في المنيرة، وُلد الموتوسيكل

بعد سنوات من دخول السيارات مصر، عرف المصريون الدراجات النارية كوسيلة للإنتقال. كانت الخمسينيات عصر الدراجات البخارية الذهبي وإن كانت شعبيتها تمتد للأعوام الثلاثين إذ بدأ إستخدامها بالمصالح الحكومية والشركات كبديل رخيص للسيارة وحظيت بشعبية واسعة حتي أنها ظهرت علي طوابع البريد المستعجل خلال ثلاثينيات القرن الماضي بيد أن العقد الخامس من القرن الماضي هو الفترة التي إنطلقت فيها علي نطاق أوسع خاصة إذ وجد البعض فيها متعة تفوق السيارة وتقليعة فيها كثير من الخروج عن المألوف.

في أوائل الخمسينيات، إجتمع عشاق الموتوسيكلات في نادي كان بالأساس مقهي شعبي بحي المنيرة اكتسب شهرته من كم الموتوسيكلات التي كان أصحابها يتركونها أمامه وكان هذا التجمع هو أول رابطة لعشاق الدراجات النارية بمصر أسسها عدد من اليونانيين والأرمن وكان الأعضاء خليطاً من المصريين والأجانب المقيمين فيما ساهم بعضهم ومنهم الأرمني أدورين فلورانس في إضفاء جو سحري بألعابه البهلوانية التي يرفع فيها جسده بالهواء وهو يقود دراجته النارية أمام أعين المارة. كان أدورين عضواً لمجلس إدارة هذا النادي الشعبي كما كان خبيراً بماركات الدراجات النارية المتوفرك بالسوق المحلية ومنها هارلي وكذاBAS وتريامف وأيريال ورويال وصن بيم وتايجر وهي من الماركات الإنجليزية والأمريكية الشهيرة في العالم والتي إختفي بعضها اليوم وكانت الأكثر شعبية بمصر آنذاك. كان للنادي أمينا للصندوق يدعي الحاج محمود عمر وكان من مالكي موتوسيكلات هارلي. وكانت دراجته النارية مشهورة بحجمها الضخم والأحرف الأولي لإسمه والتي كتبها علي المقعد والهوائي الزجاجي الطويل المنتهي بجزء معدني مدبب. كان حسن حسنين بطل الجولف العالمي -آنذاك- من أعضاء النادي أيضاً وكانت دراجته النارية من إنتاج شركة أيريال أما حسن منيب فكان مخولاً من قبل أعضاء النادي فيما يتعلق بشئونهم كما كان يقوم بتصوير كافة المناسبات. كان أعضاء النادي مزيجاً من شرائح المجتمع منهم ثلاثة مصارعين وجزار وعمال وصاحب ورشة لإصلاح الدراجات النارية وميكانيكي وسائقي سيارات منهم شخص يدعي جورج وكان سائقاً بإحدي السفارات الأجنبية ممن امتلكوا موديلاً من إنتاج شركة تريامف الإنجليزية وعدله لزيادة سرعته. إعتاد أعضاء النادي الإجتماع يوم الأحد علي قهوة المنيرة والإنطلاق في رحلات أسبوعية إلي الإسكندرية والفيوم والمعادي وحلوان والأهرام والقناطر الخيرية. أما أطول رحلات النادي، فكانت للعلمين وفيها قطع المتسابقون مسافة زادت عن350 كم.

شهيد الطريق الصحراوي
وكان مقصدها الأهرام. إنطلق الجميع من شارع المواوي لشارع القصر العيني. وبمجرد وصولهم لبداية شارع الهرم، إنطلق الجميع بسرعات جنونية بلغت 140 كم/ساعة. كان مشهد عشاق الدراجات النارية ملفتاً وهم يقطعون مستعرضين مهاراتهم أمام أعين المارة ولعل المشهد الأكثر إثارة هو شارع الهرم الذي انطلقوا فيه بسرعات فائقة ولو حاول أحدهم اليوم تكرار الحدث ذاته، لما إستطاع تخطي حاجز العشرين كم/ساعة. بعد الوصول للأهرامات، بدأ الأعضاء يستعدون لسباقهم الأسبوعي علي طريق الإسكندرية الصحراوي والذي كان خطراً بعض الشئ وتسبب في وقوع ضحايا إذ تعثر أحد المتسابقين بدراجته النارية من طراز تايجر بكومة من البازلت المستخدم في رصف الطريق مما أفقده السيطرة علي الدراجة عند سرعة 150 كم/ساعة وقفز في الهواء لمسافة ثلاثين متراً سقط بعدها علي الأرض فاقداً الوعي. ورغم محاولات إنقاذه إلا أنه فارق الحياة بمجرد وصوله لمستشفي القصر العيني ليكون أول شهيد لأول سباقات الموتوسيكلات.

في المنيرة، وُلد الموتوسيكل

في المنيرة، وُلد الموتوسيكل

من نماذج الهواة الذين قاموا برحلات لفتت أنظار المصريين أيضاً تلك الرحلة التي قام بها اثنين من الإيطاليين أحدهما صحفي يدعي سكورزيني والثاني مصور يدعي ألبرتو لوتشيانو حيث بدأ كلاهما الرحلة من روما وصولاً لإسبانيا ومنها عبرا مضيق جبل طارق وإنطلقا في الصحراء بمحاذاة الساحل وصولاً للقاهرة وكم كانت دهشة الجميع عندما وجدوا أن المغامرين الذين قاما بتلك الرحلة إستخدما سكوتر فيسبا وبرعاية من الشركة الإيطالية. وكان المصريون محقون في دهشتهم نظراً لطول مسافة الرحلة التي بلغت أكثر من 16 ألف كيلومتر. كان المتوقع أن تنتهي الرحلة في القاهرة ولكن بعد زيارة لنادي السيارات المصري تم الإتفاق علي مد مسافة الرحلة بالتنسيق مع وكيل الشركة في مصر ليصل المغامران الإيطاليان لأقصي جنوب مصر وتحديداً إلي أسوان. وكانت مطلوباً من كلاهما تحقيق رقم قياسي للسرعة ولذا قام مسئولو النادي بالاتصال مع مديري مديريات الصعيد لتسهيل مهمة المغامرين كما تم الاتفاق علي تخصيص سيارة جيب كمرافق لهما خلال الرحلة علاوة علي تخصيص دفتر أحوال بكل مديرية فيما بلغ عدد المرافقون أربعة منهم مصور استخدم فيسبا أخري علاوة علي ثلاثة أشخاص استقلوا السيارة الجيب. بدأت الرحلة فجر الثاني عشر من أبريل عام 1953 لتصل للمنيا بعد ثلاث ساعات ومنها لأسيوط في ثلاث ساعات كاملة بيد أن كرم أهالي الصعيد أعاق سير القافلة ملياً إذ أصر البعض علي دعوة

الإيطاليان للغذاء بينما أصر نفر آخر علي تقديم الطعام وإشترط أحد أصحاب محطات البنزين أن يتوقف الفريق لتناول البيرة معه وإلا فسيمتنع عن تقديم البنزين والزيت لكلاهما. لاحظ الإيطاليان أيضا مدي الحفاوة والطيبة التي يتمتع بها سكان القري في الصعيد كما لاحظا قيام الأطفال بلمس الدراجات النارية التي بدت كالأعجوبة للبعض في تلك الفترة. ولكن علي ما يبدو أرادا تفادي الحفاوة المهدرة للوقت حرصا علي تحقيق الرقم القياسي لذا قاما باختيار الطريق الصحراوي لإكمال الرحلة بمجرد وصولهما لأسيوط حيث بدأت المرحلة الثانية في فجر اليوم التالي وتمكنا بالفعل من الوصول لقنا في الواحدة ظهرا وأكملا الرحلة متجهين للأقصر ووصلا في المساء. وبحساب متوسط السرعة خلال الرحلة تبين أن كلا من المغامرين قطع مسافة 1023 كم خلال 26 ساعة أي بمتوسط 40 كم/ ساعة وكان الرقم قياسيا لسرعة فيسبا بمصر منذ 55 عاماً. وفي أواخر عام 1951 وصل لمصر إثنان من الرحالة الألمان ومعهما موتوسيكل من صنع بلادهم وفي نيتهم القيام برحلة يقطعان فيها القارة الأفريقية وقد قام نادي السيارات الملكي بعد اتصاله بنادي السيارات الألماني بتيسير أمور الشابين وتسهيل مهمة تسليم سايد كار بعد عجز الموتوسيكل عن حمل متعلقاتهم.

قصة السكوتر
وفي بداية الخمسينيات، إنتشر نوع جديد من الدراجات النارية عرف بإسم السكوتر في أنحاء مصر وكانت أشهر الماركات آنذاك هي فيسبا ولامبريتا وصار هذا النوع موضة بين أوساط الشباب. وربما النظر في مزايا هذا النوع يجعلنا ندرك سبب إنتشاره. فبالنسبة للأمبير، كانت دراجة خفيفة الوزن بقوة لم تتجاوز 5 أحصنة وإستهلاك وقود منخفض للغاية لم يزد عن لتر واحد لكل 50 كم تقطعه فيما تبلغ سرعتها القصوي 80 كم / ساعة، ولهذا، انتشرت ولم ينافسها سوي الفيسبا الشهيرة خلال تلك الفترة بفضل السعر المنافس والإستهلاك شبه المنعدم للوقود والذي لم يكلف صاحبها أكثر من 8 ملليمات لكل 10 كم فضلاً عن مصاريف الترخيص والتأمين الضئيلة. في البداية إنتشرت تلك الأنواع من الدراجات النارية بين أوساط الطبقة المتوسطة ثم سرعان ما توارت كثيراً وبدأت تنتشر في الطبقات الشعبية. وربما اللافت للإنتباه هو جودة التنظيم خلال فترة الخمسينيات والتي شهدت مولد نادي فيسبا لعشاق تلك الماركة وكان النادي يتولي تدريب الأعضاء علي قيادة فيسبا فضلاً عن تنظيم رحلات إلي المدن والمناطق السياحية المجاورة للقاهرة الأمر الذي زاد من شعبيتها خلال تلك الفترة.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda