رمضان عندنا

أنشودة حب نشدو بألحانها عاماً بعد عام وذكريات يحفظها القلب. المسحراتى صغاراً يوقظنا والخيمة شباباً تدعونا للإنطلاق والقاهرة القديمة بمعالمها الأثرية وطرقاتها العتيقة، حواديت خلف الأسوار والمشربيات والدكاكين ورمضان يتجدد كل عام.

من منا لا يعرفه

من منا لا يذكره حيث إعتاد أن يوقظنا للسحور وأصبح علامة بارزة للشهر الكريم، إنه المسحراتي، تلك المهنة التى لا يخلو شارع أو منطقة أياً كانت طبقة ساكنيها منه طيلة الثلاثين يوماً. على مدار الشهر الكريم، تتبدل نداءاته ففى العشرة الأوائل، نراه يُهنىء بقدوم الشهر «جيت يا شهرالصيام بالخير والبركات، قوم ياصايم وحد الدايم، رمضان كريم». وفي العشر الثانية، يدعو «يانصف رمضان يا غفران الذنوب» أما فى العشر الأخيرة، فُودع رمضان منادياً «وداعاً يارمضان يا شهر الكرم والإحسان» ويُذكر أن تلك المهنة الرمضانية الأصيلة قد إنتشرت من مصر إلى العالم العربى بأسره لتُصبح عنواناً ورمزاً لا يزول.

الفانوس أصله فاطمى

قصة إرتباط الفانوس برمضان جاءت مُصادفة حين دخل المعز لدين الله الفاطمي مصر فى 5 رمضان عام 392 هجرياً. ومن باب الترحيب، إستقبله أهلها بالفوانيس وكانت عُبارة عن فانوس أبيض به لمبة نمرة 5. ومن ثم، إرتبط شهر رمضان بالفانوس وأصبحت عادة رمضانية وإزدهرت صناعة الفوانيس وأصبح له أشكال عديدة فهناك الفانوس الكبير الذي يصل لمترين وثلاثة أمتار ويُستخدم لتزيين الحدائق والفنادق والمنازل كما تم تطوير الأشكال التقليدية للفانوس والتى كان يُطلق عليها فاروق أبو باب والفانوس المخمس وشقة البطيخ وأبو الأولاد بإستحداث أنواعاً جديدة منها بكار والنجمة وفراولة مع إستخدام الرسومات والنقوش المزخرفة لتزيينها. وكانت الأدوات المستخدمة لصناعة الفانوس بدائية كالصفيح والقصدير وماء النار والزجاج والمقص والثنايات اليدوية، أما الآن، أصبح هناك مكابس وثنايات وإسطمبات لرسم الصفيح وشبلونات لرسم الزجاج كما عاصر الفانوس الأحداث من حوله فمثلاً ظهر فانوس علي شكل مسجد قبة الصخرة يسمونه «فانوس القدس» لمساندة القضية الفلسطينية.

الهراوى والتسمية لآخر مالك

فى قلب الحسين، شريان التراث القديم وقلب القاهرة العتيقة، يقع بيت الهراوي وأحد القصور القديمة والعلامات الثقافية البارزة التي تزخر بالأنشطة الفنية والثقافية وتتميز بالجو الرمضانى الأصيل. ولتسمية البيت قصة طريفة فقد أسسه السيد أحمد بن يوسف الصيرفي عام 1731 مع بدايات القرن الثامن عشر وجاءت التسمية مصادفة إذ كان آخر من إمتلكه السيد عبد الرحمن باشا الهراوي عام 1881 وكان العُرف قد جرى علي أن يُطلق على البيت إسم آخر من إمتلكه ومن ثم أُطلق عليه منزل الهراوي، تأسس على الطراز المعمارى العثمانى وكان السائد آنذاك ولمكانته الأثرية وطرازه الفريد، جرت عمليات ترميمه وإصلاحه وتم الإنتهاء منها وإعادة إفتتاحه رسمياً خلال شهر يوليو عام 1996 ثم تم تحويله من أثر تاريخى لمركز إبداع فني متخصص.

بيت العود.. لحن شرقي أصيل

نبعت فكرته من الفنان نصير شمة، عازف العود الشهير لترى النور مع نهايات شهر أكتوبر من عام 1998 فيما تم الإفتتاح الرسمى لبيت العود داخل قصر الهراوى بالحسين. لم تأت الفكرة من فراغ بل كانت وليدة حالة عشق عاشها المُبدع شمة الذى تبنى ضرورة إيجاد مكان متخصص يتبنى طالب الموسيقى ويساعده فى التدريب العملى ليُصبح أستاذاً للآلة ومالكاً لكافة أسرارها وأوتارها. ومن ثم تكتمل الدراسة النظرية بالخبرة العملية والتطبيق المستمر لكافة النظريات الأكاديمية. وجاء بيت العود ليُترجم رغبة دفينة لدى مؤسسه فى المزج ما بين المدارس الموسيقية المتداخلة في العزف علي العود بشكل يُحقق المزج الأمثل والمتكامل للموهبة والدراسة. واليوم يجمع بيت العود أمهر العازفين في حفلاته الساهرة وأنشطته العامرة وأمسياته الثقافية التي تحظى بإقبال جمهور عريض وإشراف تام من مؤسسه الفنان نصير شمة. أما بيت السحيمى، فيعود لأكثر من 400 عام للوراء ويعد أحد الأبنية التراثية القديمة التى تم بناؤها إبان القرن السادس عشر ويرمُز لحياة الطبقة الثرية المترفة ويصور تفاصيلها الدقيقة واليومية فى هذا الوقت.

زويلة أصله المتولى والمدفع صدفة

أحد أبواب القاهرة الرئيسية التى شُيدت عام 969هـ كمدينة ملكية للفاطميين. كما يُعد المدخل الجنوبي لسور القاهرة الثاني. بناه القائد الفاطمي الوزير بدر الجمالي عام 1092م وكان يُعرف آنذاك بباب زويلة أيضاً. أما أثناء العصر العثمانى، أطلق عليه إسم بوابة المتولي وهو من العلامات البارزة والأصيلة للقاهرة القديمة. ولا يحين موعد الإفطار بالقاهرة إلا عندما ينطلق المدفع مُعلناً نهاية يوم من أيام شهر رمضان وبداية يوم جديد. يُعرف مدفع رمضان بإسم الحاجة فاطمة ويقع أعلى قلعة صلاح الدين الأيوبى بالقاهرة القديمة. يعود تاريخ مدفع رمضان لعام 1895 عندما قام والي مصر خوش قيد بتجربة جديدة وهى إطلاق مدفعه الجديد ساعة الغروب فى أول رمضان فشكره أهالي القاهرة فيما أقنعته إبنته فاطمة بالإستمرار في إطلاق المدفع طيلة أيام الشهر ليُصبح العلامة الرئيسية لإنتهاء يوم الصيام وبداية الإفطار وآذان المغرب. ومع مرور الأعوام وإتساع القاهرة، لم يعد ممكناً أن يعتمد الصائمون على صوت دوى المدفع لبدء الإفطار، فأصبح المدفع تقليداً يشاهده الناس فى التليفزيون ويسمعونه فى الراديو.

20 ألف درهم يومياً للبناء

فى مدينة الألف مئذنة، يقبع جامع السلطان حسين وواحداً من أعظم المنشآت المعمارية في العالم الإسلامي بأسره.أنشأه السلطان حسين بن الناصر بن محمد بن قلاوون عام 757هـ بطراز جديد ومبتكر فى ذلك الوقت إذ أقيم علي التصميم المعمارى المتعامد. يضم الجامع أربعة مدارس كبري للمذاهب الأربعة وبه قاعات للدرس ومساكن للطلبة وغيرها. وكأي مؤسسة دينية من العصر المملوكى، يضم الجامع مستشفي بالجزء الغربي من المبني. بلغت تكاليف إنشاء المبني يومياً 20 ألف درهم من الذهب وإستمرت لمدة لثلاث سنوات وهو مبلغ كبير للغاية سواء آنذاك أو حتى فى عصرنا الحالى. يضم الجامع أيضاً عدد من التحف المعمارية الفريدة والزخارف والبوابات ذات التصميم الأناضولي والتي جعلت منه أحد أهم التحف المعمارية في العالم الإسلامي بكل عصوره. بدأ ظهور مائدة الرحمن فى عصر السلطان برقوق الذي إعتاد ذبح 25 بقرة طيلة رمضان والتصدق بلحمها على الفقراء والمحتاجين وكان عددهم آنذاك يتعدى 5 آلاف فرد يومياً ممن يتنافسون للحصول على أكبر نصيب من الذبائح.

الخيمة أسمطة والقطايف مملوكي

منذ أكثر من أربعمائة وألف عام، كانت الخيام الرمضانية تقام بقلب الصحراء لنفس الأهداف التى تقام لأجلها اليوم. ففي صدر الإسلام كانت القبائل الكبيرة تحتفل بشهر رمضان بإقامة خيام كبيرة لإستقبال ضيوف القبائل الأخري وتمتد السهرات حتي السحور وساعات الفجر الأولى وتضم الشعراء والأدباء والصعاليك ومناظرت أدبية ومجالس لقراءة الشعر وسرد الأدب. وخلال العصر الفاطمي، إتخذت الخيمة طابعاً مبتكراً وأُطلق عليها «أسمطة» وكانت تقام لتقديم وجبات الإفطار الخيرية التي يتبرع بها الوالي وإستمر الحال كذلك حتي بداية حكم محمد علي باشا. وفى أعقاب الإحتلال الإنجليزي لمصر، إنتقلت الخيام من الطرقات للمقاهي والأندية وجذبت إليها قطاعات واسعة من فئات الشعب حيث يمضى الحضور الوقت فى الإستمتاع بحكايات الراوي وقصص أبو زيد الهلالي. ومع مجئ الأفغاني لمصر وإقامته شبه الدائمة بمقهي ماتنيا بميدان العتبة الخضراء، أصبح المقهي خلال شهر رمضان مُلتقي أتباع وتلاميذ الأفغانى بجلسات تمتد حتى السحور وصلاة الفجر وإنضم إليهم لاحقاً النديم وسعد زغلول. وظل مفهوم الخيمة يتطور حتي بلغ شكله الحالى وأصبحت الخيمة مُلتقى الأصدقاء والسهرات وعنوان رمضان كل عام.ولحلويات رمضان أيضاً قصص شهيرة فمثلاً القطايف ترجع للعصر المملوكي حيث أقبل الجميع على إعدادها وأكلها طوال شهر رمضان وكانوا يحشونها بالمكسرات وكان قليها يتم فى زيت اللوز وكذلك الزلابية التى إنتشرت فى نفس التوقيت كواحدة من أشهر حلويات رمضان. ومن أطرف القصص المتداولة عن أشهر حوادث رمضان فى الماضى وتحديداً خلال حكم الدولة الفاطمية، حدث أن ارتفعت أسعار الكنافة والقطايف وحلوي رمضان بأحد الأعوام بشكل ملحوظ فاق طاقة العامة من الناس ممن إعتصموا طالبين خفض الأسعار ليتمكنوا من الحصول على حلوياتهم المعتادة.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda