الكاريكاتير:فن الضحك المر..

رسم تخطيطي يسفر عن ابتسامة واسعة، وفي نفس الوقت يجبر المرء على التفكير بالواقع الذي يعيش فيه، ما سر هذه الخطوط المتداخلة التي تدفع المرء إلى التأمل في واقعه أولاً؟
إنه فن الكاريكاتير الذي يحتل مكانة مرموقة ضمن باقي الأجناس التعبيرية التشكيلية الأخرى.. فهو يحظى باهتمام القارئ لأنه أداة تعبيرية «لزعزعة» الخطاب السياسي واختراق الرقابة ووسيلة للإفصاح عن المسكوت عنه، وتعرية الواقع، في صورة مضحكة.
للكاريكاتير جذور تاريخية قديمة، تمتد إلى الإنسان البدائي الذي كان يسكن الكهوف والمغاور، كي يحاكي خصمه ويهزمه بطريقة كاريكاتيرية ساخرة، أو يعظمه إن كان صديقاً أو وجيهاً ذا قوة جبارة، وفي الحالتين كان الفنان البدائي يستخدم خطوطاً لها قيمة تاريخية وفنية حتى أصبح بعد ذلك فناً قائماً بذاته. وقد مارست معظم شعوب الأرض الرسم الكاريكاتيري لإنتاج سخرية، تشوبها ابتسامة مرة .. ثم ظهر الكاريكاتير كفن مستقل ومدروس في عصر النهضة وتحديداً مع الفنان “ليوناردو دافينشي”من خلال كسر قواعد دراسة التشريح، وهى البداية الأكثر نضجاً ووضوحاً، واتخذ اتجاهاً فكرياً وفنياً ومدارس عالمية على أيدي فنانين عالميين كانوا رواداً لهذا الفن، أمثال ليوناردو دافينشي، وتوماس رولاندسون، وجيمس جيلراي وغيرهم.
ويعتبر جورج فودفارد أول من أرسى فن البورتريه، و “شارل فيليبون” مؤسس الصحافة الساخرة المصورة، لم يرسم الكاريكاتير الاجتماعي إلا بعد أن مُنع الكاريكاتير السياسي، لكنه استطاع تحرير عشرات الموضوعات السياسية ضمن توليفات الكاريكاتير الاجتماعي،
تأخر دخول الكاريكاتير إلى الوطن العربي ويعتبر يعقوب صنوع رائد المسرح العربي، أول من رسم تعليقات كاريكاتيرية في مجلته التي كان يصدرها في أواخر القرن التاسع عشر، بعنوان «أبو النضارة»، حيث كان يهاجم الملك وحاشيته، وتناول فيها مواضيع سياسية واجتماعية ساخنة مما أغضب حاشية الملك والخديوي توفيق، وطبقة النبلاء، إلى أن نفي إلى فرنسا، وتابعه الفنانون وأسسوا فناً كاريكاتيرياً عربي الطابع والروح، استخدم هؤلاء أولاً مواضيع سياسية واجتماعية واقتصادية، فيما تحول الكاريكاتير إلى وسيلة أساسية من وسائل النضال والكفاح في ظل الاستعمار في بداية القرن العشرين مما شجع الكثيرين على إصدار كراسات تتضمن رسوماً وتشكيلات كاريكاتيرية تدعو إلى مواجهة المحتل والتحرر الوطني، وكان من رواد هذه المرحلة الفنان المصري رضا الملقب بالعم الكبير، حيث وصفه البعض بأن رسوماته الكاريكاتيرية أكثر فاعلية من الخطب السياسية، واستقطبت القاهرة أهم رواد هذا الفن في العالم، مثل الفنان الأرمني «صاروخان»، والفنان التركي «رفقي هامش».
ثم ظهر صلاح جاهين وجورج البهجوري وغيرهما في الخمسينيات من القرن الماضي، ولم تخل البلدان العربية الأخرى من فناني هذا النوع أمثال الفلسطيني ناجي العلي وأمية حجا، والسوري علي فرزات .. وغيرهم من البلدان العربية، ونجح هؤلاء في خلق شخصيات كاريكاتيرية عربية الطابع والروح، مثل شخصية«حنظلة» في أعمال ناجي العلي، ليعبروا عن همومهم ومواقفهم، لأن ما لم يستطع الكاريكاتير إيصاله عبر الخطوط والتشكيل أوصله عبر تعليق الكلام كما أن الاستغناء عن التعليق يعتبر مؤشراً مهماً إلى قوة الرسم التعبيرية. ويمكن تقسيم الكاريكاتير إلى أنواع عدة تبعاً للمضمون الذي يحمله، فهناك الكاريكاتير السياسي الذى يعالج موضوعات سياسية ساخنة مباشرة أو غير مباشرة، ثم يليه الكاريكاتير الاجتماعي الذي يرصد الحياة الاجتماعية والاقتصادية والأوضاع المعاشية للمجتمع،لكن الموضوعين متداخلان ومرتبطان مع بعضهما البعض في كثير من النقاط. ثم يأتي الكاريكاتير الفكاهي الذي يخلو أكثر الأحيان من الانتقاد، وهدفه إثارة الضحك فقط، ويسقط فنانو الكاريكاتير، فن البورتريه إلى آخر سلم التقسيمات، وكان الفنان المصري أحمد صبري رائده بامتياز لأنه يصور وجه إنسان معروف، مستخدماً أسلوب المبالغة في تصوير ملامح الوجه، وأحياناً يتم تصويرها بشكل مهين، أو إضافة أشكال تثير السخرية، بحيث يتخذ الفنان صفة مميزة من الوجه، ويبالغ فيها بشكل كاريكاتىري حتى تأخذ مساحة الوجه كله.
وهو لا يقل أهمية عن الخبر الصحفي إن لم يكن أكثر فاعلية وتأثيراً ورسوخاً في ذهن القارئ، خصوصاً عندما يتواجد في زاوية ثابتة، أو في الصفحة الأولى أو الأخيرة أو يرافق زاوية محددة ذات مضمون فكاهي أو ساخر أو ناقد دون استخدام السخرية.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda