أراغون.. انبعاث الأسطورة

إذن توقف قلب لويس أراغون، وهوى واحدٌ من تماثيل فيدياس الخالدة ليتحول إلى كوكب دائم الإشعاع وهو يتجول في مدار هذه الأرض التي عاش عليها كما ينبغي لرجل عظيم أن يعيش، هو الموت إذن وقد آن أن يستجيب لنداءات «الزا تريوله» تلك المرأة الملاك التي انعطفت بحياة أراغون كلها إلى حيث تربعَ أخيراً على قمة الجبل الشاهقة وحيداً منفرداً وسط رطوبة فقدان رفيقة الحياة الملهمة.

تلك هي جلبة الخالدين وهم يتأهبون لاستقبال ضيف كبير آخر وتلك هي «الزا تريوله» بثيابها البيضاء الملائكية تلّوح من بعيد وعلى شفتيها ابتسامة الرضا فها هو لويس يعود ليكون معها مرة ثانية في رحلة لا نهائية، وأية رابطة تشدني بكل هذا العنف إلى رجل تفصلني عنه مسافات شاسعة ولا أحلم حتى بالوصول إلى آخر ظله الطويل في مطلع شمس هادئة؟ أية رابطة تلك التي تجعل الرعشة تتسلل إلى يدي وأنا أكتب هذه الكلمات؟ ولكنني أهدهد نفسي وأهمس أليس هو أراغون؟ فمن أين يدخل المرء إلى عالم أراغون الشاسع؟!

ولادة في عالم ممزق
في 3 تشرين الأول وفي صبيحة يوم شتائي ممطر سنة 1897 دوّت في أحد البيوت الفقيرة في ضواحي باريس صرخة مولود جديد ليعلن بدء رحلة عذاب طويلة في هذا العالم الصاخب كانت الطبيعة هي الأخرى تعلن حزنها في ذلك اليوم الشتائي المكفهر وهي تتأمل مسيرة التعب الطويلة التي تنتظر هذا الوليد الذي ما أن بدأ يشب عن الطوق ويتعرف على أبجدية حقائق الحياة حتى بدأت الحرب الكونية الأولى بكل عنفها وضراوتها لتسجل فوق المخيلة الغضة إيقاعاً عنيفاً كان بداية لأحزانٍ كثيرة رافقته في مسيرته الطويلة الشاقة، وهكذا وجد لوي نفسه مرغماً على العيش في مجتمع ممزق تناهبت قيمه الحرب ببشاعتها وأحداثها وذكرياتها، كانت أوروبا في تلك المرحلة تعيش مرحلة انقلاب على المفاهيم الدينية التي توارثتها وأعلنت غضبتها على شرائع السماء التي سمحت لكل هذه البشاعة أن تحدث على الأرض، كان المواطن الأوروبي ممزقاً يائساً حاول أن يبحث في إنجازات العلوم عن ملاذٍ يعوضه عن هذا الاهتزاز الروحي العنيف فوضع هذه الإنجازات نصب عينيه في محاولته اليائسة لتعويض ما فقد من القيم الروحية ولكن التطور العلمي جاء ليزيد من يأسه وشقائه بعد أن تركز على صناعة وتطوير الأسلحة الفتاكة المدمرة تأهباً لحروب جديدة أخرى، وسط كل هذه الفوضى المروعة عرف أراغون العالم وكان قد فقد الكثير من أصدقائه المقربين مختزناً الكثير من الذكريات الحزينة وقد ولدت الدادائية في هذه الفترة كتعبير عن التمرد الفوضوي ضد لاإنسانية الحرب وبشاعتها وكان هذا الاتجاه بما يحتوي عليه من رغبة عارمة في التدمير تصل إلى حد الهوس والجنون والسخرية العابثة من الواقع، كان يستوعب تلك النفوس القلقة الحائرة المتمردة التي تبحث عما يعيد لها توازنها الروحي في زمن خمد في قلب المعاني وكف عن الخفقان، وقد حمل راية هذا التمرد أدباء معروفون أصبحوا فيما بعد رواد الاتجاه السريالي، كانت مجموعة أراغون الشعرية الأولى نار الفرح عبارة عن مجموعة من القصائد الدادائية التي تنضح منها السخرية والإساءة والمزاج الحزين كانت ابتسامة متهكمة ساخرة في زمن كان يصعب فيه على المرء أن يبتسم.

أوسمة بطولة
كتب أراغون نتاجاً وفيراً توزع بين البحوث والدراسات النقدية والشعر والرواية ويمكن القول أن جميع الروايات التي كتبها أراغون هي عبارة عن رواية واحدة اسمها حياة لوي أراغون، تلك الحياة البطولية الحافلة بمآثر الشجاعة والنبل التي أمضاها مع شريكة حياته الزا تريوله مقاتلين بالسلاح والكلمة في سبيل تحرير فرنسا من سلطة الغزو النازي وهيمنته، وتمثل عملاً ملحمياً رائعاً لبطولة الشعب الفرنسي، ويشير عدد من النقاد إلى أن أراغون كان الوحيد من بين جميع المبدعين الذي كان يستعمل ضمير الأنا ليعبر به عن الذات الفرنسية الواسعة.

موقف مشرِّف من القضايا العربية
في آخر مقابلة له في الصحافة العربية جدد أراغون مواقفه المشرفة والنبيلة من القضايا العالمية عموماً والعربية منها على وجه الخصوص فهو يرى أن الوطن العربي بحضاراته الخالدة وامتداده التاريخي هو عالمه، وكان يحاول طوال حياته إثارة انتباه الشعب الفرنسي ليرى الحضارة العربية على حقيقتها، لقد وقف إلى جانب القضايا العربية العادلة منطلقاً من فهمه الشامل لحق الشعوب في تقرير مصيرها بعيداً عن الهيمنة الأجنبية والتسلط الخارجي، ومواقفه من الحرب التي خاضها الشعب الجزائري في سبيل الحصول على استقلاله، والاعتداءات الاستعمارية على الأقطار العربية معروفة ولكن هذه العلاقة بينه وبين العرب تتجاوز هذه المواقف إلى أعماله الإبداعية، فرائعته – مجنون ألزا- إنما تستلهم حكاية مجنون ليلى العامرية المعروفة في تاريخنا العربي. ومن أهم أعماله في الشعر«نار الفرح، قلب كسير، عيون الزا ومتحف جريفان»، أما مؤلفاته الروائية فهي الأخرى تمثل نتاجاً غزيراً نذكر منها «فلاّح باريس، البانوراما، ثم مسلسل عالم الواقع الذي احتوى على أجراس مدينة بال، الأحياء الجميلة، المسافرون على عربة أمبريال».

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda