رأس البر… وهبتني سبباً جديداً لأفتخر ببلدي

تحمست للفكرة ملياً.. اكتشاف ما خبا عن أعيننا من أماكن وأحداث نسمع عنها كثيراً ولم نرها قط رغم كونها على مقربة منا.. وكانت البداية برأس البر.. سمعت عنها كثيراً وأتمنى رؤيتها.. حذرنى البعض ألا أضع آمالاً عظيمة على تلك الرحلة «ماتتخضيش من حلل المحشي عالبحر وأشكال الناس».. «انتي فاكراه زي زمان» ولكننى أنني توجهت إليها وكان اختياراً موفقاً وتجربة جديرة بالتسجيل..
تحتل رأس البر المثلث الشمال الشرقي للدلتا المصرية، ويحدها البحر الأبيض شمالاً وفرع النيل الأيمن شرقاً بالإضافة لقناة ملاحية حديثة جعلت من رأس البر جزيرة تشهد إحدى المعجزات الطبيعية في التقاء النيل والبحر المتوسط. اكتسبت شهرتها بكونها مقصد غالبية المصطافين، وساعدت الحرب العالمية التي حرمت الأغنياء من السفر للخارج للتوجه لرأس البر وهو الأمر الذي ساعد على تحسينها كثيراً.
منذ نشأة دمياط، كانت تدعى «جيزة دمياط»، وكانت مقاماً للصيادين بحكم مهنتهم كما كان كثيراً ما يفد إليها سكان دمياط للتنزه بالمراكب. بيد أن دوام الحل من المحال فرغم الجمال الذي وصفه القرمزي بقصيدته «مرج البحرين» التي كتبها أثناء زيارته لرأس البر إلا أنها عانت ملياً خلال الحملات الصليبية.
ومع مستهل القرن التاسع عشر، كان مشايخ الطرق الصوفية إثر انتهاء احتفالاتهم بالموالد يتوجهون شمالاً بمحاذاة النيل حتى يصلوا للمنطقة المعروفة حاليا بالجربي. وقرابة عام 1829، صارت رأس البر مقصد أعيان دمياط للصيد، حتى راق لهم جوها فشيدوا لأنفسهم أكواخاً واتخذوها مصيفاً، بعدها أقاموا الأبواب والنوافذ من الخشب عام 1912 ثم أصلحوا الطريق الزراعي المؤدي للمدينة بعد أن اقتصر الوصول إليها على النيل لسنوات طويلة، أما كبرى دمياط، فشيد عام 1930 للربط بين ضفتي النيل مما ساعد على وصول السيارات للمدينة، ومن ثم تحول الاهتمام للشاطئ وتم إقامة رصيف من الكتل الخرسانية على امتداد 350 متراً داخل البحر لوقاية الساحل من التآكل، وعرف لاحقاً بـ«اللسان»، يذكر أن عدد المصطافين بلغ عام 1959 خمسة وأربعين مصطافاً وكان ذلك رقماً كبيراً للغاية.

واليوم.. أين المدينة؟؟
المهم.. عقدنا العزم وتوجهنا من فورنا إلى المدينة ومجموعة من الطرق الصحراوية علينا اجتيازها بنجاح.. حمداً لله.. وصلنا أخيراً لرأس البر وقلوبنا مليئة بالشك.. هل تكون الزيارة مرضية أم سنعود نجر أذيال الخيبة والحسرة والندم؟ بدأت الرحلة بشارع بورسعيد وهو الشارع الرئيسي، وربما أنظف شارع مصري مررت به حتى اليوم، إذ دخل ضمن مراحل التطوير المختلفة فتم إنشاء ممشى بطول المدينة يتوسط أشجار النخيل واستبدلت جميع التقاطعات بمحاور دوارنية في حل جذري للأزمات المرورية التي يواجهها المصطافون- وعقبال القاهرة- لكن.. أين العشش! حولنا مباني من ثلاث طوابق بتصميمات منوعة، منها الياباني والإنجليزي والدمياطي أيضاً! بيد أنه رغم اندثار العشش، لا تزال المباني تحمل «عشة رقم –»، عموماً كل شيء وارد!
تنقسم رأس البر لثلاث مناطق هي «الجربي» أو الخط الممتد بحذى نهر النيل وينتهي بشارع النيل وهو أقرب منطقة للسان ثم «اللسان» وهي المنطقة المطلة على التقاء النيل والبحر ويأتي على رأسها الفنار الجديد، وأخيراً خط الشواطئ من اللسان وحتى نهاية المدينة.
ربما كانت أوفر المناطق حظاً في التجديدات شارع النيل ومنطقة اللسان، أما شارع النيل، فذكرني بممشي الغردقة الجديد -إن تغاضينا عن أنماط البشر- بأشجار النخيل والكافيتريات، أما منطقة اللسان، فقام جهاز المدينة بتطويرها لرفع مستوى سطح أرض الممشى حتى يتمكن الزوار من رؤية التقاء النهر والبحر بعدما كانت الكتل الخرسانية الواقية للشاطئ تحجب المنظر.

ليست الأفضل
ومتي نذكر المصيف، نذكر الشواطئ وبدورها، تنقسم شواطئ رأس البر إلى العام والخاص، ورغم عدم اعتيادي على ارتياد الشواطئ العامة، إلا أن البساطة تبث نوعاً مختلفاً من السعادة، فهل من شاطئ آخر به الباعة المتجولين على تلك البشاشة؟ هل من شاطئ آخر يبرهن على أن اللعب في الطين حقاً يضع بسمة على وجه الطفل؟
لا أريد رسم صورة خاطئة عن شواطئ رأس البر فهذا ليس كل شيء.. قد لا تكون شواطئها الأكثر إثارة فالمدينة بأسرها لا تأتي في قمة الوجهات المثيرة. ولعل أفضل شواطئها «شاطيء النخيل» الذي يقع بامتداد المدينة، وتقوم فكرته على الاستفادة من الخامات البيئية من مكونات النخيل الجاف. أعرف أن كل ما ذكرته قد لا يكون شيقاً مقارنة بمصايف أخرى بيد أنني ولفترة طويلة، لم أر مجهوداً ذاتياً يبذل في مصر على هذا النحو.. نعم، الناس قد يبدوا بسطاء.. قد تكون المدينة متواضعة.. قد تبدو الشواطيء فقيرة بعض الشيء والإمكانات أقل من المعتاد، لكن الأساس مواطن يشعر بأن الأرض أرضه والهواء ملكه والبحر ثروته ويعمل بكد وجدية للحفاظ علي أملاكه- عقبالنا بقاهرة المعز- نعم جاء تطوير المدينة ضمن مشروع مبارك للتنمية والتنسيق الحضاري منذ أربع أو خمس سنوات، واجه المشروع مشكلة التمويل المعتادة إذ لا تتجاوز حصيلة صندوق الخدمات المحلية في دمياط الاثنين مليون، اعتدنا من الحكومة أن تتجه للمواطن دوماً للتمويل بيد أن القصة اتخذت مساراً آخر برأس البر حين رفض د. محمد فتحي البرادعي محافظ دمياط اللجوء لفرض أية ضرائب أو جمع تبرعات حتى لا تتأثر الأعمال الخيرية، وتم تمويل المشروع بتعظيم استثمارات الوحدة المحلية وبيع بعض الوحدات التجارية بمناطق التطوير كانت على النيل أو الكورنيش الأمر الذي ساهم في تمويل 85% من موارد المشروع، كما جاء نجاح تطوير منطقة اللسان بمزاد علني لبيع وحدات خدمات عامة شاطئية ساهم في تمويل هذا الجزء من المشروع وتوفير كافة الخدمات بالمجان وهو الأمر الذي أسهم بدوره في زيادة إحساس المواطن بانتمائه وولائه للمدينة التي نشأ عليها وتهتم به كما يهتم بها.. ولا يسعني أخيراً سوى القول.. عقبالنا يا رب!!

متابعة – إيناس المصري

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda