كنوز نوبية

أرض الكنوز الدفينة والطبيعة الخلابة ومقصد عاشقي الألوان، ترابها ذهب وسمرة أهلها تحيل أرضها لفردوس يحمل عبق الماضي وعراقة حضارة تمتد بجذور بعيدة لا زالت تحفظ هويتها بترقيع أهلها الحريصين عليها،بين أروقتها تفوح حكايات الصبر والصدق والشجاعة وعلي جدرانها تنتشر أساطير تحدي الصعاب وقصص الفن الراقي الذي يهذب الوجدان، إنها النوبة ومن قلب أبنائها العاشقين ولد الإيمان والتمسك بكنوزها وأسرارها وخباياها. عن كنوز نوبية، كان هذا الحوار.

كيف جاءت فكرة «كنوز نوبية»؟

أنا نوبية وأعمل في التنمية منذ سنوات الدراسة وكنت أسافر للخارج لأعمل لفترات ولأن التنمية لا تُدر عائد مادي كان لابد أن أعمل لتوفير إحتياجاتي وبالفعل عملت بقطاع البنوك وبرغم كل الإمتيازات التي حصلت عليها إلا أنني كنت أشعر بشئ غير مكتمل بداخلي فلا يمكن أن أكون مجرد ترس في آلة إذ أكره الروتين والحياة التقليدية وأعشق الحياة المليئة بالحيوية ومن ثم قدمت إستقالتي وقررت أن أعمل ما أحب وبدأت المشوار وقررت إكتشاف التغيير الذي يمكنني المشاركة في تحقيقه لبلدي وبدأت رحلتي من حدود حلايب وشلاتين مروراً بكل النجوع والقري والمدن بمصر. خلال تلك الرحلة، رأيت قري وأماكن غير موجودة علي الخريطة فهناك مثلاً بلد عبارة عن شق بين جبلين نتيجة إنفجار منجم ما وأصبحت قرية ينام أهلها علي أحجارها وقرية أخري لا يوجد بها سوي فرد واحد متعلم وأخري جميع سكانها مصابيين بالرمد بجانب مشاكل التعليم والصحة وغيرها حتي وصلت للقاهرة وكنت يائسة للغاية فالأشخاص مهماً قدمت لهم يظلون دائمي الشكوي. ولأنني علي قناعة بأن الحكومة وحدها لا تستطيع القيام بكل شيء فهي ليست أكثر من عامل مساعد ولأني لاعبة جودو وبنت النوبة، رفضت الإستسلام وقررت العمل بمنطقتي. ولأنني لا أعيش في النوبة إحتجت لفترة من الزمن حتي يستوعبني أبنائها وقررت البعد عن عائلتي وإخترت مناطق لا يعيش فيها أقاربي وهناك رأيت حياة أهل النوبة فراد وحب المشاركة الأصيل بداخلهم وأقمت في منزل خاص بي وبدأت في عقد جلسات مع كبار البلد لإقامة مظلة للعمل وبالفعل أشهرت المؤسسة وبدأت العمل علي جمعية كنوز نوبية.

ماذا عن تجاوب الأهالي؟
البداية لم تكن سهلة فأهل أسوان تمت المزايدة عليهم كثيراً وخاصة النوبة وكان كارت الأمان لهم أنني نوبية ومنهم. وهناك، تعرضت لكثير من المواقف الطريفة فالمنزل الذي إستأجرته كان له سور كبير بحديقة وكان الأطفال يدخلون فيدقون الجرس ثم يهربون ومن ثم إتفقت مع بعضهم أن يأتوا إلي بالأطفال مقابل مكافاة وبالفعل بدأوا يأتون بأصحابهم لتناول الحلوي وكان أمام منزلي مركز للشباب ولأنني لاعبة جودو بدأت أدرب الأطفال علي الجودو، كنا في البداية 10 ثم أصبحنا 32 وقبل كل تمرين كنا نتعلم شيء جديد في النظافة أو السلوكيات أو التعليم حتي أصبح لدينا فريق عمل ومتطوعين كبار وصغار وإكتسبت ثقة الأهالي وبدأنا في الحديث عن مشروعات تنموية للقرية وهنا نشأت فكرة النوبة بالألوان. وللعلم، لم أكن بالنسبة للأهالي تلك الفتاة القادمة من القاهرة لحل المشاكل ولكنني حاولت أن تكون المشاكل التي اعمل عليها نابعة من الأهالي وفقاً لإحتياجاتهم والحلول المتوفرة في المكان دون الإستعانة بأي جهة أو شخص من الخارج وبدأت في جمع الأصول ووجدت أن الناس والتاريخ هما الموارد الوحيدة المتاحة ومن ثم أعددت خطة تنمية ثقافية وإقتصادية وتراثية وبيئية وسياحية وبدأنا في عمل المشغولات اليدوية

وجمعنا النقوش النوبية القديمة وقمنا بتجميع الرسوم الموجودة في بيوت النوبة قبل الغرق وبذلنا كثير من الجهد لإقناع السكان بالمكوث في المكان وعدم الهجرة التي كانت لها آثار إجتماعية وإقتصادية ونفسية سيئة علي الأهالي.

image_1(2)ولماذا النوبة بالألوان؟

قررت العودة للفن والتراث ولأن النوبيين عاشقين للرسوم والزخارف قررنا إستعادة حبهم لتلك الفنون التراثية وبدأنا في العمل علي الرسوم الموجودة بالبيوت وكانت تختلف من عائلة لأخري فكل عائلة لها ألوانها وطابعها. وبالفعل، بدأنا في تجميع الرسومات وإستعنا بدكتور من كلية الآثار لدراسة الألوان المستخدمة في الآثار وتلوين المعابد وتعلمنا كيفية إستخدام خلطات لتركيب الألوان بدون مواد كيمياوية وبمواد طبيعية كالجير والأعشاب. بدأنا بجمع المتطوعين وإستعنا في البداية بالرسامين لوضع الخطوط الأساسية ثم بدأ المتطوعين في التلوين ثم قررنا المزج ما بين أهل الشمال والجنوب لإذابة الفوارق وتحقيق التلاحم بينهما وجعلنا من «النوبة بالألوان» دعوة مفتوحة لجميع المحافظات وكنا نشتري الألوان والخامات والمتطوعين فيما يقوم أهل النوبة بإستضافتهم. وللعلم، مهرجان كنوز النوبة غير خاص بالتلوين فقط بل يضم تلوين ورسومات وموسيقي وورش عمل عن لغة الحوار والخطاب وكيفية وأهمية التعاون وتبادل الثقافات فلدينا ثقافات متعددة في مصر. بعدها، بدأنا في دعوة الجامعات الخاصة ووفد إلينا 25 طالب وطالبة من جامعات مختلفة وأقمنا لهم معسكر وإنخرطوا في التلوين وحملات توعية زيارة المنازل والتحدث مع الأطفال والفتيات والنساء عن أهمية التعليم والنظافة.

ما أكثر ما أسعدك أثناء العمل؟

من أكثر ما أسعدني أن الشباب الذي أتي من محافظات مختلفة كان علي دراية بخطوات التلوين ودمج الألوان وتركيبها وبدأ الجميع يفكر في جعل كل محافظات مصر وليست النوبة وحدها بالألوان وكذلك الحال فيما يتعلق بالحرف التراثية فلكل محافظة مصرية خصوصيتها والتراث الخاص بها ويظل الهدف الأسمي دعم المواطن إقتصادياً وخلق مصادر دخل غير تقليدية. ولعل أكثر ما آلمني أنني عندما بدأت العمل بقرية لأكثر من عام ونصف علي التنمية وإحياء التراث حدث أنه قبل إفتتاح المهرجان أراد أهل القرية تقاضي مقابل مادي لإقامة المهرجان وكنت في غاية الضيق فليس هذا هو الهدف الذي أسعي إليه ولكنني نجحت قبل إقامة المهرجان بيومين نقلت كل شئ لقرية أخري.

مشروعات مستقبلية

نعمل خلال تلك المرحلة علي مشروع إنارة المنازل في اللوحات فيوجد قري يتم قطع الكهرباء عنها بعد الساعة السادسة ومن ثم نعمل الآن علي إنارة المنازل بالطاقة الشمسية.

????????????????????????????????????

????????????????????????????????????

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda