الدبلوماسية كما عرفتها

سلمي الفقي
حرم السفير محمد البدري
سفير مصر في روسيا

هي في سطور
أم لثلاث أبناء،، إبنة الدبلوماسي الدكتور مصطفي الفقي وزوجة السفير محمد البدري سفير مصر بروسيا. لها وجوه كثيرة فهي دبلوماسية ومذيعة عملت بالجامعة العربية حتي تولت منصب مستشار كما عملت كمذيعة بالقناة الثانية والنيل تي في وهي فنانة لها مشروع خاص عبارة عن تصميم إكسسوارات منزلية بالنحاس المدقوق تمزج من خلاله التراث العربي الأصيل ومفرداته المختلفة بلمسة عصرية. وأخيراً، هي ممثلة مصر في الخارج بحكم كونها جزء من البعثة الدبلوماسية كزوجة السفير.

كيف ومتي تعرفتي علي زوجك؟
كان محمد أحد تلاميذ والدي بالجامعة الأمريكية، كان والدي دائم التحدث عنه وكان يحبه بشدة وهكذا الحال مع محمد. وعندما سافر للعمل بالخارج، كان دائم الزيارة لوالدي خلال الإجازة بمصر. وفي يوم، كانت الوزارة مغلقة فدعاه والدي للمنزل وجاء وتقابلنا وتعرفنا عن قرب وتزوجنا ورزقنا بثلاث أبناء.

ما الفرق بين الحياة الدبلوماسية قبل الزواج وبعده؟
الفرق شاسع فأنا لم أشعر بحياة والدي الدبلوماسية لأننا استقرينا في مصر من سن 11 سنة وعندما سافرت مع والدي كنت في سن صغيرة وذهبنا لإنجلترا ثم الهند وبعدها عدت لمصر وكنت في الحادية عشر. بعدها استقريت بمصر حتي تزوجت وكان عمري آنذاك 22 عاماً. خلال تلك الفترة، كان والدي يعمل برئاسة الجمهورية وكان من الصعب السفر. بعد الزواج، تغيير الوضع تماماً وبدأت الحياة الدبلوماسية الحقيقية ورأيت وجهها الذي لم أعرفه من قبل. لقد وافقت علي الزواج من دبلوماسي نظراً لحياة والدي التي لم أشعر بها إعتقاداً مني أنها ستكون شبيهة بحياة والدي. ولكن حدث العكس فكل أربع سنوات في بلد، كانت البداية في تركيا ثم بلجيكا حيث قضينا أربع سنوات وبعدها نيويورك لمدة أربع سنوات أيضاً وبعد ذلك لندن ثم مصر لمدة عامين وحالياً نحن في روسيا. تلك الحياة ليست سهلة كما يعتقد الناس وقد إكتشفتها علي حقيقتها. يري الناس الحياة الدبلوماسية من الخارج ويعتقدون أن حياة الدبلوماسي حفلات ومراسم وسفر وقد تكون هكذا بالفعل ظاهرياً ولكن هناك وجه آخر متعب فالغربة ليست سهلة والسفر كل مدة لب لد مختلف يحتاج لمجهود عقلي وبدني غير طبيعي فشكل الحياة ونمطها يتغير تماماً كل أربع سنوات فالعالم المحيط يفرض عليك لغات مختلفة وعادات وعادات تكون أحياناً متناقضة، تغيير أسلوب حياة وأصدقاء وطقوس، بإختصار كل شيء يتبدل كل أربع سنوات بحسب المنصب ومحل الإقامة الجديد. هناك أيضاً مشاكل الأبناء والتي تزداد حدتها مع تقدمهم في العمر ويكون الأمر أصعب فهم يكبرون ويكون لديهم أصدقاء وحياة ويقولون نريد أن نبقي مع أصدقائنا. ويبقي التحدي الأعظم في كيفية الإحتفاظ بالهوية والعادات والطقوس الخاصة بنا وخاصة بالنسبة للأولاد فمثلاً عندما كنا في أمريكا لم نكن نحس بالعيد وكنت أعمل جاهدة علي زرع فيهم تقاليدنا وأحاول إشعارهم بعاداتنا فكنت آتي بالكحك والحلويات وأعطيها لهم لتوزيعها علي زملائهم في الفصل. حرصت علي إلتزام أولادي بشعائرنا فعودتهم علي الصيام من الصغر وحرصت علي طقوس رمضان وكنت أستعد بعصائر ومأكولات رمضان وقبل السفر أشتري لهم الفانوس ليظلوا علي إرتباط بهويتهم ولا يشعروا بالغربة. مثل تلك الأمور هامة لزوجة الدبلوماسي فالأم عليها عبء نقل تلك العادات لأبنائها لبعدهم عن وطنهم. كان علي أيضاً عبء كبير وهو ضرورة تعليم أولادي لغة بلدهم وكنت دائماً أواجه مشكلة تعليمهم اللغة العربية والدين فكنت أبحث عن مدرس لغة عربية مصري ليعلمهم العربية باللهجة المصرية والمنهج المصري وهو أمر ليس هين. وفي كل زيارة لمصر، كنت أشتري كتب الوزارة وكنت شديدة الإصرار علي توطيد الصلة بين أولادي وبلدهم ليكونوا قادرين علي التواصل مع مصر متي عدنا إليها. والحمد الله ظهرت النتيجة عندما عدنا لمصر وحصلوا علي درجات جيدة في الإختبارات كما أنهم جميعاً يتحدثون العربية بطلاقة. حاولت جاهدة أن أكون مثل أمي تماماً فأمي لم تجعلنا نشعر بالغربة ولو للحظة كما كانت إمرأة صبورة وقوية وقفت بجانب والدي كثيراً ومازالت وأنا الأن أحاول أن أكون مثلها وأحقق ما حققته.

حدثينا عن قائمة ممنوعات حرم الدبلوماسي؟
يظل العمل الأصعب علي الإطلاق فزوجة الدبلوماسي ممنوع أن تعمل فهي تمثل بلدها وإذا عملت قد ينظر للعمل بأي جهة علي كونه ضد الهدف الأساسي. وحتي إذا حصلت علي موافقة الوزير، قد تستمر النظرة ذاتها. ضايقني الأمر للغاية إذ لم أشعر بأياً من المجالات التي عملت بها فكنت صحفية ومذيعة لكنني لم أستطيع النجاح مهنياً بل ضحيت بعملي من أجل زوجي فأنا أسير خلفه لأحافظ علي عائلتي وأولادي. أقوم كل فترة بنبذة بسيطة عندما أعود لمصر خلال الإجازات فأنزل علي الجدول أذيع فأعمل شيء أحبه ولو لفترة. عندما تكوني صاحبة شخصية قوية، يضايقك الأمر وخاصة مع التقدم في العمر لكن يظل الإنجاز الأعظم الذي أفخر به هو تربية أولادي علي النحو الذي أعتز به اليوم ووقوفي بجانب زوجي. تنتابني أحياناً تساؤلات من نوعية أين أنا الآن وأحاول جاهدة شق طريقي والآن أقدم برنامج وأشرف علي مشروع الأكسسوار. أحاول دائماً ولكنها سنة الحياة التي لا تمنح للإنسان كل شيء.

كيف إستفدتي من سفرياتك العديدة؟
الفترة الأولي كانت الأصعب علي الإطلاق إذ كانت أول مرة أبتعد عن عائلتي وكنت صغيرة جداً، تركت مصر وتركت أصحابي وقضيت فترة الزواج الأولي بمفردي. أحببت تركيا وكانت بلجيكا أيضاً بلد جميلة جداً ومناسبة لظروفي وفي هذا الفترة أنجبت وكانت الحياة أمان وهدوء. نيويورك كانت نقلة كبيرة وكان أبنائي لا زالوا صغاراً وهناك كان زوجي مشغول للغاية مما جعلني أتحمل المسئولية بمفردي وكانت للحق تجربة متميزة وجيدة للغاية. تعرفت هناك علي أشخاص كثيرين وتعلمت أشياء كثيرة وكنت أذهب لكل مكان بمفردي فلا يوجد وسائل مساعدة في نيويورك. كنت في مطبخ العالم فكل شيء يحدث من هناك وكان علي عبء كل شئ فكانت صعبة من جراء المجهود البدني ولكنني اكتسبت مهارات جديدة ومختلفة. أما لندن، فكانت الأفضل علي الإطلاق فأولادي قد كبروا وبدأت المسئوليات تخف بعض الشئ وكان زوجي معي أيضاً بصورة أكبر ومن ثم كانت حياتنا كأسرة أفضل وكنا نجلس كعائلة وكنا لنا أصدقاء كثيرين من مصر في لندن. وكانت النقلة الأصعب بعدها هي العودة إلي مصر فأبنائي قد كبروا وزاد لديهم الوعي والإدراك وأصبح من الصعب عليهم مفارقة حياتهم القديمة. نعم، كنت ألوم زوجي آنذاك برغم أنه غير مُلام فهي مهنته لكنني كنت أشُفق علي أولادي من صعوبة التأقلم علي حياة جديدة وتكوين صداقات جديدة والحياة بمجتمع مختلف. الأمر ليس سهلاً بل شديد التعقيد فالحياة الدبلوماسية لها تداعيات وجوانب ليست كلها جديدة وبرغم أنها بالفعل مميزات تكمن في التعرف علي ثقافات جديدة ولكن الإنتقال من مكان لآخر وبناء بيت جديد ليس بالأمر الهين بل ثمنه باهظ إذ يسرق عمرك بدون أن تشعر مما يستلزم شخصية قوية مثابرة قادرة علي تقديم كل هذا العطاء لزوجها وأبنائها.

كنت واجهة مصر، فماذا تقولين عندما يكون السؤال عنها وعن أحوالها؟
كنت مثل أي زوجة سفير، أعمل جاهدة علي تمثيل مصر علي أكمل وجه وأكون واجهة مشرفة لبلدي فالسلوك يعطي إنطباع عن بلدك سواء شكلاً أو موضوعاً. كان لزاماً علي أن أبرز ثقافتي وحضارتي وقدرتي علي التحدث بلغات عديدة مما يعكس حضارة بلدي وعراقتها. وللحق، كنت دائمة التحدث عن أصالة مصر وعراقتها وثقافتها وقدرتنا كمصريين علي الإندماج والتواصل مع مختلف الحضارات والثقافات وأن أكون دوماً متحدثة جيدة ولبقة ومُلمة بكل الأمور من حولي. كنت أذكر مصر بكل خير وأسرد الحديث عن كل شيء جميل بها. وحتي عندما يكون هناك هجوم، أحاول أن أكون دبلوماسية وسياسية ببلاقة وكياسة.

ما أكثر الأشياء التي زرعتيها بأبنائك في الخارج؟
الإرتباط بالبلد وبالعائلة وزرع بداخلهم جذور وأصول هويتهم المصرية والحمد الله أري أنني نجحت في ربط أولادي بمصر وغرست حبها بداخلهم فهم يحبون الجو الأسري جداً ومتي إفتقدوه يريدون تعويضه.

ماذا عن دور جدهم؟
أبنائي هم دلوعة والدي وقد حرصنا دوماً علي التجمع الأسري فعندما كنا في الخارج كانت عائلتي تزورني بإنتظام وأولادي مرتبطين جداً بجدهم ونقضي أوقات كثيرة مع الأسرة ولدينا يوم مخصص لزيارة الأهل والاقارب ولكن إرتباطهم بجدهم أقوي فهو دائماً يعلمهم ويقوم بتوجيهم ويصحبهم لأماكن تاريخية ويشرح لهم الكثير عن مصر كما يعطي لهم الافكار ودائماً ما يستشيرونه في كل أمورهم.

هل ضايقت أبنائك الشائعات حول جدهم؟
إطلاقاً، فعندما يسمعون شئ يسألوني أو يسألوا جدهم وهم متفاهمين للغاية ولم يتأثروا بالأمر تماماً وتلك أحد ميزات الدبلوماسية فالتنقل من بلد لآخر علمهم البعد عن العند والتعنت فهم متفاهمين لأبعد الحدود ودائمي القراءة والإطلاع والحوار مفتوح دوماً مع جدهم في كل شيء.

حدثيني عن تجربة الإنتقال من بلد لآخر؟
لحظات سعيدة وأخري حزينة ولها العديد من المميزات والعيوب أيضاً. ففي كل مرة أري ثقافات وبلاد مختلفة وأتعرف علي حضارات وعادات مختلفة أيضاً وبرغم جمال الأمر وما يضيفه للشخصية، إلا أنه أمر متعب ومرهق ويستلزم جهد كبير ويضع المرء تحت ضغوط كثيرة.
أتري حقوق المرأة المصرية مُساوية لغيرها؟
بالطبع لا إذ لم تنل المرأة في مصر بعد جميع حقوقها شأنها شأن دول أخري. لابد أن يكون لها صوت مسموع أعلي ولابد أن تفرض نفسها وتتفاعل أكثر مع مُجريات الأمور من حولها. صحيح أنها تنزل إنتخابات مثلاً لكن هذا ليس كل شيء. أري اليوم نماذج مشرفة بالمجتمع الذكوري الذي نعيش فيه حيث صوت الرجل مسموع وكلمته شبه نافذة. لابد أن نعيش في مجتمع الصح والغلط وليس الرجل والمرأة ولابد أن تحكمنا قوانين وأعراف واحدة كما لابد من وجود قوانين تكفل للمرأة مساحة أكبر وإعلام يبرزها أكثر كما أن التعليم أيضاً له عامل فلابد أن نربي الأجيال علي عقلية تعي أن الرجل مثل المرأة كلاهما يكمل الآخر بلا تنافس بينهما ولا إختلاف.

عائلة د. مصطفي الفقي، ماذا تمثل لكي؟
أبي هو مثلي الأعلي فهو سندي الذي ألجأ إليه في كل شيء. وبرغم مشاغله العديدة والدائمة، كان لديه دوماً متسع من الوقت لي وكان شديد التركيز بكل تفاصيل حياتي وحتي الآن هو الملجأ الأوحد وله دور في كل شيء كما أنه مثقف وقاريء وشديد الوعي والإدراك بتغير العالم ومستجدات الأمور. أما أمي، فهي الملاك الحالم فهي مثابرة وصبورة للغاية ودائماً ما تحتوينا كما أنها مستمعة جيدة لنا ولمشكلاتنا ومهتمة بكل أمور حياتنا. أخذت من شخصية أبي أكثر من أمي فأنا إجتماعية جداً مثله وأقوم بأكثر من عمل في وقت واحد وهو أمر يحتاج لتركيز شديد. كما أنني ورثت أيضاً بعض ملامح وجهه وأنا أيضاً سريعة الإنفعال والأفعال مثله وإبني مصطفي أيضاً ورث ملامح أبي وطباعه.

ماذا عن المستقبل في روسيا؟
حتي الآن، لا يوجد مُخطط واضح ولكن الأساس الذي أتطلع إليه هو تربية أبنائي وتعليمهم تعليم جيد وأتمني أن أراهم دوماً يصحة جيدة هم وزوجي وأفراد عائلتي الكبيرة.

كيف تقضين أوقات فراغك؟
أعشق الخروج مع أصدقاء المدرسة وزيارة أقاربي وأهلي كما أعشق مشاهدة الأفلام العربية وأحب أيضاً العمل في منزلي وأجدد فيه بصورة دائمة فأنا أحب منزلي فهو مملكتي وفي الخارج أحرص دائماُ علي التعرف علي زوجات السفراء وتكوين صداقات جديدة.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda