رمضان حول العالم.. بين المولد والغوتري

قصص رمضان وحواديته أنشودة حب وسلام نشدو بألحانها عاماً بعد عام.. ذكريات ومعالم يحفظها القلب وترسخ بالعقل والوجدان.. المسحراتى صغاراً يوقظنا والخيمة شباباً تدعونا للانطلاق.. والقاهرة القديمة بمعالمها الأثرية وطرقاتها العتيقة وكثير من القصص والحكايات والحواديت خلف الأسوار والمشربيات والدكاكين.. ورمضان يتجدد كل عام..

الأسمطة والحاجة فاطمة
في مصر، ارتباط الفانوس برمضان جاء بمحض الصدفة حين دخل المعز لدين الله الفاطمي مصر فى الخامس من رمضان عام 392 هجرياً. ومن باب التحية، استقبله أهلها بالفوانيس وكانت فانوس أبيض به لمبة نمرة 5 ومن وقتها، أصبح الفانوس عادة رمضانية وازدهرت صناعته وتعددت أشكاله من الأشكال التقليدية والتى كان يطلق عليها فاروق أبو باب والفانوس المخمس وشقة البطيخ وأبو الأولاد باستحداث أنواعاً جديدة كبكار والنجمة وفراولة مع استخدام الرسوم والنقوش لتزيينها. في الماضي، كانت الأدوات المستخدمة لصناعته بدائية كالصفيح والقصدير وماء النار والزجاج وكانت الأدوات بسيطة كالمقص والثنايات اليدوية. والآن، تطورت الأدوات وظهرت المكابس والثنايات والاسطمبات لرسم الصفيح والشبلونات للزجاج. ومن الطقوس اليومية مدفع رمضان وكان يعرف باسم «الحاجة فاطمة» ويقع أعلى قلعة صلاح الدين ويعود تاريخه لعام 1895عندما قام والي مصر خوش قيد بتجربة إطلاق مدفعه ساعة الغروب أول رمضان فشكره أهالي القاهرة ومن ثم أقنعته ابنته فاطمة بإطلاق المدفع طوال الشهر ليصبح ختاماً للصوم وبداية للإفطار.
وللخيام الرمضانية أيضاً قصة طريفة فمنذ أكثر من أربعمائة وألف عام في صدر الإسلام، كانت القبائل تقيم خيام كبيرة لاستقبال الضيوف من القبائل الأخري وتمتد السهرات حتي السحور وكانت الاجتماعات تضم الشعراء والأدباء والصعاليك ويمضيها الضيوف في مناظرت أدبية ومجالس لقراءة الشعر وسرد الأدب. ومع العصر الفاطمي، اتخذت الخيمة طابعاً مبتكراً وأطلق عليها «أسمطة» وكانت تقام لتقديم وجبات الإفطار الخيرية التي يتبرع بها الوالي واستمرت حتي بداية حكم محمد علي باشا. وعقب الاحتلال الإنجليزي لمصر، انتقلت للمقاهي والأندية وجذبت قطاعات واسعة من فئات الشعب اذ يفد الحضور للاستمتاع بحكايات الراوي وقصص «أبو زيد الهلالي». وتطورت الجلسات مع الوافدين، فمع اقامة الأفغاني بمصر، أصبح مقهي «ماتنيا» بالعتبة الخضراء، ملتقي أتباعه فى جلسات تمتد لصلاة الفجر فيما انضم اليهم لاحقاً النديم وسعد زغلول. وظلت الخيمة تتطور حتي وصلت لشكلها الحالى وأصبحت ملتقى الأصدقاء وعنوان رمضان.
أما «مائدة الرحمن» فظهرت خلال عصر السلطان برقوق الذي اعتاد ذبح 25 بقرة للتصدق على الفقراء وكان عددهم يتعدى الخمسة آلاف فرد يومياً. ولحلويات رمضان أيضاً قصص شهيرة فمثلاً القطايف ترجع للعصر المملوكي اذ أقبل الشعب بجميع طبقاته على إعدادها وكانوا يحشونها بالمكسرات كما كان قليها يتم فى زيت اللوز وكذا الزلابية. ومن أطرف الحوادث خلال الحكم الفاطمي، أن حدث ارتفاع في أسعار الحلوي بشكل فاق طاقة العامة الذين اعتصموا طالبين خفض الأسعار للحصول علي حلوياتهم المعتادة..

القرقيعان وهريس القمح
يحتفل أهل الكويت برمضان بطريقة متميزة، فالديوانيات التي تجمع مجالسهم تقام فيها حفلات الإفطار الجماعي، كما تقام مآدب عارمة في العديد من المساجد. وللمسحراتي مكانة خاصة في هذا الشهر اذ يقدم له الأهالي الطعام والشراب أثناء السحور، وعند قدوم العيد يمر علي البيوت لأخذ العيدية، والتي كثيراً ما تكون من «القرقيعان»، وهو عبارة عن خليط من المكسرات والملابس والحلاوة والشوكولاتة، كما أن الأطفال يدقون الأبواب أثناء السحور وبعد الإفطار لكي يعطيهم أصحاب البيوت خلطة من «القرقيعان» وعند الإفطار تعمر الموائد بالأرز واللحم والسمك وهريس القمح واللحم والمجبوس.

الغوتري أساسي
وفرش المساجد عادة لا تنسي
يفرش الأهالي المساجد عند دخول رمضان وتغلق المطاعم والمقاهي نهاراً لتفتح بعد الإفطار وتعمل الأسواق التجارية ليلاً حتي دخول الفجر وتغلق طوال النهار، ويحب أهالي نيجريا شراء فرش للمساجد كل عام اذ يجمعون الأموال ليشتروا بها ما يزين المسجد وكذلك المآذن والمصابيح.
يرتاد أهالي السنغال في رمضان المساجد للاستماع إلي قراءة القرآن الكريم والسيرة النبوية ويقيمون الصلوات الخمس والتراويح في الساحات والشوارع، ومن أكلاتهم الشعبية «الغوتري»وهي علي شكل حساء تصنع من الذرة والقمح المطحون ويضاف إليها السكر والحليب وتؤكل ساخنة.

لا تأكل أكل زوجتك
يحرص سكان تايلاند علي تعليم أبنائهم القرآن ويعتنون بتحفيظه، ويحمل حفظة القرآن علي الأكتاف، ويطاف بهم في شوارع المدينة في مظاهرات حافلة تشجيعاً لأمثالهم، ويحتفلون بذبح الخراف، أما الفقراء فيكتفون بنوع من الطيور ولا يأكل المسلم الفطور مع عائلته في بيته، بل يخرج الجميع فيجلسون علي الطرقات قرب منازلهم حلقات متفرقة منها الخاصة بالرجال والأخري بالنساء، ولا يأكل الرجل من الأكل الذي طبخته زوجته، بل يقدمه إلي جاره، وهكذا يفعل الجميع والمسلم التايلاندي لا يقضي رمضان خارج بيته، بل كل مسافر لابد له من العودة ليمضي رمضان مع عائلته. أما في ماليزيا، يعلق الأهالي لافتات كتبت باللغة العربية علي واجهات المحلات وفي القري النائية، تقرع الطبول إيذاناً ببدء الصوم وتقام موائد الإفطار بالساحات العامة وعليها ما لذ وطاب ويدفع تكاليفها الأغنياء، ويعد الأرز غذاء رئىسياً في ماليزيا بجانب اللحوم والدجاج كما تشجع الدولة علي حفظ القرآن الكريم.

المولد لا غنى عنه
مع قدوم شهر رمضان، تنتشر اللافتات التي تحوي عبارات الترحيب والسرور في الشوارع والأسواق، وتزين باللافتات التي تحوي آيات وأحاديث وأقوالاً تتعلق بالمناسبة المنتظرة،
في ليلة الثلاثين من شعبان يتطوع بعض الرجال من المشايخ لرؤية هلال رمضان وعند ثبوت الرؤية، يقوم أحد سكان الحي بتسحير السكان أو أحد المؤذنين يقوم بهذه المهمة وتعتمد الحكومة علي المدافع، حيث تطلق ثلاث مرات: مرة للسحور، والأخري للإمساك، والثالثة للفطور، وبعد تناول السحور ودخول وقت الإمساك يتوجه الجميع إلي المساجد للصلاة والدعاء بعدها وتلاوة شيء من القرآن قبل الاستماع إلي شيخ المسجد ملقياً عليهم الدروس في أحكام الصيام وآدابه حتي تطلع الشمس فيصلون ركعتي الضحي ويعودون إلي بيوتهم، ومما يميز أهل تركيا أيضاً كثرة الموالد في هذا الشهر، ففي كل بيت ومسجد مولد وقد تقام في الحي الواحد عشرات الموالد التي يمدح فيها النبي عليه الصلاة والسلام ويذكرما جاء في مولده من الآيات وما ورد في وصفه خلقاً وخُلقاً.

السمك أساسي.. واللحم بالكارى
المسجد هو المكان المفضل للفيلبيني خلال شهر رمضان لقضاء يومه فيه والجميع في تلك البلاد يتسابق خلال رمضان على فعل الخيرات وتقديم العون للفقراء والمحتاجين إذ يعتقد أن رمضان يمحو ما قبله ويفيض بالهير متى أحسنت إلى المحتاج الأكل فى الفلبين لا يتغير عن عادته خلال رمضان حيث يغلب عليه الطعام الحار حتى مع الصيام ويفضل أهل الفلبين المأكولات البحرية كعادتهم وبالطبع على رأسها الأسماك لكنهم لا ينسوا أيضاً الدجاج أو اللحم مضافاً إليه الكاري.

حذاء وطربوش وتكريزة
سوريا مليئة بالحكايات والطرائف أيضاً.. تختلف العادات ما بين حلب ودوشق وتتباين العادات وتبقى الطقوس العامة واحدة لدى الجميع. أصبح رمضان بمرور الزمن شهر التوسع في ألوان الطعام والشراب من أجل إطعام كل فم، ومن أجل البر بالمساكين والفقراء وأهل السبيل والمحتاجين،
اعتاد أمراء حلب وأعيانها وأغنياؤها، فى الماضى، أن يذبحوا في كل يوم من رمضان عشرات الذبائح يتصرفون بلحومها مع ما يطبخ من الطعام وما يخبز من آلاف الأرغفة علي أهل الجوامع، وطلاب العلم والفقراء ودور الأيتام وحتي الحيوانات الشاردة، وكان يقدم لتلاميذ الكتاتيب منحة في شهر رمضان هي عبارة عن طربوش وقطعة من الشاش وزوج من الأحذية وبعض النقود وتمتلئ الجوامع في حلب بالمصلين في مختلف الأوقات، وخاصة التراويح، ويقيمون المآدب في الساحات وهذه ظاهرة حسنة لتكريم ومساعدة الفقراء والمحتاجين ويتبادلون الطعام، وكان الثري يضع الطعام أو المواد الغذائية علي باب جاره الفقير دون أن يعلم بذلك أحد، ويسهرون حتي طلوع الفجر يتسامرون ويتعبدون
كما أنه من أشهر عادات أهل الشام «دمشق» أنهم يودعون شهر شعبان بالذهاب إلي البراري والبساتين بشكل جماعي يضم العديد من الأهل والأقارب ويسمونها «تكريزة» ويتم خلالها تناول كل مالذ وطاب من الطعام والشراب وسط نشوة روحية غامرة تظلل نفوس المسجد الأموي انتظاراً لصلاة المغرب وحتي لا تفوتهم صلاة الجماعة، وأشهر الأكلات الكبة السورية إذ لا تخلو منها الموائد.
وأخيراً، يأتي رمضان ويتجدد اللقاء كل عام.. تتعدد العادات وقد تتباين فيما بينها ويبقي الأصل في اجتماع الشعوب وكافة الحضارات علي اختلافها علي مذهب واحد وعقيدة لا تتغير بتراكم السنوات وتوالي الصور..

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda