الطلاق.. بداية ونهاية

لحظة فارقة ونقطة فاصلة تترك علي البعض منا علامة سوداء فيما تخلق لدي نفر آخر قوة جديدة وطاقة متجددة وأمل في غد مختلف. وللحق، هي دوماً لحظة حرجة وقرار صعب وإن كان إختيارياً بسعينا إليه فهو نهاية وإن كانت حتمية. وبرغم كونه الحل الفعال لبعض المشكلات التي لا علاج لها، يظل الطلاق قراراً يصعب على الغالبية إتخاذه برغم حاجتهم الماسة إليه فهو في الأساس كلمة تجعل من الأقربين غرباء وتهدم كيان أسرة وتخلق حياة من نوع مختلف. كيف يراه أبطاله وكيف يحلله الطب النفسي وكيف ينظر إليه المجتمع.. أسئلة كثيرة وحقائق تأتي في هذا التقرير علي لسان أصحابها

تحيل نظرة المجتمع الشرقي للمُطلقة حياتها حجيماً وقد تدفعها في بعض الأحيان للإحتفاظ بحياة تعيسة فضلاً عن حمل لقب المُطلقة فيما يري الكثيرون أنه لقب لا غُبار عليه بل قد يكون أفضل كثيراً من لقب عانس لغير المتزوجة. تُلقي ثقافتنا العربية باللوم كُله علي المرأة فتقول «أكيد مهملة» أو «نكدية» وربما «خائنة» متناسين دور الرجل الفعال في الوصول للطلاق، بعض النساء لديهن الجرأة علي تحمل تلك الساخافات وهناك من تعوزهن الشجاعة فخطوة الطلاق تختلف من إمرأة لأخرى بحسب شخصيتها وتربيتها كما أن هناك عائلات لا تعترف بالطلاق وكأنه عيب أو حرام. يبدو الطلاق -في الأساس- مشكلة إجتماعية ونفسية كما أنه ظاهرة عامة تزداد إنتشاراً. إنه «أبغض الحلال» بما يترتب عليه من آثار سلبية من تفكك الأسرة والإضطرابات النفسية والسلوك المنحرف والجريمة وغيرها. وللحق، نال تنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة وتكوين الأسرة إهتمام المفكرين منذ زمن بعيد فنجد بالشرائع والقوانين فصولاً واسعة لتنظيم العلاقة وضمان إستمرارها كما إهتم رجال الدين والفكر وعلماء الإجتماع وعلم النفس أيضاً بها محاولين تقديم ما يخدم نجاحها

تعددت الاسباب والنهاية واحدة
للطلاق أسباب عدة يشترك فيها كلا الزوجين منها الملل الزوجي والرغبة في التغيير وسهولة إيجاد البديل وطغيان الماديات والبحث عن اللذات والأنانية وضعف الخلق وجميعها أمور تستلزم الإصلاح والعودة للقيم والفضائل والأسوة الحسنة. من أسبابه أيضاً الخيانة الزوجية وتتفق كثير من الآراء حول إستحالة إستمرار الزواج في حالة الخيانة ولا سيما خيانة المرأة فيما تتباين في حالة الرجل، أحياناً يكون للشك والغيرة المرضية وإتهام أحد الزوجين الآخر دون دليل سبباً في إفساد العلاقة وتوترها مما يتطلب العلاج لأحد الزوجين أو كليهما إذ يرتبط الشك بالإشارات الصادرة والمستقبلة من قبل الزوجين معاً ويحدث أن ينحرف التفكير لدي أحدهما بسبب غموض الإشارات الكلامية والسلوكية التي يقوم بها كأن يتكلم قليلاً أو يبتسم في غير موضع أو يُخفي أحداثاً دون قصد مما يثير الريبة والشك لدي الطرف الآخر ويؤدي للشك المرضي. هُنا يجري التدريب على لغة التفاهم والحوار والإشارات السليمة وغيرها من الأساليب التي تَزيد الثِقة والطُمأنينة بين الزوجين وتخفف من حدة الغيرة والشك كالأنشطة المشتركة والحوارات الصريحة والإبتعاد عن مواطن الشبهات قولاً وعملاً. يقودنا الأمر لأحد أسباب الطلاق الهامة وهو عدم التوافق بين الزوجين ويشمل التوافق الفكري وتوافق الشخصية والطباع والإنسجام الروحي والعاطفي. ولأنها عُموميات. يختلف تفسير ما تعنيه كلمة «توافق». وعليه، ينبغي تعديل أفكارنا وتوقعاتنا والآهم تقبل طرف الطرف الآخر كما هو مع عدم إغفال كون الأفكار المثالية تؤدي لعدم الرضا. وعملياً، لابد من وجود حد أدنى من التشابه لإستمرار العلاقة ونجاحها فالتشابه يولد التقارب والإختلاف يولد النفور والكراهية. لا يعني التشابه أن يكون أحد الطرفين نسخة طبق الأصل من الآخر بل يمكن للإختلافات أن تكون مفيدة متي جاءت ضمن إطار التكامل والإختلاف البناء الذي يضفي على العلاقة تنوعاً وإثارة وحيوية. بيد أنه متي كان الإختلاف كبيراً أو تنافسياً، فإنه يباعد بين الزوجين ويغذي الكره والنفور. نجد أيضاً طرفاً تنقصه الحساسية لرغبات الآخر ويعود الأمر لجمود شخصيته أو لأسباب تربوية وظروف قاسية وحرمانات متنوعة وربما الجهل. عندها تستحيل الحياة ويأتي الطلاق،

الفتاوي والعين وخراب البيوت
قبل التفكير بالطلاق، ينبغي أن يحاول كلا الزوجين تفهم الطرف الآخر والسعي لمساعدته على التغير فكثير من الأزواج يكبرون معاً و«فارس الأحلام» لا يأتي بسهولة بل يبدو أحياناً «ضرب من الخيال» أو «أسطورة جميلة» متي لم نسع لرعايتها إذ تتطلب الواقعية نضجاً وصبراً وعطاء قدرة علي التعامل مع معطيات الحياة اليومية والمهم هو إحتواء المشكلات ومنع تضخمها. أحياناً أيضاً يكون الزواج المبكر عاملاً سلبياً بنقص الخبرة والمرونة وزيادة التفكير الخيالي وعدم النضج إزاء الطرف الآخر أو الحياة ذاتها. وعليه، تأتي صعوبة التفاهم كأحد أهم أسباب الطلاق ويزيد من حدته العناد وتعنت الرأي والنزعة التنافسية وحب السيطرة والإندفاع وردود الفعل العصبية مما يولد شحنات من الكراهية تبدو -مباشرة- في الصياح والسب والعنف أو بشكل غير مباشر من خلال السلبية «والتكشير» والصمت وعدم المشاركة. وعليه، للكلمة الطيبة مفعول السحر إذ تجعل الفرد يراجع نفسه ويعيد النظر بأسلوبه. يمكن أيضاً تعلم أسلوب الحوار الناجح وضبط النفس التي تُساعد على حل المشاكل سلمياً مع إمكانية تدخل الآخرين فالأم لها مفعول السحر في تهدئة المواقف مع أهمية الفصل ما بين الأهل والزوجين حتي متي إستلزم الأمر تدخلهم. وفي الأسر التي يعمل فيها الطرفان، يؤدي إختلاط الأدوار حتماً للطلاق مما يتطلب الحوار المستمر وتحديد الأدوار والمسئوليات بشكل واقعي ومرن لتفادي الإتهام الدائم بالتقصير وعدم الرضا وإستحضار صور الآباء والأمهات التقليدية دون النظر لإختلاف الظروف. ومن أسباب الطلاق الأخرى «تركيبة العلاقة الخاصة بزوج معين» كأن يكون للزوج أبناء من زوجة أخرى أو تكون الزوجة سبق لها الزواج مما يزيد من الحساسيات المرتبطة بظروف سابقة ويتطلب العلاج تفهماً وصبراً وقوة وتعديل المشاكل وحلها. ومن الأسباب أيضاً «تكرار الطلاق» فيكرر الأبناء والبنات ما حدث للأهل. الطلاق بالطبع ليس مرضاً وراثياً بيد أن الجروح والمعاناة الناجمة عن طلاق الأبوين إضافة للصفات المكتسبة تلعب دوراً في تكرار المأساة ثانية وثالثة. هناك أيضاً إنتشار عادة التلفظ بالطلاق والفتوى بأن الطلاق قد وقع بالفعل وهو الأمر المرتبط بالعادات الإجتماعية والتي تتطلب ضبطاً كيلا يقع ضحيتها علاقات زوجية بإمكانها الإستمرار. تتعدد الأسباب وتبقي الأنانية والهروب من المسئولية وضعف القدرة على التعامل مع واقعية الحياة والجنس الآخر من العوامل الأساسية التي تسهم في حدوث الطلاق. لا يمكننا قطعاً التوقع بنهاية الطلاق فهو ضرورة وله مبررات عدة كما لجميع العلاقات الزوجية الإستمرار في ضوء إستحالة الحياة. وأخيراً وليس آخراً، تجدُر الإشارة لدور العين والسحر والإنساق خلف الغيبيات دون تريث. ومن الأولى بحث الأسباب الملموسة ومحاولة تعديلها لعلاج مشكلة الطلاق وأسبابه والحد منه مع مراجعة النفس والتحلي بالصبر والمرونة لتقبل الطرف الآخر وتصحيح ما يمكن تصحيحه مما يشكل حلاً واقعياً ووقاية من التفكك الأسري والإجتماعي.

نعم.. أنا سعيدة بالطلاق

ميريت شرف

ميريت شرف

كثيرات تفخرن بالطلاق لكونه دليلاً علي قوة الإرادة في مجتمع دائم اللوم للمرأة. في هذا الصدد، تُعرب السيدة/ ميريت شرف، مدير عام شركة الثريا عن رؤيتها الإيجابية إزاء مسألة الطلاق قائلة «الإنفصال فى بعض الحالات يكون أفضل حل فهو نوع من أنواع حل المشكلات بصورة شبه جذرية ولكن للأسف لا تستوعب ثقافتنا الشرعية تلك الحقيقة بل وتراه «خطأ وقرار متسرع» وهو ما قد يدفع البعض منا للحفاظ علي حياة مهلهلة فقط لتفادي القيل والقال وهو الشيء الذي لم أفعله علي المستوي الشخصي فأنا ممن يؤمنن بضرورة المواجهة فضلاً عن تحمل مشكلات متراكمة لا تنتهي داخل المنزل. في حالتي، الطلاق كان الحل الوحيد والأمثل. وللعلم، لم يكن بقاموس حياتى أمراً وارداً بل وكنت ضده بوجه عام لكن الظروف تتغير مع الوقت. وطبعاً، الطلاق ليس نهاية المطاف فهناك إتصال دائم بينى وبين طليقى بسبب الأولاد وبعض الأشياء فلا ينقطع التواصل بيد أنه يبقي مٌقنناً وفي إطار محدد. توافقها الرأي تماماً السيدة/ رقية عبيد وتعمل بمجال التدريس قائلة

 رقية عبيد

رقية عبيد

«طبعاً أنا فخورة بكوني مطلقة فقد عانيت فى زواجى السابق وإنفصلت إثر زواج دام إحدي عشر عاماً. كانت الحياة بيننا شديدة الغرابة فنحن مختلفون تماماً ولكل منا شخصية وتوجه مغاير ولكنني تحملت ملياً لوجود أطفال وكان الجميع يشجعونني علي الإنفصال لعدم جدوي الإنتظار إذ لن يتغير زوجي مع مرور الوقت بيد أنني آثرت التحمل كي أحفظ نفسية أولادي من الإضطراب فالطلاق خطوة صعبة جدا ولكن فى بعض الحالات يكون رحمة للأولاد وهو ما حدث لي. بعد إنفصالى. فوجئت بأن الأولاد فرحين بترك والدهم وبيته إذ يرونه الشخص الدائم الإعتراض ولا يسمح لهم بالحياة كسائر أقرانهم. إذن، فالطلاق كان فى صالحى وصالح الأولاد ولكنها خطوة صعبة عانيت منها كثيراً بسبب كلام الناس فهناك من لديها هاجس أن أخطف زوجها كما أنه ينبغي عليّ مراعاة العودة بوقت مبكر وتفادي كلام الناس. إجمالاً، الطلاق كان أفضل من الحياة فى مشاكل وخناق فأنا اليوم من أقرر الأصلح لى ولأولادى وأعمل ما يجعلنى نفسياً بإرتياح. بإختصار، «ريحت دماغى». ودوماً، يحاول الطب النفسي الوقوف بموقف حيادي متزن ما بين الرأي والرأي الآخر فترى د. سامية الساعاتى، أستاذ علم الإجتماع بكلية

د.سامية السعاتي

د.سامية السعاتي

بنات عين شمس أن الرجل المُطلق غالباً ما يجد نفسه وحيداً بعد الطلاق نتيجة طبيعية العلاقات الإجتماعية التى يبنيها حوله والتى تتسم عادة بالسطحية فهو يشعر بالخيبة والمرارة لفقدان دوره كأب وزوج ويصطدم بالناس نتيجة مسئوليته عن إنهيار الأسرة مشيرة لدور البيئة الإجتماعية التى تحيط بالرجل أو المرأة فى مَدى تأثُر كلاً منهم بالآثار الإجتماعية السلبية الناجمة عن الطلاق. وعليه، فالطلاق يُحطم نفسية الرجل أكثر من المرأة. ولعل من الموروثات الثقافية الخاطئة تحمل المرأة السبب الأول فى فشل الزواج وإنحراف الأبناء كما أن التقاليد تتيح أيضاً للرجل الزواج مرة ثانية وثالثة بحجة أنه الأسرع قدرة علي التأقلم مع الحياة من جديد بينما تفشل حواء فى ذلك كونها الأضعف. بيد أن الحقائق العلمية أجهضت صحة تلك المعتقدات الخاطئة إذ أثبتت دراسة علمية حديثة كون الرجال الأمثر تضرراً من الطلاق وأشارت الدراسة التى شملت 10000 رجل إلى تزايد نسبة الرجال المطلقين ممن يعانون أمراضاً جسدية ونفسية كما أشارت أيضاً لكون الإقبال على الإنتحار لدى هؤلاء يفوق مرتين ونصف معدل الرجال المتزوجين. ويبقي الطلاق علاجاً مراً وأبغض الحلال ورخصة شرعها الله فقط عند الحاجة. ويبقي الأفضل محاولة الإصلاح والبعد عن كتابة النهاية سوي بحالات تستحيل معها الحياة بيسر وسهولة.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda