بين ربوع الجبلاية

 

في عصر السينما المصرية، كان بالأفلام مشهد مشترك حيث زوجين على موعد رومانسي بحديقة تحيط بها الورود الجميلة وخلفية الطيور والبط، إنها حديقة الأسماك أعلى الجبلاية، ملهمة الجميع بدون إستثناء. يجد الفنان بها ضالته وآخر يؤرخ لتاريخ ثري ورياضي يركض بين ربوعها المترامية وأسرة صغيرة تمضي ساعات العطلة وأطفال يمرحون هنا وهناك. كانت منبع الإلهام لكثير من الفنانين والمثقفين والكتاب وبرغم التطور العمراني لا تزال الحديقة بموقعها ونمطها المعماري الفريد تلفت الأنظار بقوة كأحد أهم العلامات التاريخية المميزة بحي الزمالك الراقي مما دفع المجلس الأعلى للآثار لتسجيلها ضمن الآثار الإسلامية والقبطية الهامة بالعاصمة.

يعود إنشاء الحديقة لعام 1867 حيث طلب الخديوي إسماعيل من مدير منتزهات باريس إيفاد أحد الخبراء لتصميم الحديقة التي تم تشييدها على هيئة جبلاية مع إستخدام مواد طبيعية مصرية منها الطين الأسواني والرمل الأحمر والمواد الداعمة لإنشاء تكوينات معمارية على هيئة خياشيم الأسماك وتضم الحديقة 49 حوضاً للأسماك المتنوعة والنادرة منها النيلية والبحرية وأسماك الزينة والأسماك المحنطة بالإضافة لمناطق تضم أنواع من السلاحف والزواحف التي تعيش بالمستنقعات والأنهار فضلاً عن مجموعة أشجار نادرة من أستراليا ومدغشقر وتايلاند. وعلى مدار عقود طويلة، صورت السينما المصرية أجمل أفلامها الرومانسية بين جنباتها قبل أن تغلق بمنتصف الستينات للتطوير والإصلاح وهي المهمة التي أوكلتها الحكومة آنذاك لجهات علمية وهندسية تابعة لوزارة الزراعة قبل أن تفتح أبوابها من جديد للجمهور مع مطلع الثمانينات.
لدي الحديقة العديد من الأسرار ترويها في هدوء ويراها الوائر منذ أن يدلف المكان إذ تضم عدد من المخلوقات البحرية ليست كثيرة ولكنها نادرة ذلك وتختلف في الألوان والأشكال والملامح بالاضافة للسلاحف البحرية التي تتعدي أعمارها مائة عام والأسماك الخاصة بالخزانات وعرض الأسماك الحية فذلاً عن أنواع مختلفة من الأسماك والكائنات البحرية والثعابين المحنطة مع وصف دقيق لأصولها ودورة حياتها. تبلغ المساحة الإجمالية للحديقة نحو تسعة أفدنة وهي لا تتميز بالتصميم الرائع فحسب وإنما بمراعاة استخدام مواد بناء طبيعية في التصميم وخاصة الطين الأسواني المخلوط بمادة الأسروميل والرمل الأحمر، إضافة للطوب المصنوع من خليط طين أسوان والمواد الداعمة ويغلب على معمارها التكوينات المعمارية القريبة في بنائها من خياشيم الأسماك مما يجعلها تبدو على شكل السمكة ويتجلى ذلك بوضوح بمنطقة الجبلاية مما جعل البعض يطلق علىها إسم حديقة الجبلاية.

للحديقة مدخل من فتحتين تشبهان فتحتي خياشيم الأسماك وتفضي الفتحتان لمنطقة البهو، ويستطيع الزائر بسهولة أن يلحظ بجانب الفتحتين زعنفتين جانبيتين تبدو من خلفهما ممرات الحديقة الأربعة فيما تم تصميم الجبلاية على شكل ممرات أو تجاويف على غرار تلك التي تظهر بوضوح داخل الشعاب المرجانية في باطن البحر ويتجلى ذلك بوضوح عند النظر لسقف أحد الممرات الذي يبدو وكأنه واحد من بين تجاويف أخرى صنعتها الأمواج بل إنها تصدر ألحاناً عند مرور الهواء تشبه إلى حد كبير حركة الماء، من خلال حركة الهواء المندفع من المداخل الأربعة متنقلاً بين الكهوف. تضم منطقة الجبلاية مسطحات خضراء بها أشجار نادرة جلبت خصيصاً من مختلف دول العالم مما جعل منها أشبه بغابة نادرة بجانب ما تضمه من أحواض للأسماك المتنوعة التي روعي في عرضها إنعكاس أشعة الشمس عليها عبر فتحات علوية مما يجعل منها بانوراما حية لجمال الطبيعة بفطرتها وعفويتها ورونقها.

ولا تقتصر أحواض الأسماك بالجبلاية على أسماك البحر الملونة أو الأسماك النيلية بل توجد أيضاً أقسام أخرى تضم أنواعاً من السلاحف والزواحف البحرية التي تعيش بالمستنقعات والأنهار كما تضم الجبلاية أربع صوب لتفريخ السمك بجانب مفرخ رئيسي وصوبتين لمعالجة المياه اللازمة لحياة آلاف الأسماك بالاضافة لمجموعة من الأشجار والنباتات النادرة التي يعود أصل جذورها لأستراليا ومدغشقر وتايلاند حيث الغابات النادرة التي تتميز بها هذه المناطق، وبالحديقة مغارات وممرات يسير فيها الزوار وبها صناديق زجاجية مازالت تحوي مجموعات متنوعة ونادرة من الأسماك النيلية والبحرية وأسماك الزينة تنعكس عليها أشعة الشمس من خلال فتحات علوية فيما تسلط الأضواء الكهربائية بالأماكن المظلمة بطريقة فنية تزيد المشهد جمالاً، سيجد الزائر أيضاً في واجهة الحديقة حوض كبير يضم عدد من الأسماك المفترسة وتلك الأنواع التي تثير فضول الزائرين كسمك الخنزير وسمك القرش. وخارج الحديقة هناك ممرات تفصل بين مسطحات خضراء تفضل العائلات الإستمتاع بها ويلعب الأطفال بين أرجائها. وأخيراً، تضم الحديقة كافتيريا مفتوحة يتوسطها جندول صغير من الماء، ويهوى الكثير من زوار الحديقة الجلوس فيها والإستمتاع بمشاهد الطبيعة الخلابة.

 

Aquarium_Grotto_Garden_by_Hatem_Moushir_7

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda