شارع محمد علي … ليالي ملاح وعوالم

اكتسب شهرة كبيرة منذ القرن الماضي إذ كان يضم عدد كبير من الفنانين وكانت الحياة به صاخبة ففي كل منزل ولكل ساكن من الحي قصة وحكاية، حتى الجنازات كانت تُشيع بالموسيقى، طوال السير في هذا الشارع العريق تطالعك أسماء طريفة وغريبة منها نعيمة شخلع وزوبة الكمسارية وأنوس المصرية وعزيزة كهربة وغيرها، من قلب الشارع العتيق، خرج ألمع فناني مصر من أمثال صالح عبد الحي وشكوكو وعمر الجيزاوي وشفيق جلال وغيرهم. إنه شارع شديد الشهرة وشديد الغرابة إذ يحمل تاريخ القاهرة فوق ظهره وعلى أرصفته، إنه شارع محمد علي، شارع الأنتيكات والآلات الموسيقية وفرقة حسب الله وصاحب الفضل على العديد من نجوم السينما والتليفزيون على مدار شهرته وذيوعه وهو الشارع الذي بناه محمد علي والي مصر الكبير ومؤسس دولتها الحديثة عام 1845 ليصل بين مقر حكمه في القلعة وحي الأزبكية مقر كبار الأمراء ولكنه لم يدرك وقتها أنه سيتحول بمرور الزمن لأحد أشهر شوارع القاهرة لكن بفعل الزمن وتساقط أوراق التاريخ أصبح الشارع تراثاً وذكرى تحمل روائح العصر الذهبي وليالي الأمس الجميل وزمن ولي بلا عودة. قبل أن يشتهر شارع محمد على بالراقصات والفرق الموسيقية التى تحيى الأفراح والموالد بالقاهرة منذ عشرات السنين، كان به عدد كبير من المساجد والمقابر والحمامات العامة الأثرية. ولإنشاء الشارع قصة طريفة فعندما أعيد تقسيم أحياء القاهرة فى عهد إسماعيل باشا، جاء من ضمنها إنشاء شارع محمد على وتطلب هدم نحو 400 دار كبيرة و300 دار صغيرة، فضلاً عن المطاحن والمخابز والحمامات. كان طيلة نصف قرن من الزمن قبلة لعشاق الفن والموسيقي، وساهم كثيراً في تشكيل الفرق الموسيقية وتقديم نجوم الغناء والسينما فقد احترف أهله الطرب والرقص‏ منذ أنشأ حسب الله الأول فرقته‏، مع سنية كسارة وزوبة الكلوباتية‏.‏ إنه شارع محمد على، الذي يأسرك بعتقه ومنازله المشدودة على أوتار تراها من كل نافذة. يرجع تأسيس شارع محمد علي إلى محمد علي باشا بعد أن أتمّ إصلاح قلعة صلاح الدين وفرغ من بناء قصوره بها وأشهرها قصر الجوهرة ودار الضيافة وأسس المقار الرئيسة للدواوين المالية والجهادية بدار الدرب في القلعة وبجوار القلعة وبناء المسجد الرائع المعروف بإسمه، داخل القلعة بدأ في شق العديد من الشوارع وكان أولها شارع محمد علي الممتد من ميدان الرميلة في القلعة (مقر الحكم) وحتى منطقة الأزبكية (العتبة) وكان من أشهر مهندسيه يوسف بشتاق من تركيا والذي قام بتصميم مخطط مسجد محمد علي في القلعة.

اشتهر شارع محمد علي بصناعة الألآت الموسيقية وبيعها في دكاكين على جانبي الشارع وفي الحواري ومازال هناك بعض الدكاكين منها حتى يومنا هذا. ويُروى أن الفنانة أمينة رزق حين وفدت للقاهرة مع خالتها، استأجرت شقة بشارع محمد علي وتعلمت خالتها الرقص وكادت أمينة رزق تمتهن فن الغناء لولا أن التقى بها أحد الجيران ويدعي أحمد سكر وكان سكرتيراً لفرقة رمسيس فقدمها للفنان يوسف وهبي، الذي ضمها لفرقته وكانت بداياتها المسرحية وسبيلها للنجومية فيما بقيت خالتها في عملها كراقصة. وبرغم شهرته مع أهل الفن، إلا أن شارع محمد علي اكتسب أيضاً شهرة ثقافية وقورة. ففيه كان يقع مركز ثقافي كبير هو دار الكتب وهوالمكان الذي إلتقى فيه الأدباء والمفكرون والفلاسفة. ظهرت أيضاً بطول الشارع المقاهي ليجتمع فيها أهل الفن خاصة الفن الشعبي ولتكون تلك المقاهي ملتقى لمن يطلب التعاقد معهم لإحياء الحفلات والأفراح. استمرت شهرة محمد علي الفنية وخاصة الموسيقى والرقص الشرقي والغناء الشعبي ومازالت محال بيع الآلات الموسيقية موجودة بالشارع حتى الآن تعرض وتبيع الآلات من النحاسيات والآلات الإيقاعي كالنقرزانات وآلات السنطور والفيولا والباندير والصاجات والمزمار البلدي والأرغول والناي والأكرديون والإكسلفون والبزق والعود التي تجذب السياح للتعرف على تاريخ الشارع.كما ضم الشارع متحف الفن الإسلامي، متمثلاً في أروع المشكاوات والقناديل والسجاد والعملات واللوحات والنقوش على الخشب والزجاج والنحاس والفضة الذي يرجع تأسيسه إلى أول القرن الماضي وتم افتتاحه عام 1903 ليكون أكبر مجمع للآثار الإسلامية الرائعة والنادرة التي تشمل العصور الإسلامية المختلفة.

أسرار عوالم شارع الأنس
رغم انتمائها لأسرة قبطية محافظة، أصبحت شفيقة القبطية أحد أشهر راقصات مصر وأكثرهن ثراء حتى أنها كانت تسقي خيولها شامبانيا كما رقصت أمام الأمراء بل ورقصت في باريس واستطاعت شفيقة أن تخلب عقل الجميع، في عام 1963 أخرج حسن الإمام فيلم يحمل إسمها ويتناول قصة وقامت ببطولته هند رستم. يروى أنها رقصت عام 1891 وهي مرتدية حذاء ذاع كعب مصنوع من الذهب الخالص، وبعد عودتها لمصر أصبحت من أشهر الراقصات بل وتربعت على عرش العوالم إلى أن وقعت في غرام شاب يصغرها بأكثر من ثلاثين عاماً استولى على أموالها وأنفقها على مزاجه الخاص إذ كان مدمناً للمخدرات ثم هجرها فأدمنت بدورها الخمر، وانحدر بها الحال حتي إمتهنت التسول. هناك أيضاً أمينة شخلع وهي إحدى عوالم شارع محمد علي التي ولدت لأب سوداني وأم مصرية واشتهرت بإسم «شخلع» وكانت إحدى أشهر العوالم بمصر في بدايات القرن الماضي وسكنت بحي الحلمية القديمة وتوفيت عام 1924.ومن أشهر أغانيها قولوا لعين الشمس ما تحماشي أحسن غزال البر صابح ماشي. أما الأسطورة بمبة كشر، فهي راقصة من سلسلة الراقصات اللاتي حققن شهرة كبيرة جداً وسط هذا الكم الكبير من العوالم. يوحي اسمها أنه اسم طبخة شعبية خصوصاً أن كشر قريب من كشري، كُتبت عنها عدة مسرحيات وجسدت نادية الجندي شخصيتها في فيلم يحمل إسمها. تربعت كشر على عرش الرقص الشرقي لأكثر من نصف قرن، ولدت عام 1860لأسرة من أشهر العائلات في مصر، فجدها لأبيها هو السلطان مصطفي كشر أحد أعيان مصر في القرن الثامن عشر، ووالدها الشيخ أحمد مصطفى أحد قارئي القرآن بمصر، وهي الراقصة المصرية الوحيدة التي خرجت من أسرة غنية. بدأت حياتها الفنية في سن مبكرة وهي بنت 13 عاماً بطموح لم يتوقف منذ طفولتها وحتى وفاتها، في بداية حياتها الفنية كانت تذهب لإحياء حفلاتها في الأفراح راكبةً على ظهر حمار .

ولدت سنية حسنين عام 1908 بمدينة أسيوط وبدأت حياتها الفنية صغيرة السن بقهوة إبراهيم عيسى بأسيوط ومنها انتقلت إلى الأسكندرية ثم القاهرة حيث عملت بملهى بروض الفرج، وصفها البعض بأنها صورة مصغرة من الفنانة أم كلثوم إذ امتازت بصوت طرب عذب ووضعت أقدامها في الصفوف الأولى بين معاصريها من المطربات في ذلك الوقت وتركت الغناء وهي في بداية حياتها الفنية. أشهر أغانيها على قد شوقى وتعذيبى. أما فضيلة رشدي، فمطربة مصرية اشتهرت في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي ولم تسجل إلا القليل من الإسطوانات ولايوجد لها أعمال خاصة بها ولكن لها أعمال مشتركة كثيره منها ديالوج الضرتين مع الفنان أحمد شريف وديالوج الحب له دولة مع الشيخ زكريا أحمد وديالوج القلب ويا اللي يعزه مع المطرب صالح عبدالحي .أشهر أغانيها في هواك القلب شاكي. ولأن الشارع إمتلأ بكل الجنسيات والأطياف، نذكر من أعلامه أيضاً سيرينا المصرية وهي مطربة وممثلة مسرحية مصرية من أصول يهودية ولدت عام 1888وبدأت حياتها الفنية منذ 1905، كانت مطربة بفرقة إسكندر فرح وتألقت بعد ثلاثينات القرن العشرين وهي الأخت الكبيرة للممثلة نجمة إبراهيم. شاركت بالكثير من المسرحيات منها مسرحية شهداء الغرام وغادة الكاميليا وأحدب نوتردام ويوم القيامة وأهل الكهف كما شاركت بالتمثيل في فرق سليم عطا الله وجورج أبيض وسلامة حجازي وفاطمة رشدي وفرقة يوسف وهبي وأمين عطا الله والفرقة المصرية. هناك أيضاً الست نعيمة المصرية وهي زينب محمد إدريس التي ولدت عام 1894م، وهي مصرية اشتهرت في أوائل العشرينيات وكان لها مسرحها الخاص «الهامبرا» وتوفيت عام 1976 عن عمر 82 عاماً. أشهر أغانيها «يا بلح زغلول وإن كنت شاريني وقوم يا حبيبي بقينا الصبح والنبي لآيس وياك يا غزال ويابو الشريط الأحمر». هناك أيضاً نرجس المهدية وهي مطربة وعالمة وأسطى من أسطوات المغنى بمصر، ظهرت في بدايات القرن العشرين وسجلت عدة أغاني وإسطوانات لصالح تسجيلات ميشيان.

عندما يٌذكر شارع محمد علي، تُذكر نعمت مختار التي اعتبرتها أم كلثوم اعتبرتها «سيمفونية» كما طلبها فريد الأطرش بكل حفلاته، تخصصت في إحياء حفلات العائلة المالكة والمشاهير وأثبتت أنها فنانة متعددة المواهب فهي راقصة ومطربة وممثلة ومنتجة عملت في البداية راقصة ثم انتقلت للسينما وتفرغت للتمثيل حيث جسدت بعض الأدوار الصغيرة حتي أنتجت فيلم المرأة التي غلبت الشيطان وقامت ببطولته ثم قررت اعتزال الفن والتفرغ لحياتها الخاصة ولإبنها الوحيد محمد هناك أيضاً الآنسة سمحة المصرية وهي مطربة مصرية برزت واشتهرت خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، اشتركت مع محمد عبدالوهاب بتمثيل مسرحية أنت وبختك 1923كما شاركته في بعض طقاطيقة القديمة مثل نوبة على كوبري قصر النيل والله زمان ياخفافي ويامين يحكم بيني وبينك كما غنت مع محمود رحمي طقطوقة على بلدي بالإضافة لطقطوقتي والله تستاهل ياقلبي ويافرحتي بجواب محبوبي والتي غنتهما منفردة.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda