ذاتوية الأطفال.. المشكلة والحل

د. سحر داود/ دكتور أمراض نفسية للأطفال مركز الخدمات التعليمية

عن‭ ‬التوحد

التوحد أو الذاتوية هو إضطراب يُصيب طريقة الطفل في التصرف والتفكير والإتصال والتفاعل مع الآخرين وقد تم إكتشافه وتحديده كمرض عام 1943 ونجد أن الأطفال التوحديين يتأثرون بطُرق مختلفة بعضهم عن بعض فالأعراض تختلف من طفل لآخر. أولي تلك الأعراض تبدو في الصعوبة التي يشعر بها الطفل في التواصل مع العالم المحيط علي الصعيد الإجتماعي ويبدو ذلك العرض في صورة قصور واضح في إستخدام صور متعددة من قنوات التواصل غير اللفظي كأن يعجز الطفل عن النظر إلي العين عند الحديث وتكون لديه مشكلة واضحة في الإشارة علي أي شئ أو إستخدام تعابير الوجه أو حركات وأوضاع الجسم بصورة سليمة ودقيقة في المواقف الإجتماعية المختلفة وعند الإتصال مع الآخرين. ثاني عرض يبدو واضحاً في الفشل في تكوين علاقات وصداقات مع أشخاص من نفس عمره ومن دائرة المجتمع المُحيط به. هناك أيضاً حالات يبدو فيها الطفل غير قادر تماماً علي الحديث ولديه ضعف تام في نمو القدرة على التواصل بالكلام وليس بالضرورة أن يكون الطفل لا يتحدث علي الإطلاق ولكنه يتحدث بطريقة غير صحيحة أو علي هيئة شخصيات كرتونية. وأخيرا وليس آخراًً، إقتصار أنشطة الطفل على عدد محدود للغاية من السلوكيات النمطية بمعني أنه يهتم بلعبة معينة ويظل حاملها طوال الوقت أو مثلاً إذا إعتاد علي تناول الطعام مثلاً بإستخدام معلقة معينة يستمر في إستخدامها يومياً ولا يقوم بتغييرها مع الإنشغال طويل المدى بأجزاء أو أدوات أو أجسام وإستمرار اللعب بها لمدة طويلة ومهم جداً أن نضع هذه المعايير فى الإعتبار إذ أن هناك خلط ولبس واضح فى التشخيص فأحياناً، يُصنف بعض الأطفال بُمصابي التوحد دون أن تتوفر لديهم كافة الشروط اللازمة لهذا الوصف كما تتفاوت شدة الأعراض وتأخر اللغة ومستوي الإدراك العقلي والتفاعل الإجتماعي فيما بينها،

ما‭ ‬هي‭ ‬أطياف‭ ‬التوحد؟

هناك إضطرابات طيف التوحد وإضطراب التوحد المعتاد الكلاسيكي متلازمة اسبيرجر، التوحد التراجعي، إضطراب الأنماء المتفشي غير المحدد، متلازمة كروموسوم اكس المكسور، ومتلازمة ريت وكل طيف منهم له درجات مختلفة. من الممكن أن تُسبب بعض أنماط السلوك لدي المصابين بإضطرابات طيف التوحد مشكلات بالجهاز الهضمي إذ يصعُب تشخيص نوع المشكلة بسبب صعوبة التواصل مع المريض. فعلى سبيل المثال، فإن نوبات الغضب وسلوك التحدي وخاصة بأوقات تناول وجبات الطعام يمكن أن تظهر لدى شخص مصاب بإضطراب في طيف التوحد إذ يٌعاني ألماً في البطن بعد تناوله الغذاء. وقد تُؤثر أعراض أخرى كإصدار الأصوات بشكل غير عادي مثل النواح أو البكاء، إلى وجود مشكلات بالجهاز الهضمي، وقد تظهر أعراض ثالثة في شكل بدني كالإنتفاخ والغازات وتقطيب الوجه، أو تمسيد البطن إضافة لحدوث مشكلات أخرى مثل إضطراب النوم والإنزعاج، وقد تم إعتبار شهر إبريل، شهراً عالمياً للتوعية بمرض التوحد وتعريف الناس بالمرض وترسيخ ضرورة قبول العالم لهؤلاء الأطفال والتعاون معهم.

هل‭ ‬هو‭ ‬مرض‭ ‬وراثي؟

أثبتت الدراسات الحديثة أن ¾ الأمراض هي في الأصل إستعداداً وراثياً ثم تواجد المريض في بيئة تساعد علي زيادة القابلية للإصابة للمرض أو زيادة حدته بيد أنه لم يثبُت حتي الآن أن التوحد مرض وراثي 100٪. وللعلم، هناك عوامل بيئية تُساعد علي تصاعد حدة المرض ومنها الجلوس أمام التلفزيون لفترات طويلة وكذا تواجد المربيات بالمنزل وغياب الأبوين وبعد الأهل بصورة عامة وهو من الأمور التي تزيد من حدة صعوبة الكلام والتواصل لدي الطفل كما قد تؤدي إلي تأخير اللغة لديه. يبقي أيضاً أن نعلم أن التلوث والأشعة الضارة كأشعة المايكرويف والتطعيم الثلاثي MMR ضدّ الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية قد ييتسببوا جميعهم أو أحدهم في إصابة الطفل بالتوحد. وللعلم، الذكور أكثر عُرضة للتعرض للتوحد إذ تصل نسبة التوحد بين الذكور إلى الإناث بين 1:4 وذلك نتيجة الجينات الخاصة بكلاً منهما كما أنه بصورة عامة الذكور أكثر تعرضاً لكافة الإمراض النفسية فالمرأة بتكوينها تحمُلاً من الرجل في المواقف الصعبة.

ماذا‭ ‬عن‭ ‬العلاج؟

العلاج له شقين أساسين فهناك العلاج السلوكي والعلاج النفسي. أما السلوكي فنحن نتعامل مع الأطفال بأسلوب يطلق عليه aba approach بمعني أننا نعمل علي مكافأة الطفل علي الفور إذا قام بأي شئ جيد ولابد من التركيز أيضاً علي مشاكل المٌدخلات الحِسية لدي الطفل والعمل علي تجنُبها والتقليل منها قدر المُستطاع، فهناك مثلاً بعض الأطفال ممن لا يقبلون الصوت العالي وآخرون ينزعجون بشدة من الضوء العالي أو شم الروائح الغريبة عنهم. أما علي الصعيد النفسي، فلابد من وجود برنامج تأهيلي متكامل بحيث نبدأ أولاً بتشخيص مستوي التوحد ثم نعمل علي تنمية المهارات كتعليم الطفل الفارق بين الكبير والصغير وكذلك الألوان والعمل علي تنمية اللغة لأنه من الضروري إيجاد وسيلة أخري للتواصل والعمل علي المدخلات الحسية. عند التدخل المبكر، نبدأ بوضع برنامج تأهيلي يشمل التركيز والذاكرة وجزء من المهارات التعليمية والإستكشافية والتخيلية، المفاهيم العامة مثل أسماء الأشياء وجزء حركي ولغوي وإجتماعي ثم يتم تقييم درجة التوحد وقدراته المعرفية واللغوية وبناءً عليه يتم تكوين برنامج خاص بكل حالة علي حدة.

ماذا‭ ‬عن‭ ‬البطاقة‭ ‬التوحدي؟

هي بطاقة تشرح حالة الشخص التوحدي الذي يحملها لكل من يتعامل معهم أو يتصل بهم عن قُرب وتطلب منهم إظهار إحترامهم وتحمُلهم ومُساعدتهم له ولكن أثبتت العديد من الدراسات أن الطفل التوحُدي ليس بحاجة إلي بطاقة تفرقه عن غيره وتُبعد الناس عنه بل هو في أمس الحاجة إلي مزيد من الإندماج بين هؤلاء الأطفال ومزيد من التفاعل مع عالمه المحيط.

ما‭ ‬المقصود‭ ‬بالدمج‭ ‬الكلي‭ ‬والجزئي؟

يُقصد بالكلي دمج الطالب التوحدي مع أقرانه العاديين داخل الفصول الدراسية المخصصة للطلاب العاديين وعليه يدرس نفس المناهج الدراسية التي يدرسها نظيره العادي مع تقديم خدمات التربية الخاصة. أما الجزئي، فهو دمجه في مادة دراسية أو أكثر مع أقرانه العاديين داخل الفصول الدراسية العادية فحسب. هناك قانون ينص علي دمجهم بالمدارس ولكنه لا يُطبق إذ لا يوجد أساتذة مُؤهلين كما أن بعض الآباء لا يقبلون وجود أطفال متأخرين مع أبنائهم.

ما‭ ‬الإرشادات‭ ‬الأساسية‭ ‬لوالدي‭ ‬الطفل؟

علي الوالدين أولاً قبول إبنهم وقبول وجود المشكلة والإعتراف بها في المرتبة الأولي ثم بذل الجهد للتعايش معها. ينبغي أيضاً الإستعانة بالعائلة كلها والإعتماد عليهم بالإضافة إلي التعامل مع الطفل علي أساس كونه طبيعياً وليس مختلفاً عن ذويه مع عدم التفرقة بينه وبين أخيه العادي فهو مثلنا له حق في الحياة والتعليم والصحة. ويبقي الأهم التدخل المبكر لمساعدة الطفل بالعديد من المجالات كاللغة والمهارات التعليمية مع العمل مع الطفل بالمنزل فالطفل التوحدي بحاجة إلي أربعين ساعة شغل أسبوعياً ويتم تقسيمهم ما بين المنزل والمدرسة والمركز المتخصص فالأم ليست مُطالبة بالمذاكرة مثلاً ولكن عليها تشجيعه علي المشاركة معها بأعمال المطبخ وبعض الأعمال المنزلية البسيطة كفرد الغسيل مثلاً وكذا ممارسة الرياضة والخروج بصورة منتظمة. وأخيراً وليس آخراً، إذا كان الأهل واثقين وفخورين بإبنهم أياً كانت حالته فسوف ينعكس ذلك علي المجتمع الذي سيقبله بترحاب بل ويتعايش معه بتناغم وسلام.

هل‭ ‬تساعد‭ ‬ألعاب‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬الطفل‭ ‬التوحدي؟

هناك برامج مُخصصة لأطفال التوحُد لتحسين الأداء الخاص بهم وزيادة قدراتهم التواصلية وقدرتهم علي الإندماج ولكنه حفظ وهذه مشكلة بحد ذاتها لأنه لديهم القدرة علي الحفظ بدرجة كبيرة فإن لم يكن البرنامج مُتخصص فهذه مأساة لأن الطفل يبدأ في تكرار الكلام بدون الإستفادة منها في شيء.

كيف‭ ‬يختار‭ ‬الآباء‭ ‬المدرسة‭ ‬المناسبة؟

علي الأهالي إختيار المدرسة التي تتقبل حاجة الطفل والتي تستطيع مساعدته علي النحو الأمثل فعلي سبيل المثال إذا كان الطفل ينزعج من الصوت العالي فعلي المدرسة إيجاد المكان المناسب في الفصل كالجلوس بعيداً عن الشباك كما أنه مهم للغاية إختيار المدرسة بناءً علي الخدمات التي تُقدمها للطفل وليس بناءً علي إسمها وشهرتها فحسب والأساسي قبل أي شيء أن تكون المدرسة ممن يطبقون قانون الإدماج.

كم‭ ‬تبلغ‭ ‬نسب‭ ‬الشفاء؟

30 % من مرضي التوحُد ينجحون في الحياة كمستقلين أي يستطيعون الحياة بمفردهم وفقط 10%يتم شفائهم ولكن لا يمكن الإعتماد بيد أنه لا يُمكن الإعتماد علي تلك الإحصائيات لكونها قديمة نوعاً ما. وللعلم، هناك حالات يُلاحظ بها إنخفاض درجة التوحد علي نحو لافت وخاصة عندما يلتفت الأهل مبكراً للعلاج الذي يبدأ بصورة سليمة وفي وقت مبكر.

ماذا‭ ‬عن‭ ‬عن‭ ‬مركز‭ ‬الموارد‭ ‬التعليمية؟

تم إنشاء مركز الموارد التعليمية بالمعادي LRC في سبتمبر عام 1996بهدف تقديم باقة من الخدمات التعليمية والعلاجية المتخصصة بالإضافة إلي عدد من الخدمات المساندة للأطفال من كافة الفئات العمرية الذين يعانون من صعوبات في التعليم, سواء كانت ناتجة عن التأخر في النمو أو إعاقات التعلم أو المشاكل السلوكية والنفسية. والمركز مرخص كمنشأة طبية تابعة لوزارة الصحة برقم 2545 تحت اسم “مركز الخدمات الطبية للأطفال من ذوي الصعوبات التعليمية”. ويشتمل المركز علي أخصائيين فى العديد من التخصصات، مثل الطب النفسي، وطب الأعصاب وغيرهم من التخصصات الأخري، واخصائيين نفسيين، واخصائي علاج وظائف وعلاج طبيعي، واخصائي علاج مشاكل تخاطب وتنمية اللغة، وكذلك مدرسي تربية خاصة بصعوبات تعلم.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda