من سارتر إلى بدوى:الوجودية بين الجدل وكثير من التناقضات..

علم كان ومازال مثيراً للجدل برغم كونه السبيل الأول للتفكير المنظم والبحث فيما وراء الظواهر والأحداث.. من الفلسفة ما اتفق والفطرة البشرية السليمة، ومنها ما ناقض العقل والدين.. وفي مجملها، دفعت العقل البشرى للبحث والتنقيب

بداخلها، نشأت الوجودية.. فى ثورة على الواقع ومحاولة جادة لتغييره..
اشتقت الفلسفة من «فيلاسوفيا» اليونانية وتعني «محبة الحكمة» وقامت على التساؤل والتدقيق دون التجريب العلمي، نقل المسلمون الفلسفة عن اليونانيين أفكارهم فيما عدا ما يلوح بالزندقة لرفض الخوض في طبيعة الخالق والمخلوق والاكتفاء بما ورد بالكتاب والسنة. ومازالت بعض التيارات الإسلامية تؤمن بأنه «لا فلاسفة للإسلام» بل علماء يتبعون الكتاب والسنة، أما الوجودية، فتيار ظهر بألمانيا إثر الحرب العالمية الأولى ومنها لفرنسا ليمتد عقب الحرب العالمية الثانية لأوروبا وأمريكا وبلاد الشرق، هي في الأصل اتجاه فكري يعلي من قيمة الإنسان ويؤكد تفرده وحريته في التفكير والاختيار دون موجه «الإله» أى أن الفرد لديه حرية الاختيار فى معتقداته بعيداً عن القيود الدينية والاجتماعية والأهم عدم إيمان الوجوديين بوجود قيم ثابتة أو معايير للسلوك، بدت مظاهر الوجودية أولاً بأزياء الشباب الغريبة والميل للامبالاة واقتناص الفرص والاستمتاع بالملذات بأقل جهد مع إهمال الملبس والنظافة مما جعلهم مثالاً للخمول والقذارة والبوهيمية.

سارتر.. الأشهر على الإطلاق
يرى المفكرون أن «سورين كيركجورد» هو أول من تناول الوجودية في كتابه «رهبة واضطراب» ومن أشهر زعمائها «القس جبرييل مارسيل» والألماني «كارل جاسبرز» والفرنسي «بسكال بليز» والروسيان «بيرد يائيف» و«شيسوف» اللذان دعما اتجاه الوجودية المؤيد للدين بعكس من ناصروا الاتجاه الإلحادي أمثال«ألبير كامو» و«جان بول سارتر» عميد الوجودية والذي دعا في «الوجود والعدم» لأقوى مظاهر الانحلال وتعظيم الفردية وكان مكروهاً بل كان الناس يتحاشونه حين يدخل مقهي «الفلور» وتعرض لعمليتين إرهابيتين ولكنه نجا، تعرف العرب علىه من أعماله المترجمة للعربية وموقفه المعادي للعرب والفلسطينيين إذ لم يكن شجاعاً في تطبيق أفكاره ولم يكن حيادياً بل شوه فكره اليساري بتأثره باليهوديتين «سيمون دي بو فوار» و«كلود لانيزمان».

من الغرب إلى الشرق
تسللت الوجودية للثقافة العربية من بوابة الأدب وكان العقاد أشهر من ناقشوها وإن لم يعتنقها، أما أشهر الوجوديين العرب فهو د.عبد الرحمن بدوي الذي أبدى إعجابه بحرية الفرد المطلقة كما بحث في التراث العربي والإسلامي عن جذور التشابه بينها وبين الوجودية، وبرغم إعجابه بالوجودية وقادتها، إلا أنه تراجع عن عدد منهم قبل وفاته إذ تعرض لهجوم جم من قبل المفكرين والعلماء الإسلاميين الذين أصدروا الفتاوى بتكفير الفكر الوجودي والوجوديين وترادفت لديهم الماركسية والوجودية سواء بسواء وزاد الطين بلة حين أصدر كتاباً ضم فصولاً مترجمة ومؤلفة بعنوان «من تاريخ الإلحاد في الإسلام» وضم دراسات عن الملحدين في الإسلام وأبرزهم «ابن الراوندي»، ومنع طبع الكتاب حتي عام 1996م، وضع أيضاً كتاب «التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية» وضم فصولاً مترجمة عن الألمانية والإيطالية لمستشرقين حول المؤثرات اليونانية في الفكر الفلسفي الإسلامي بيد أنه يحسب له اعترافه بالخطأ إذ ردد لاحقاً بأن الوجودية هي فلسفة الهدم وأخطر ما فيها إنكارها لله والسخرية بالأديان واعتبار الإيمان عائقاً دون الحرية، وفي أواخر أيامه، كرس جهده للدفاع عن الإسلام والتصدي للمتعصبين من اليهود والنصارى وألف أكثر من كتاب بالفرنسية دافع فيها عن الإسلام والنبي والقرآن الكريم ثم توج جهده بموسوعتين بالفرنسية لتاريخ الفلسفة الإسلامية، ولعل الأديب أنيس منصور وجودي فكرياً لكن بعيداً عن الاتجاه الإلحادي وهو من تلاميذ د. بدوي وليس من عيب فالوجودية كأية فلسفة لها سلبياتها وإيجابياتها ورغم صراعها الطويل مع الإنسانية، إلا أنها اندثرت جذرياً ولم يعد من تعاليمها سوى مبدأ الحرية المطلقة والذي تتبعه المجتمعات اليوم تلقائياً.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda