الحرف التقليدية تراث إلي زوال

تظل الحرف اليدوية جزء أساسي من حضارات الشعوب ولعل مصر من أكثر الدول التي عرفت الحرف اليدوية منذ عهد الفراعنة، إلا أن التطور التكنولوجي وعدم الإهتمام بتلك الحرف والعاملين بها أدي لتدهور كثير منها حتي شارفت علي الإندثار. وفى مصر، هناك عشرات الحرف اليدوية التي إنتقلت من جيل لجيل حاملة معها إبداعاً وجمال ودقة ورغم أنها في سبيلها للانقراض إلا أنها ما زالت علامة من علامات إبداع الإنسان بيديه.

تثبت خيوط السجاد اليدوي أن بداخل الإنسان قدرة إبداعية أدواتها الخيال والخيوط والرغبة في التعبير عن النفس والأنامل التي تعزف سيمفونية من الألوان والحكايات المعبرة عن البيئة والحياة والأماني. اشتهرت مصر بصناعة السجاد اليدوي منذ فجر التاريخ وما زالت مدن وقرى بعينها كأخميم وفوه وأسيوط تخرج أجمل لوحات السجاد بجانب الحرانية التي يغزل أهلها أروع لوحات السجاد بتلقائية. لاتوجد قطعة سجاد يدوي تشبه الأخرى حتى لو كانت من نوع واحد فكل قطعة تمثل لوحة فنية خاصة لها ظروف تصنيع وحالة مزاجية يمر بها العامل. وتعد السجادة تحفة فنية تزيد قيمتها بمرور الزمن لكنها تتطلب صيانة معينة كما ارتبطت أيضاً بتصوير الطيور والحيوانات والأشخاص في تناغم أخرج لوحات فنية رائعة وهو الفن المقابل لفن البورتريه الأوروبي. أما الكليم، فيعتمد على المنتجات البيئية والخامات المحلية ورسومات البيئة التى تعبر عن طبيعة الواحات وجمالها وهو فلكلوراً شعبياً يتميز بمتانته وجودة خاماته ودقة صناعته وتصميماته البسيطة مما جعله أحد المنتجات السياحية الأولى في التصدير كما يتم تعليقه على الحائط. يبدأ الإعداد للصوف الخام ثم فرز الأصواف كل لون على حدي الأحمر والأبيض والبني والأسود ثم تأتي مرحلة تسريح وتنعيم الصوف للغزل بالمصانع أو البيوت المتخصصة ثم مده على النول بوضع رأسي وشده بإحكام ليبدأ نسيج الكليم ليخرج على هيئة فرشة دكة أو مصلية أو الكليم الكبير وهو الأشهر عالمياً والأغلى سعراًً ومنه الهرمي وجلد النمر والثلاث قمرات والعتبة أزاز والثعبان وبلاط الحمام.

ويأتي الخَزَف وهو نوع من الأواني المزيَّنة تصنع من الطين المحروق وتتراوح أنواع الأواني الخزفية بين الأعمال الفنية القيِّمة التي يصنعها خزَّافون محترفون ونفاضات السجائر وأشياء أخرى بسيطة يصنعها الهواة بالإضافة لأواني الأكل والزهريات وأدوات منزلية أخرى. قد يُصنع الخزف بكميات كبيرة بالمصانع كما يمكن أن تنتج قطعة خزفية واحدة من نوعها، أعطى الخزافون منذ القدم أشكالاً مختلفة للطين قبل أن يحرقوه في النار ليصبح خزفاً. ينتمي الخزف لمجموعة كبيرة من المنتجات هي منتجات السيراميك وتصنع من المواد الخزفية ومنها الآجر والأسمنت وأدوات الشحذ وأنابيب المجاري ومنتجات أخرى تستعمل في الصناعة بالإضافة للخزف نفسه. هناك ثلاث أنواع من الخزف وهم الطيني والحجري والصيني ويصنَّف الخزف بحسب أنواع الطين الممزوجة ودرجة الحرارة التي يُحرق فيها مزيج الطين إذ تؤثر على مظهر وقوة الخزف، والخزف الطيني هو الأكثر ذيوعاً ويضم مزيج أنواع الطين الصالحة ويفضله الكثيرون لطلاء الزجاج ويحرق كسائر أنواع الخزف التي تطلى بطلاء زجاجي براق وزاهي الألوان في درجة حرارة منخفضة، أما الأنواع الأخرى التي تحرق في درجة حرارة عالية فتكون ألوانها أقل غنى إذ تتلف الحرارة الطلاء الزجاجي. ينكسر الخزف الطيني ويتشقق بسهولة أكثر من الأنواع الأخرى. أما الخزف الحجري فنوع صلب وثقيل ويُصنع من مزيج من الطين الحجري عند حرقه علي درجات حرارة عالية تجعل سطحه مصقولاً لذا لا يوضع عليه أي طلاء زجاجي وهو أكثر صلابة وثقلاً من الخزف الطيني ويشبه بعض أنواع الخزف الصيني فهو أحمر غير شفاف ولا ينفذ منه النور، يعتبر الخزف الصيني أكثر أنواع الخزف صفاء ورهافة وهو إما صلب يُحرق بدرجة حرارة عالية أو ناعم كالأواني الصينية ويُحرق في درجة حرارة منخفضة، يصنع الخزَّافون الخزف الصيني من خليط من الصوان ومعدن الفلسبار سليكات الألومنيوم وكمية كبيرة من الكاولين وهو طين أبيض ناعم ينفذ منه النور. ومن الخزف للفخار وأحد أقدم الحرف التي عرفها الإنسان وهو أي شيء تتم صناعته من الطين سواء المدري ومصدره مجاري الأودية والأنهار والهضاب أو الحجري ومصدره الجبال وهو عبارة عن صخر يتم طحنه ليصبح قابل للعجن. ولكلا النوعين عدة ألوان كالأخضر والأبيض والأحمر والأسود والأصفر. ومما ساعد في اختراع الفخار الدولاب البطيء ثم السريع الذي أحدث ثورة بكمية الإنتاج في الألفية الرابعة قبل الميلاد وكان الفخار يجفف في الهواء والشمس ثم يتم إحراقه والتحكم في الهواء ليعطي اللون الأحمر أو الأسود حسب أكاسيد المعادن الموجودة. كانت مراكز صناعة الفخار بشرق آسيا في الصين واليابان وكوريا حتى نهاية الألفية الثانية ق.م. وكان الصينيون يصنعون الفخار بأيديهم منذ عام 206 ق.م وحتي 220 م حتي ظهر الخزف الصيني وكانت تصدره للهند والشرق الأوسط. وعليه رسومات تميزه. ومن الفخار للصدف الذي يستخدم لتطعيم الخشب. هناك الطريقة العربية القديمة وهي أصل التصديف وتحتاج لأيدي عاملة ماهرة وفيها يقوم النجار بعمل القطعة كاملة ثم يصنع الرسام النقشة ثم يأتي عامل دق القصدير الذي يحفر مكاناً للخيوط القصديرية ويثبتها ثم يثبت عامل الصدف القطع المقطوعة حسب الرسمة ويمكن استخدام النحاس والحديد داخل الصدف لتطعيمه مع إمكانية إدخال خيوط الفضة بالقطع الثمينة، أما الطريقة المصرية فتعتمد على رصف الصدف بجانب بعضه مع ملأ الفراغ بمعجون ليبدو متناسقاً وتظل أهم عناصر الإبداع هو كيفية إبراز الفكرة وتنفيذها فالنقوش الإسلامية والزخرفية تتميز بها دول عربية كسوريا ومصر والعراق وتكون متداخلة وبأشكال هندسية مختلفة. أما الجريد فيضم صناعات يدوية من سعف النخيل كالأقفاص والكراسي والأسرة وتشتهر بها محافظة قنا وأساسها سعف النخيل ويتم تطويعه بوضعه ثلاث ساعات في الماء ليلين وهناك نوع يحتاج لنقعه طويلاً ويتوفر بكثرة بمنطقة القطيف حيث مزارع النخيل ومن أهم منتجاته القفة والحصير أما أدواته فسكين كبير ومبرد ومواسير ومدق ويصنع منه أقفاص الطيور والحمام والألبان وقد تصل مدة صنع القفص الواحد يومين.
تبدأ رحلة صناعة الفركة وهي صناعة يدوية قديمة يعود تاريخها للفراعنة وهى عبارة عن خيوط مصبوغة من الحرير أو القطن تُصنع منها أشكال مختلفة من الأقمشة كرداء السيدات وشال يضعه الرجال على الكتف للتزين على مقربة 700 كيلو متر من القاهرة بقرية كوم الضبع التابعة لمركز نقادة بقنا حيث بداخل كل منزل نول يدوى وهى الآلة التى تعتمد عليها الفركة وطريقة تركيب النول لم تختلف من أيام الفراعنة حتى الآن. يطلق عليها أيضاً صنعة الستر لأنها تستر ولا تغنى وهي صناعة عائلية تمارسها الأسرة بالمنزل الريفى، خاماتها خيوط حرير أو غزل فبران تستورد من الصين أو الهند أو خيوط من الصوف أو القطن مصبوغة، تبدأ الصناعة بصبغ الخيوط فى عجانية ألومنيوم ويصبغ فيها 10 كيلو فى المرة الواحدة ثم مرحلة لف الخيوط ثم تتوالي المراحل حتي التصنيع بالمكوك على النول حيث ريشة حمّام صغيرة لا يتم العمل إلا بوجودها، ومن أشهر منتجاتها الفركة الدرمانى والسياحية والملاءة الإسناوى (الحبرة) بالإضافة لأنواع الأقمشة كالمبرد، وفى خمسينات القرن الماضى كان يعمل بها 90% من سكان المركز وكانت تقام الأفراح يوم التصدير. وفي قلب الصعيد أيضاً وتحديداً بالنوبة، أتقنت المرأة منتجات الخرز متأثرة بالتراث النوبى العريق وأدواتها الخرز والأحجار الكريمة والخيوط الملونة وأوراق البردى والستان والأقمشة. يتم تصنيع الخرز على شكل عقود بتصميمات مختلفة كزهرة اللوتس وكرافتة عقود بدلاية مع الحلق والإنسيالات ويصنع منه أيضاً المكحلة والمحافظ والمفارش بالخيط والطرح المنقوشة والعبايات. وللعرس النوبي عادات وتقاليد فتصنع للعروسة جلباب من الحرير بالكروشيه ويطرز بالخرز مع حزام من الخرز به نوع من القواقع الصغيرة والجلد ويتم تطريز قطعة من الشاش الخفيف بالخرز تستخدم كغطاء لقلة العروسة. والطواقى النوبية هى صنعة يدوية متوراثة تصنع من قماش الدبلان الأبيض وتطرز بالخيوط الملونة بروسمات خاصة بالنوبة كالعصافير والحمام والمثلثات الملونة وقد تطور صنع الطواقى بخيط الكروشيه وهو خيط من القطن يتميز بالألوان الكثيرة ومن أشهرها طاقية بكار. وأخيراً، يظل تاريخ التريكو لغزاً كبيراً فحتي الآن لم يستطع أحد تحديد بدايته وكل ماتم التوصل إليه هو بعض القطع البالية المشغولة والمتواجدة بالمتاحف وكما هو معروف يشغل التريكو من الصوف والحرير وألياف تبلى بسرعة عبر الزمن حتى تحت أفضل الظروف كما لم يتم العثور على شئ يشبه إبر التريكو المتعارف عليها فقديماً كان من الممكن إستخدام أى شئ يشبه الإبر المدببة كما كان التريكو يشغل باليد فقط بدون إستخدام إبر كعمل شبك الصيادين وكان يستهلك كثير من الوقت فكان القدماء يفكون القطعة أكثر من مرة للحصول على القياس المناسب ولا يتخلصوا من قطعة التريكو بل يعيدوا فكها وإستخدامها حتى تبلى. أيضفت كلمة تريكو لقاموس اللغة الإنجليزية عام 1400 ميلادية وكذلك بالشرق الأوسط وأسبانيا وغيرها من دول العالم فهو فن حديث وقبل التريكو والكروشيه كان يوجد فن شبيه يسمى nalbinding عبارة عن إبرة خاصة وخيط يستخدمان لعمل عقد متكررة وينتج عنها قطع أشبه بالتريكو لكنها أقل مطاطية وأقوى وأمتن.

يتغلل الأرابيسك بالوجدان المصري شاهداً على أحداث التاريخ المصري والحضارة الإسلامية التي انعكست على الأعمال الفنية كالمشربية والبرافان الأرابيسكي مما جعل الكثيرون يتمنون التجول بأحياء مصر العتيقة للبحث عن الأرابيسك الذي يعتمد على قطع الخشب وحفره وعمل أشكال مختلفة منه وتركيبها علي شكل تحف جمالية تضفي رونقاً جمالياً إضافة لإستخدامها كأثاث سواء شباكاً أو باباً أو غرفة نوم أو أنتريه أو سفرة ويجذب كثير من السائحين. هناك أيضاً المعادن الثمينة كالمرمر والألباستر وهو معدن خام أبيض أو برتقالي تتكون تركيبته من الجبس وكبريتات الكالسيوم ويتميز بصلابته وشدة بياضه وقد استعمله القدماء في نحت التماثيل وصنع أدوات الزينة، منه الألباستر وهو حجر ناعم الملمس يتوفر بألوان مختلفة ويتميز بدرجة صلابة منخفضة تسهل تشكيله. كانت منحوتاته حكراً على الأثرياء قبل ظهور الرخام أما كلمة ألاباستر، فكلمة مصرية قديمة تعني الوعاء الخاص بالرب باستيت.

تعد صناعة التلي أحد المهن النسائية الشعبية بمحافظة سوهاج وتشترك مفردات صناعتها مع مهن التطريز والخياطة التي عرفتها الكثير من الثقافات الشعبية في العالم فالتلي هو نسيج تشغله المرأة لتزين به أكمام أثوابها فيزيد من جمالية الثوب بدقة صنعته وتعدد ألوانه البراقة. تختلف رسومات التالي باختلاف أذواق النساء وما تتمتع به الخياطة من خبرة ومنها رسوم نباتية وزخرفات هندسية ملونة وأشهرها شكل الشطرنج ويقوم التالي على نسج ست بكرات من الخيوط الهدوب الملونة وتجمع أطرافها بعقدة مشتركة تثبت بإبرة صغيرة على مخدة الكاجوجة وهي مخدة قطنية بيضاوية يثبت عليها التلي لتثبيت الخيوط ونسجها بدقة إذ تسمح الكاجوجة برؤية مراحل حياكة التلي.

إنها ليست كل الحرف اليدوية التي تشتهر بها مصر بل هناك العديد من الحرف الأخري كالنحاس والزجاج والجلود وغيرها وجميعها تعاني الخطر ذاته وشبح الزوال بفضل إنصراف أصحابها عنها لضيق القدرات المادية وعدم القدرة علي إيجاد السوق المناسبة لتسويق المنتجات. صرخة تنكلق من قبل أرض الكنانة وتراث يندثر، فهل من مجيب؟

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda