة بمصر لها لهجتها فالقاهريون لهم لهجتهم والفلاحون لهم لهجتهم وكذلك الصعايدة والسواحلية.. ونحن عرب وتلك لهجتنا.

إذن كيف ترى الاختلاف عن الجميع؟
نحن عرب «بدو» نعيش اليوم بيومه دون حساب للمستقبل. نستيقظ فجراً للعمل إما بالرعي أو بالزراعة حتى القيلولة ثم نتناول الغداء لنعود ونستكمل العمل مجدداً حتى العشاء لينتهى اليوم عند العاشرة مساء لنستيقظ فجر اليوم التالى وهكذا. أما في الإجازات، نخرج على البحر «نلقّط» رزقنا لكن باقي السنة رعى وزراعة.

ما مصدر دخلكم؟
المدينة لا حياة فيها إلا خلال الموسم الصيفى وعدا ذلك هي خالية تماماً، نحن نزرع ونرعى لأنفسنا ونشترى الماشية ونربيها لتتكاثر فنأكل منها عند الحاجة كما نزرع ما نحتاج لأكله وغالباً يكون القمح والشعير.

بالاكتفاء الذاتى!!
هو كذلك، فالإنسان يحتاج للطعام والشراب والملبس والسكن ونحن نأكل ما نزرع ونبيع بعضاً منه لنشتري قماش ونحيك ملابسنا بأنفسنا كما نبنى بيوتنا بأقل التكاليف.

والماء.. علماً بأن مياهكم غير صحية؟
فعلاً مياه مطروح غير صالحة للشرب ونحن نشرب مياه الشتا وهى الأمطار التى تسقط في الشتاء وتقوم كل قبيلة بحفر أكثر من «بئر» بحدود مساحة أرضها وننتظر نزول المطر لتمتلئ الآبار لنشرب منها طوال الصيف.

تشربون المياه دون تنقية أو تطهير؟!
لا يوجد أنقى من مياه الرب، كما أننا نحفر الآبار وسط صخور جبلية وعندما تنزل المياه تكون نقية والشوائب عموماً ترقد مع الوقت بقاع البئر وتبقى فقط المياه الصاحلة للشرب.

وماذا لو لم تسقط أمطار الشتاء؟
العمل يكون عمل ربنا، فهو يقطع ويوصل فقد يرزقنا بنبات ربانى لا دخل لنا فى زراعته وثمرته تباع لعرب الخليج بأسعار خيالية وبثمنها نشترى مياه تكفينا موسم الجفاف.

هل تختلف الأكلات لديكم؟
أكيد إذ يعتمد أغلبها على القمح والشعير ولدينا أكلة رئيسية «عيش الدرايب» وهى عجين مقطع لقطع رفيعة مغموس فى تقلية وصلصة وثوم، وحلو «العصيدة» وهو عبارة عن عجين مغطى بـالتمر المطبوخ و«البجينة» أو شعير محمص مدشوش على الرحاة ومخلوط بالزيت والسكر و«المفروكة» وهى عيش ساخن وتمر يمزجان باللبن الرايب.

المدارس قليلة للغاية.. فماذا عن التعليم؟
مشكلة كبيرة لأن القبائل متباعدة وكل قبيلة مكونة من 20 أو 30 شخصاً فليس معقول أن تبنى لكل قبيلة مدرسة والمدارس هنا عبارة عن فصل واحد ومستوى التعليم فيها ضعيف، والأساس القرآن ومبادئ القراءة والحساب والتعليم آخره المرحلة الإعدادية.

والبنات.. ما وضعهم فى التعليم؟
«يتحرق التعليم» البنت لها بيتها فقط لا غير. لماذا تتعلم طالما من المستحيل أن تعمل؟ البنت علامها وشغلها بيتها. المهم زواج البنت، والزواج عندنا من داخل القبيلة فقط ونادراً ما يكون من خارجها ومن رابع المستحيلات أن يكون غير عربى أى يكون مثلاً مصراوى أو سواحلى أو فلاح أو صعيدى أو غيره.
وبعد أن أنهى قائمة ممنوعاته شعرت بأننى لو سألته سؤالاً واحداً آخر سيضربنى فاكتفيت بما عرفته وأنهيت حواري وشكرته وطلبت منه التقاط صورة لنشرها مع الحوار فقاطعني غاضباً «تصورينا؟!! جدّنا هيطخك بالنار.. خافى على نفسك يا أستاذة ؟!» وعندما وجدت أن الموضوع وصل للقتل استأذنت معتذرة عن أي إزعاج واكتفيت بالتقاط الصور من خارج القبيلة وبعيداً عنها.

حوار – سارة العاصي

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda