زينب خاتون


بيت زينب خاتون ليس مجرد أثر تقف مندهشاً أمامه وأنت تشاهد دقة الزخارف و جمالها، ولا مجرد مكان رحب تمكث فيه لفترة وتتركه فبموقعه الفريد في القاهرة الفاطمية يمثل وتراً، يهتز ويتناغم مع أنشودة الحضارة الإسلامية. يكشف لنا هذا البيت ملامح العصر المملوكي ويمتد بنا إلى العصر العثماني، فالبيت قد تم بناؤه عام 1486 ميلادياً، منذ حكم المماليك لمصر، على يد الأميرة «شقراء هانم» حفيدة السلطان الناصر حسن بن قلاوون، وفي عام 1517م هزم العثمانيون المماليك في موقعة الريدانية، وبدأ الحكم العثماني في مصر. تعاقب الوافدون الجدد على سكن البيت وأضفوا لمساتهم عليه، وكان آخرهم زينب خاتون التي سمي البيت باسمها. و بعد وفاتها، آل البيت للأوقاف المصرية التي أجرته للعديدين منهم قائد بريطاني وكان ذلك خلال سنوات الإحتلال البريطاني للإراضي المصرية.
هذا البيت العتيق ليس مجرد شاهد على بعض السطور من صفحات التاريخ بل يرصد لنا الفكر المعماري المميز للعصر المملوكي والأنماط الهندسية الشائعة فيه ويوضح كيف سخر المهندس المملوكي أدواته الفنية للحفاظ على راحة المرأة ورفاهيتها.

صعود الأميرة
كانت زينب خاتون معتوقة لأمير مملوكي ثري يدعى «محمد بك الألفي» الذي أعتقها فيما بعد، وبعد تحررها تزوجت من أمير يدعى «الشريف حمزة الخربوطلي» ولأنها تزوجت أميراً، فقد أصبحت أميرة مثله وتملكت البيت بعد وفاته. رغم ماشاع من أن المرأة في العصرين المملوكي والعثماني عُزلت وراء المشربيات وإقتصر دورها في إطار عالم الجواري والحريم. لكن زينب خاتون أثبتت عكس ذلك، ففي عام 1798 جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر وبدأ نضال المصريين ضد الإحتلال الأجنبي. وشاركت زينب خاتون في هذا النضال فكانت تؤوي الفدائيين والجرحى الذين يلجأون إلى البيت عندما يطاردهم الفرنسيون، وقد عثر في البيت على سبع وعشرين جثة دفنت في سرداب تحت الأرض، يعتقد أنها جثث الجرحى التي كانت زينب خاتون تؤويهم داخل بيتها. وإذا كانت قصة حياة زينب خاتون تكشف لنا ملامح هامة عن حياة هذه السيدة، فإن البيت نفسه وما يشتمل عليه من قاعات وأنماط هندسية يكشف لنا عن سمات العمارة المملوكية وما تحمله من رؤية.

القباب وتكييف الهواء
يُعتبر بيت زينب خاتون نموذجاً للعمارة المملوكية. فمدخل البيت صمم بحيث لا يمكن للضيف رؤية من بالداخل وهو ما أطلق عليه في العمارة الإسلامية «المدخل المنكسر». وفور أن تمر من المدخل إلى داخل البيت ستجد نفسك في حوش كبير يحيط بأركان البيت الأربعة وهو ما إصطلح على تسميته في العمارة الإسلامية بـ «صحن البيت»، والهدف من هذا التصميم، هو ضمان وصول الضوء والهواء لواجهات البيت وما تحويه من حجرات. فبيت زينب خاتون يتطابق في هذه السمة مع البيوت الأخرى في القاهرة الفاطمية كبيت الهراوي والذي تم بناؤه عام 1486، نفس العام الذي تم فيه بناء زينب خاتون، وبيت السحيمي الذي تم بناؤه عام 1648 مما يدل على أن الصحن كان سمة أساسية لعمارة البيوت في العصرين المملوكي والعثماني. يشتمل الطابق الأول على «المندرة» وهي المكان المخصص لإستقبال الضيوف من الرجال و«أسطبل الخيل» و«المزيرة» وهو المكان المخصص لحفظ المياة و«المطبخ» و«الطاحونة» و«مخزن الغلال». وتتجسد القباب كنمط هندسي شائع في كل من «الطاحونة» و«مخزن الغلال» و«المزيرة»، ففي «المزيرة» يتخذ سقف الحجرة شكلاً قبابياً وفي «الطاحونة» و«مخزن الغلال»، تتداخل القباب في سقف الحجرة، مما يجعل للسقف نسقاً فنياً مميزاً. وتعمل القباب كوسيلة لتكييف الهواء، وهو ما يتناسب مع وظيفة تلك الحجرات للحفاظ على برودة المياة أو حفظ الغلال. فمن المعروف أن الهواء الساخن، الأكثر تمدداً يصعد إلى أعلى بينما يتحرك الهواء البارد الأقل تمدداً إلى أسفل. كما يرصد لنا الدور الأول إستخدام القباب كوسيلة للتهوية، فإن الدور الثاني يحدد لنا أنماطاً هندسية أخرى إستخدمها المهندس المملوكي لتهوية الغرف، ويشتمل الطابق الثاني على مقعد للرجال وهو مايطلق عليه «السلاملك»، ومقعد للحريم وهو ما يسمى بـ«الحرملك.» ويتكون السلاملك من «تراس» واسع يطل على صحن البيت ويتصل به ممر صغير يعتبر همزة الوصل إلى الحرملك وهو الأكثر رحابة مقارنة بمقعد الرجال.

الحمام ورفاهية السيدات
يتضافر عنصرا الجمال والرحابة في الحرملك، فتمتد الزخارف إلى أعلى السقف بإرتفاع أربعة عشر متراً، وتتدلى من السقف ثريا كبيرة تضاء بالزيت. وتعلو السقف قبة متسعة وهي ما أطلق عليها «الشُخشيخة» في العمارة الإسلامية. وتعمل على إدخال مزيد من الإضاءة إلى الحجرة وخلق مجالٍ لتيار الهواء، ويبدو أن هذا المكان كان مفضلاً لدى سيدات البيت في الماضي، فعلى جانبي المشربيات، تمتد «الكتبيات»، التي كان تحفظ فيها النساء الكتب، فربما كانت تجلس السيدة لتطلع على الكتب بينما تستمتع بالهواء والضوء أسفل المشربية. ويتصل بالحرملك حمام السيدات، وهو الذي يدل على مدى إهتمام سيدة البيت في هذا العصر بصحتها وجمالها. وينقسم الحمام إلى ثلاثة أجزاء وهي الحمام نفسه وغرفة التدليك وغرفة الإستراحة. فبعد أن تخرج السيدة من الحمام، تتجه إلى غرفة التدليك التي يأتي البخار إليها من فتحات خاصة وبعد التدليك تنتقل السيدة لتستريح في غرفة صغيرة مجاورة قبل أن تتجه إلى غرفة اللبس. ويفصل غرفة اللبس عن الحمام سلمتان صمما خصيصاً بإرتفاع كبير لتقوية عضلات السيقان؛ وكما يكشف لنا الحمام عن إهتمام سيدة البيت برفاهيتها. تتميز غرفة الأميرة في الطابق الثالث بالزجاج الملون متقن الصنع الذي يضيئ الغرفة بألوان مختلفة حين يسقط ضوء الشمس عليه. وعلى الجانب الأيسر من الحجرة، يوجد باب يؤدي إلى «صندلة»، والأخيرة تشتمل على سرير علوي كانت تمكث فيه السيدة بعد الولادة. فبعد أن تلد السيدة كانت تصعد إلى الصندلة ولا تترك الغرفة إلا بعد مرور أربعين يومًا. ولذلك حكمة طبية وهي أن مناعة الطفل تكون ضعيفة في الأربعين يوما الأولى. لذا كانت الصندلة تعمل على عزل الجنين والأم عن أي مسببات قد تضر بصحة أي منهما. وما إن تخرج من غرفة الأميرة، ستجد نفسك في سطح البيت وأمامك بورتريه حي لمآذن القاهرة بدء من جامع الأزهر ومروراً بجامع الحسين والسلطان حسن. فتجد نفسك واقعاً تحت تأثير شعور غريب ممزوج بالأسى والحنين إلى ماضي الحضارة الإسلامية الذي إزدهرت.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda