ســـرطان الـحنجـــرة..ما بين التدخل الجراحي والعلاج الإشعاعي

دكتور أحمد عبد الهادي

د: أحمد عبد الهادي

حزننا‭ ‬لخبر‭ ‬إصابته‭ ‬بالسرطان‭ ‬وسعدنا‭ ‬كثيراً‭ ‬لشفائه‭ ‬منه‭.. ‬انه‭ ‬النجم‭ ‬العالمي‭ ‬المحبوب‭ ‬مايكل‭ ‬دوجلاس‭ ‬والذي‭ ‬أعلن‭ ‬رسمياً‭ ‬شفاؤه‭ ‬التام‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬سرطان‭ ‬الحنجرة‭ ‬والذي‭ ‬أصابه‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬أعوام‭ ‬وأخضعه‭ ‬لعلاج‭ ‬طويل‭ ‬ومكثف‭ ‬إنتهي‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬وأسفر‭ ‬عن‭ ‬شفائه‭ ‬التام‭ ‬دون‭ ‬أدني‭ ‬تدخل‭ ‬جراحي‭. ‬وللحق،‭ ‬برغم‭ ‬إنتشاره‭ ‬وإصابة‭ ‬الكثيرين‭ ‬به،‭ ‬الآ‭ ‬أن‭ ‬سرطان‭ ‬الحنجرة‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأنواع‭ ‬المألوفة‭ ‬لدينا‭ ‬برغم‭ ‬إمكانية‭ ‬الإصابة‭ ‬به‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬الإكثار‭ ‬من‭ ‬إستخدام‭ ‬الحنجرة‭ ‬علي‭ ‬نحو‭ ‬مستمر‭ ‬ومكثف‭. ‬عن‭ ‬المرض‭ ‬وأسبابه‭ ‬وسبل‭ ‬علاجه،‭ ‬يتحدث‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬عبد‭ ‬الهادي،‭ ‬مدرس‭ ‬مساعد‭ ‬طب‭ ‬المنصورة‭ ‬وطبيب‭ ‬الأورام‭ ‬بمستشفي‭ ‬السلام‭ ‬الدولي‭ ‬مشيراً‭ ‬الي‭ ‬أن‭ ‬التدخل‭ ‬الجراحي‭ ‬ليس‭ ‬دوماً‭ ‬الإختيار‭ ‬الأوحد‭.. ‬والدليل‭ ‬دوجلاس‭.‬

بداية، تحتل الحنجرة المنطقة بأعلي القصبة الهوائية وهي العضو المسئول عن إخراج الأصوات وتتكون من ثلاث مناطق أساسية وهي الأحبال الصوتية(Glottis)  والمنطقة التي تعلوها (Supra-Glottis) وأخيراً، المنطقة التي تقع أسفل الأحبال الصوتية ويطلق عليها -علمياً(Infra-Glottis) . أما سرطان الحنجرة، فيصيب الإنسان غالباً بعد سن الخمسين وتتفوق نسبة إصابة الرجال علي النساء بثلاث أضعاف علي الأقل وتتفاوت تلك النسبة فتزيد بالمجتمعات التي تكثر بها ظاهرة تدخين النساء. ولعل التغيير الواضح في الصوت وهو ما نطلق عليه البحة من أهم أعراض بداية ظهور المرض ويحدث التغيير بصورة فجائية بيد أنه ليس شرطاً أيضاً علي وجود الورم إذ هناك ما يدعي بعنقود المطربين Singer Nodule وهو عبارة عن عنقود صغير يظهر بوضوح ويرتبط بصورة مباشرة بأصحاب الأعمال التي يكثُر بها إستخدام الحنجرة لفترات طويلة ومتتالية كالغناء ومنها جاء أصل التسمية. وهُناك عدد من الأعراض الأخري كعدم القدرة علي البلع أو النتفس بصورة سليمة وطبيعية إذ يتضخم الورم لدرجة تمنع وصول الهواء للقصبة الهوائية مما يستلزم عمل فتحة أمامية بالقصبة الهوائية أعلي عظمة القص  Tracheostomy لضمان الحفاظ علي القدرة علي التنفس لحين علاج الورم ويتم إغلاقها في مرحلة لاحقة بأغلب الحالات مع إنتهاء العلاج. قد يحدث في أحيان أخري أن تتضخم الغدد الليمفاوية بمنطقة الرقبة دون وجود سبب واضح ويستدعي تضخمها عمل الفحوصات اللازمة لإستبعاد أية أورام قد تتكون بتلك المنطقة قبل الشروع في التشخيص.

أساسي‭ ‬للفحص‭ ‬والعلاج

يظل منظار الحنجرة هو الخطوة الأولي والأهم لتشخيص أورام الحنجرة وله عدة أنواع أبسطها المنظار غير المباشر indirect laryngeoscope وهناك أيضاً المنظار المباشر سواء الصلب أو المرن بيد أن الأخير هو الأكثر ذيوعاً بفضل سهولة إستخدامه وإنعدام آثاره الجانبية بخلاف المنظار الصلب والمختص بعمل تلك المناظير هم أطباء جراحة الأنف والأذن. أما الفحص الآخر والذي يتساوي بالأهمية مع المنظار، فهو الأشعة المقطعية علي الرقبة لفحص الغدد الليمفاوية ومعرفة ما إذا كانت مُتضخمة بالفعل أم لا وتلك الأشعة هي أشعة تشريحية وليست توظيفية بمعني تحكم علي تضخم الغدد بالإصابة مباشرة وهو الأمر الذي قد يُعطي أحياناً نتائج خاطئة. لذا تم إستبدالها حالياً بأشعة أحدث تدعي «الأشعة الوظيفية» وهي الأشعة البوزيترونية المقطعية PET/CT وتعتمد علي تصوير الخلايا السرطانية من واقع إستهلاكها للجلوكوز المشع FDG فقد تكون الغدد كبيرة حجماً ولكن ليس بها أي نشاط سرطاني وقد تكون صغيرة وبها نشاط وهو الأمر الذي تحدده الأشعة بدقة. وأخيراً، تظل عينة الورم التي يتم إستئصالها خلال عمل المنظار من أهم أدوات العلاج إذ يتم تحديد طريقة العلاج والعقاقير المستخدمة بُناء علي تحديد نوع الخلايا المتحورة والمسببة للسرطان.

الجراحة‭.. ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مستحبة

أمسي علاج سرطان الحنجرة علي درجة عالية من السهولة بفضل التقدم غير المسبوق بأساليب العلاج الجراحي والإشعاعي فضلاً عن إكتشاف عدد من العقاقير المعالجة للخلايا السرطانية والتي تصيب الحنجرة وكذا الأبحاث الحديثة التي تجمع ما بين أكثر من وسيلة علاجية لتحقيق أفضل النتائج للتخلص من الأورام. ومن ثم، تقلص دور الجراحة بصورة كبيرة ليقتصر علي حالات بعينها لحماية صوت المصاب والحفاظ عليه قدر الإمكان فيما إنحصر دورها في إستصال الغدد المصابة بالرقبة فحسب Cherry picking وليس كل الغدد كما كان الحال سابقاً بالإضافة إلي الأورام الصغيرة والتي يتم إكتشافها مبكراً ولا يتعدي حجمها المليمترات القليلة ويتم إستئصالها بالمنظار الحنجري دون التأثير علي الأداء الصوتي للمريض. وفي حالة الأورام كبيرة الحجم أو تلك التي تصيب أكثر من منطقة بمناطق الحنجرة الثلاث، فالعلاج الإشعاعي المتزامن مع العلاج الكيمائي أو العلاج الموجه يظل من أفضل الخيارات المتاحة حالياً وخاصة إثر التطور الكبير بأجهزة العلاج الإشعاعي ووسائله ومنها العلاج الإشعاعي الثلاثي الأبعاد3-D Conformal Radiotherapy وهو من أحدث وأفضل التقنيات التي تقلل من مشاكل العلاج الإشعاعي إذ يتم توجيه الأشعة لأماكن الأورام مع الحفاظ علي المناطق المحيطة وغير المصابة بالورم بدون تأثير يُذكر. أما بالنسبة للأورام ذات الأشكال غير المتناسقة، فتم تطوير نوع من العلاج الإشعاعي ويُدعي العلاج الإشعاعي متغير الشدة Intensely Modulated Radiotherapy ويتم من خلاله توجيه الأشعة العلاجية لكل جزء من الورم بدقة متناهية وبجرعات يحددها الطبيب سلفاً وكلا النوعين من العلاج الإشعاعي المتطور يعمل علي زيادة الجرعات الإشعاعية للورم دون شعور المريض بأية مشاكل صحية بعكس العلاج الإشعاعي التقليدي. ومؤخراً ولزيادة كفاءة العلاج الإشعاعي، تمت إضافة المحفزات الإشعاعية وعقاقير يتم تناولها خلال مرحلة العلاج وتؤثر علي الخلايا السرطانية وتضعفها مما يجعلها أكثر حساسية وإستجابة للعلاج الإشعاعي ومنها العلاج الكيمائي والذي يُعطي بجرعات مخفضة أسبوعياً مثل CISPLATIN وهناك عقاقير موجهة كتلك التي تصيب الخلايا السرطانية فحسب إذ توجه لبعض المستقبلات وتدعي Epidermal Growth Factor Receptor أي مُستقبلات النمو السطحية كما أن هناك أبحاث تناولت تلك العقاقير وأهمها Cetuximab حيث توجه لسطح الخلايا السرطانية لتدمير تلك المستقبلات فتمنع الخلايا من الإنقسام وتحيلها للموت المبرمج Programmed Cell Death يساعد العلاج الإشعاعي علي إتمام مهمته بصوره أسهل وأسرع كحالة النجم العالمي مايكل دوجلاس والذي كان يعاني من أورام سرطانية بالحنجرة بدرجة متقدمة وتم شفائه بالكامل دون أي تدخل جراحي بل فقط بإستخدام العلاج الإشعاعي المتزامن مع المحفزات الإشعاعية وهي كما ذكرنا الحالة الأكثر ذيوعاً وضماناً اليوم لعلاج المرض.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda