ماسكا فيونا نوبية.. صباح الخير يا نوية

ليست رقصات وأغانى بل موسوعة كاملة لتاريخ مصر.. إنها النوبة.. أرض الأساطير والعادات والتقاليد ومهد حضارة عاشت ولا زال أصحابها علي عهدهم بها.. أهلها قبائل سكنت شمال السودان وجنوب مصر. كان وادى الخوىّ، جنوب الشلال الثالث عبارة عن حوض قديم للنيل طوله حوالي 123 كم شرق مجرى النيل الحالى. فمنذ الألفية الرابعة ق.م. كان حوضاً زراعياً غنياً ادي لظهور المجتمعات النيوليتية، إكتشف به جبانات كانت تجسيداً على الأرض للتنظيم الإجتماعي لمجتمعاتها إبان الألفية الثالثة ق.م، شملت الحضارة النوبية الكوشية ثلاث ممالك أولها نبتة، ثم كرمة وآخرها مروي في السودان.

دارت حولها الأساطير فقيل أن الإلهة «إيزيس» عندما مزق «ست» إله الشر أخاه أزوريس وبعثر أشلائه، قامت بجمعها وردت الرُوح إليه حتى حملت منه «بحورس» ثم دفنت جسد أزوريس بأرض النوبة فكان رأسه على جزيرة «فيلاي» أي أنس الوجود وجسده بطول الوادي من الشلال حتى الخرطوم فيما إمتدت ساقاه على رافدي النيل ثم جلست عند رأسه تبكي حتى إمتلأت شعاب الوادي بدموعها ففاضت وإندفعت جهة الشمال محطمة صخور شلالات أسوان وغمر الخير الشمال «مصر» وجرى النيل منذ تلك اللحظة. وكما تختلف القصص حول بدايتها ونشأة حضارتها، تتعدد أصولها وعاداتها وتقاليدها وللحق يبدو أهلها الأكثر تمسكاً بها وحرصاً علي إحيائها والحفاظ عليها.

النوبة

النوبة

الجرجار النوبى .. هل تعرفه؟
زي نساء النوبة في إشارة لهويتهم وأصالتهم ودليل الحشمة منذ الصغر. والجرجار -بفتح الجيم- ترتديه الفتيات أعلي الملابس وهو ثوب من التل الخفيف ويُقال إنه صمم لمسح أثر أقدام المرأة أثناء سيرها فلا يتبعها أحد. كان يسمى «بوال» وكان للصغار ثم تطور وأصبح «الكومان» ويُشبه الإسدال وهو الأن أكثر تطوراً ويُصنع من الركام بداخله تُل أسود رقيق وهو شفاف يصل طوله للأكمام من الأمام ويزداد من الخلف ويصنع من الدانتيلا ولونه أسود وله نقوش ورسومات سوداء أشهرها ورق العنب والورود والقلوب والنجوم والهلال. ولجمال نقوشه، تقتنيه غير النوبيات أيضاً وتعشقه النوبيات التي تشتهر أيضاً بارتداء التوب السوداني وأيضاً العبايات ويبقى الجرجار عشق بنات النوبة وترتدين معه الشبشب الأسود والحلي الذهبية مع نقوش الحنة على الأيدي والقدمين.

النوبة

النوبة

الأفراح النوبة.. أسرار وطقوس
تبدأ مراسم الزواج بإختيار أهل العريس للعروس المناسبة ولا تخرج عن نطاق العائلة. الفتاة المخطوبة تتحاشى الظهور أمام خطيبها طيلة الخطوبة وإذا إضطرتها الظروف، تتوارى بسرعة ولا يراها إلا فى ليلة الدخلة. يُطلق على الخطوبة «يوم الرباط» وفيه يزور العريس وأصدقائه منزل العروس ويتناول البلح مع الفشار ثم الشاى والذي يعنى إنتهاء الجلسة فيشربونه وينصرفون. النساء فقط لهن الحق فى رؤية العروس فيما يتحايل الشاب لرؤية عروسه أو يصفها له أقاربه. بعد الإتفاق بين أهل العروسين، تبدأ إستعدادات عقد القران. وقبل أسبوع من الموعد المحدد، تخرج سيدة تحمل طبقاً من الخوص عليه «أوجل» وهو إناء خشبى به روائح عطرية من صندلية ومحلب وقرنفل يتطيب بها العريس والعروس وتمشى فى القرية تتغنى بأمجاد أهل العروسين ويُسمى «يوم السماء» وهو أول يوم في إحتفال الزواج فتذهب النساء والفتيات لمنزل العروس لطحن الذرة والقمح والخبيز وإعداد البلح والفشار. تأتي بعدها ليلة الحنة وفيها يقام إحتفالان كبيران أحدهما بمزل العروس ويقتصر على أهلها والآخر بمنزل العريس ويحضر أصدقاؤه ليشاركوا بالغناء والرقص والعزف على الطار وتاركا نجريشاد. يبدأ الإحتفال بقيام إحدى السيدات المسنات من أقارب العريس المحرمات عليه كجدته أو خالته بإحضار صحن ماء وحناء وتقوم بتخضيب جسم العريس من رأسه لقدميه وهو مرتدي جلباباً قديماً دون ملابس داخلية ثم يتقدم أصدقاؤه للمُشاركة بدهن جسمه بإضافة قطعة من الحناء لجسده. وبإنتهاء الخضاب يبدأ «النقوط» بأن يجلس العريس وأمامه صحن الحناء وعن يمينه صديق يلازمه طيلة أيام الفرح يحمل سوطاً بيده وعن يساره آخر يحمل سيفاً. وهؤلاء هم حراسه من الحسد والجن والشياطين وهو بينهم «السلطان». ويجلس بجوار العريس شخصان أحدهما يحمل كراسة يدون فيها النقوط ويصيح الآخر قائلا «شوبش» ثم يتوجه بعدها نفس الشخص لدفع النقوط للحلاق الذى زين العريس. يجمع الكاتبان النقود ويقدمانها لوكيل العريس ومعها الكراسة والتي يحتفظ بها العريس إذ يُعد النقوط ديناً عليه يُسدده فى مناسبة مماثلة سواء ختان أو عرس. وأهمية التدوين هذه ترجع لكون العريس عليه رد القيمة ذاتها علي الأقل لصديقه. بعدها يتناول الجميع العشاء وحفل ذكر ثم يبدأ الغناء والرقص ويسمى «الطبل» ويقولون أشر «درابوكة» أى «إضرب الطبل» رغم أنه لا توجد طبول فى النوبة فهم يعزفون على الطار. وقد يبدأ الإحتفال أيضاً قبل ليلة الحنة بأسبوع منذ «يوم السماء» والحقيقة أن عادة دهن العريس أو العروس بدهان معين ومشاركة الأصدقاء فى ذلك بلمس جزء من جسمه شائعة لمعظم المجتمعات المتأخرة إذ يُعتقد أن الدهان يُكسب العريس أو العروس الجمال والخصب وإعتقادهم بأن الحناء تكسب الجسد طهارة ومن المرجح أن الحناء كانت شائعة فى العصر الفرعونى أيضاً كما يعتقد النوبيون أن الحنة تساعد على إكتساب جلد العروس نعومة وليونة علاوة على الرائحة الذكية التي تفوح منها.

النوبة

النوبة

من النهر لدورة السبع بيوت
وفى صباح اليوم التالى والموافق ليوم عقد القران، يجتمع نفس الأصدقاء ويذهب العريس بعد أن يتناول الغذاء فى منزله للنهر. وقرب الوصول للنهر، يجرى العريس ليسبق جميع أصدقائه وكل منهم يحرص على ألا يسبقه فالعريس دائماً لدي النوبيين هو الذى يفوق كل الشبان فى كل شىء. وبعد أن يخرج العريس من النهر، يُطلق البخور ثم يرتدى ملابسه الجديدة البيضاء ويُعطى الملابس القديمة لأحد المسنين من الفقراء ثم يتوجه لمنزله وسط أصدقائه ويكون بإنتظاره شيخ الكتاب الذى تعلم فيه العريس ومعه مجموعة من صبية الكتاب يقومون بقراءة القرآن وسرد بعض القصائد الدينية. ثم يخرج العريس من المنزل يصحبة أصدقائه ليتوجهوا لمنزل العروس. وفى طريقهم، لابد أن يمروا بسبعة بيوت مجاورة وأن يكون طريقهم من جهة يمين العريس من منزله وأمام كل منزل من السبع منازل يتوقفون ثم يتوجه الموكب لمنزل العروس ويواصل الموكب طريقه لمنزل العروس وسط أصدقائه طالبين منه أن يسير متهادياً متعاجباً كالتمساح فالرجل يوصف فى مشيته بأنه كالتمساح وتوصف الفتاة باليمامة ويطالبون العريس فى أغانيهم بأن يمشى فى الزفة متهادياً قوياً فسيفرق الشربات «شربات فريجوي» بلهجة النوبة وسيفرق الملبس عند الفاديجة «اكاملبسكا». ويعم الرقص أرجاء المكان فالأساس في أفراح النوبة الرقص التقليدي والغناء. تأتي الرقصة النوبية الشهيرة وتضم مجموعة نساء يصطففن فى نصف حلقة متمساكات الأيدى ويتحركن فى حركة بطيئة نصف خطوة للأمام ثم الخلف بالرجل اليمنى ثم باليسرى ثم يهتززن مع المجموعة يميناً ويساراً ثم يتقدمن بصدورهن فى إنحناءة خفيفة ثم تتقدم إحدى السيدات من الجهة اليمنى وترقص فى حركة أسرع وتسمى «الرقصة الوسطانية» إذ أن هذه السيدة تكون بوسط الحلقة ويقف الرجال ويعزفون الدفوف أو النساء على الجانب الآخر فى نصف حلقة أيضاً وبينهم المغنى والمرددون بالزغاريد ويستقبله أهل العروس من الرجال ويدخل معهم هو وأصدقاؤه وحينئذ يتوقف الغناء والرقص وتبدأ المراسم التقليدية لعقد القرآن.

الشبكة.. «قصة نور» و«جكد» و«شيش»
يجلس العريس وأصدقائه والمأذون والعمدة وشيخ البلد والأعيان والمسنون وأقارب العروس ويبدأ المأذون بقراءة الفاتحة دون أن تحضر العروس وينوب عنها والدها أو ولى أمرها. حينئ
يقدم العريس المهر ولا يقل عن خمسة جنيهات ولا تزيد عن عشرين جنيهاً منها خمسة أو عشرة مقدم والباقى مُؤخر صداق ومعه مصاغ العروس المصنوع من الذهب من قصة النور أو «حصة الرحمن» وهى مثلثة الشكل وتعلق على جبهة العروس وبها تتميز المرأة المتزوجة عن غيرها و«جكد» وهو عقد به ستة دوائر مسطحة من الذهب يتوسطها «ما شاء الله» من الذهب ثم «شيش» وهو سوار من الفضة. كما يقوم العريس بإحضار ملابس عروسه في غلاف من القماش ولا يُفتح شىئاً مما أحضره العريس سوي المصاغ أمام الحاضرين. أما تلك الهدايا التى يٌقدمها العريس لعروسه. فهى موضوع تتغنى به الفتيات والشبان إذ يصفون فى أغانيهم ما قدمه العريس لعروسه من مصاغ وملابس وروائح فالنوبيون مغرمون بالتطيب بالروائح الذكية وكذا بالتزين والنظافة.
بعد أن يقدم العريس الهدايا والصداق، يكون مسئولاً أيضاً عن تأثيث بيته بالأبراش والسراير «عنجريب» المصنوع من خشب وجريد النخل وأغطية هذا العنجريب. أما العروس، فتحضر آنية الطعام وخاصة آنية الشاى التى يُقدم فيها الشاى لضيوف العريس كما تُعِد العروس قبل الزفاف مجموعة من الأبراش الخوص والأطباق الملونة التى تُعلق على الحائط وكذلك «الشعلوب» الذى يُعلق فى سقف الحجرة وبه آنية الطعام لتكون بعيدة عن أيدى الأطفال أو الدواب والهوام و تصنع تلك الأطباق «الشعاليب» من الخواص الملون بأحجام وأشكال مختلفة ويصنع من كُل طبق إثنان وتُعلق على جَوانب حائِط حُجرة نوم العروس وتسمى «الحاصل» وفى الديوان وهي حجرة إستقبال الأصدقاء،
لا تقتصر الهدايا على ما سبق، بل تُعد العروس الطواقى المشغولة بالحرير الملون تُقدمها لعريسها هدية بعد الزفاف وحزام أبيض مشغول الأطراف وهذه الهدايا لا تُقدم إلا بعد الزفاف بالإضافة إلي خلخالاً من الفضة «هوجل» يرد ذكره فى كثير من الأغانى التراثية ويُقدمه العريس فى الصباحية إذ تُعتبر قدم المرأة من «الحجل» أي عورة ولا يجوز للرجل أن يُقدم هدية تُلبس فيها إلا إذا كان زوجاً لها فمن خلخال الرجل ورنته يعرف مقدار أنوثتها ولا يراه الرجل لأن ثوبها طويل ويجرجر على الأرض خلفها وهو الجرجار السالف الذكر والذي يُعتقد أن ثوب الزفاف الحديث إقتُبس منه.
وكما يقدم العريس لعروسه يوم عقد القران هداياه، يجب أيضاً أن يقدم لأهله بعض الهدايا مثل الملابس الجديدة وكان قديماً ملزماً بأن يحضر لجميع أفراد أسرته وأسرة عروسه ملابس جديدة بيد أن تلك التقاليد إقتصرت اليوم علي أفراد الزسرة كرمز للشكر والعرفان. بعد عقد القران تنطلق الزغاريد والأغانى و يقدم العشاء للموجودين ويتحمل أهل العروس كافة تكاليف العشاء ثم يقوم العريس ويدخل حجرة العروس لرؤيتها ويُصاحبه فى تلك المرة والدته وبعض النساء من قريباته ومن أهل العروس وتكون العروس مُرتدية ثيابها الجديدة ومتزينة بالمصاغ الذى أحضره العريس و عادة يكون الثوب الذى تحته من القماش القطنى المشجر المرسوم عليه ورود كبيرة وتضع على رأسها طرحة بيضاء من الشاش أو الحرير تسمى «شجة» تغطى وجهها ويتقدم العريس ويلمس وجه الفتاة من فوق «الشجة» أو يرفعها وينظر لوجهها في أول رؤية رسمية لها ومعنى اللمس أو الرؤية إنه قبلها ثم بعد ذلك يعود لأصدقائه الذين يغنون ثم يتناولون العشاء وكذلك تتناول العروس العشاء مع صديقاتها.
ماسكنجا.. السلام عليكم بالنوبى

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda