الإبرو.. فن منسى

عرف‭ ‬الأتراك‭ ‬فن‭ ‬الإبرو‭ ‬في‭ ‬موطنهم‭ ‬الأصلي‭ ‬بآسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬وجنوب‭ ‬القوقاز‭ ‬قبل‭ ‬قدومهم‭ ‬لهضبة‭ ‬الأناضول‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي،‭ ‬ويعد‭ ‬فن‭ ‬الرسم‭ ‬بالألوان‭ ‬المزركشة‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬أو‭ ‬القماش‭ ‬أو‭ ‬الزجاج‭ ‬والسيراميك‭ ‬والقيشاني‭ ‬من‭ ‬الفنون‭ ‬الشعبية‭ ‬التقليدية‭ ‬بآسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬والقوقاز‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬الميلادي‭ ‬وهضبة‭ ‬الأناضول‭ ‬بتركيا‭ ‬ويقول‭ ‬الفنان‭ ‬التركي‭ ‬المعاصر‭ ‬حكمت‭ ‬بارودجي‭ ‬جيل‭: ‬إن‭ ‬موطن‭ ‬فن‭ ‬الإبرو‭ ‬الأصلي‭ ‬مدينتا‭ ‬بخارى‭ ‬وسمرقند،‭ ‬وانتقل‭ ‬من‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬لإيران،‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬للأناضول‭ ‬عبر‭ ‬حركة‭ ‬التجارة‭ ‬النشطة‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭.. ‬ماذا‭ ‬تعلم‭ ‬عنه‭ ‬مهل‭ ‬شاهدته‭ ‬من‭ ‬قبل؟

هو فن قديم وليس بحديث أصوله ترجع إلى آسيا الوسطى خاصة تركستان، وكلمة الإبرو EBRU تعني في اللغة التركية «التزيين» وأصلها من كلمة ورق EBRE وهي من الكلمات القديمة التي كثر إستخدامها في تلك المنطقة وسميت EBRI (السحاب المغيم) أو ABRE (سطح الماء). وكان هذا الفن مصاحباً دائماً للخط العربي، حيث كان يتم إستعماله لتزيين لوحات الخطوط أو لتغطية الفراغات الأربعة بكل ورقة وأغلفة الكتب والجلود القديمة ولكنه أصبح فناً منفصلاً بذاته، إنتقل هذا الفن لأوروبا بالقرن السابع عشر الميلادي مع قدوم الأوروبيين للدولة العثمانية وأطلق عليه «الورق الرخامي Marbled Paper» وفي بعض الأحيان يسمى بالورق التركي. وقد ظهر أول كتاب يتحدث عن فن الإبرو في أوروبا بمدينة روما بإيطاليا عام 1646، تحت عنوان «الورق التركي».

أنواع‭ ‬وأشكال‭ ‬

العملية في حد ذاتها بسيطة إلا أنها تحتاج لمهارة ودقة، فكل ما عليك هو الرسم على الماء الذي نضعه في صينية مستطيلة ونضيف له مادة صمغية لتجعل منه سطحاً سميكاً لنستطيع الرسم على سطحه بواسطة عصا رفيعة هي بمثابة الفرشاة بالألوان المراد الرسم بها وكأن سطح الماء هو الورقة التي سوف نرسم عليها. ومع إنتهاء الرسمة، نضع ورقة على سطحه ونتركها لدقائق قليلة ونسحبها من الجانب برفق فنجد أن الرسمة إنطبعت عليها بكل تفاصيلها ولا يتوقف فن الإبرو على الرسم فوق الماء بل أيضاً على الورق والقماش وفوق القطع الخشبية والسيراميك والقيشاني والشمع. ومن ثم هناك أشكال وأنواع مختلفة لهذا الفن تنطلق من أسماء الزهور والورود التي أقيم عليها هذا الفن عبر تاريخه الطويل، فهناك إبرو الورد والزهور مثل «زهور الياسمين والقرنفل والسنبل»، ويطلق عليه أيضاً إسم إبرو نجم الدين لأن مستحدثه كان الفنان الراحل نجم الدين أوقياي. وهناك إبرو بطال والإبرو القديم وإبرو التمشيط وإبرو الخطيب أو «شرقي فلك» الذي ينسب لمحمد أفندي خطيب جامع آيا صوفيا الذي اشتهر بهذا النوع. هذه البساطة تنطبق أيضاً على باقي أدوات فن الإبرو، حيث يستعمل الفنان «الفراشي» وهي فرشاة يتكون رأسها من شعر ذيل الحصان، ولا يقبل في هذا الفن رؤوس فرشاة من مادة بلاستيكية أو غيرها. كما يستعمل عدة إبر بأشكال متعددة وذات أسنة مختلفة فهناك «السنبلة» و«الإبرة» و«خطيب الإبرو» و«المشط» وغيرها، هذه الأدوات تساعد الفنان على تمديد قطرات الأصباغ التي يلقيها على صفحة لوحته المائية من أجل تأليف أشكال متعددة لسمات لوحات الإبرو، ثم إن نوعية الورق الذي يستخدم في العمل يجب أن تكون ذات قدرة عالية على الامتصاص وخالية من الأحماض، ويمنع إستخدام الورق المصقول واللامع، بعد ذلك يضع الفنان الأصباغ التي سيستعملها في صنع لوحته، ثم يدخل «الفراشي» أو الفرشاة في زجاجة لون ويهزها قليلاً لتقليل كمية الصبغ في الفرشاة ثم يمسك طرفها الخشبي باليد اليمنى ويضع الفرشاة على الإصبع الثاني لليد اليسرى، ويبدأ بالطرق على الإصبع فوق «التكنة» أو لوحة الماء بشكل متأن لرشّ اللون على شكل نقاط، وهذه العملية نفسها تتكرر مع باقي الألوان، يشكل الفنان أرضية لوحته الأولى ثم يضيف إليها قطرات أصباغ أخرى، ويمرر إحدى الإبر على النقطة التي يريد تمديدها على اللوحة لجهتي اليمين والشمال ولأعلى ولأسفل حتى يتم الحصول على الشكل المطلوب وحتى تعبر في النهاية عن ملامح طبيعية وبعد هذه العمليات يضع الفنان ورقة على صفحة لوحته المائية ثم يرفعها من أطرافها من الحوض بلطف وتترك لتجفّ حيث يظهر بعدها الشكل المرغوب فيه.

أساس‭ ‬عند‭ ‬التنفيذ

ولعمل لوحة ورقية من الإبرو يلزم وجود حوض من الزنك أو الخشب بأبعاد 40×50 سم وإرتفاع 5-6 سم، ومسحوق الألوان وفرشاة وإبرة ومشط خاص وورق وشعر وخاصة شعر ذيل الحصان أو سلك رقيق، حيث توضع الورقة أو قطعة القماش فى الحوض، ويسكب الماء عليها لملء الحوض، ثم يتم رش الألوان على سطح الماء وباستخدام الفرشاة والسلك أو الشعر الرفيع يتم تحريك الألوان لجهتي اليمين واليسار ولأعلى ولأسفل حتى يتم الحصول على الشكل المطلوب، وبعدها يتم رفع الورقة أو قطعة القماش من الحوض ومن أطرافها، وتترك لتجف حيث يظهر بعدها الشكل المرغوب فيه من الإبرو، تقول الموسوعة الإسلامية (بالتركية) في صفحة 81 من الجزء العاشر، طبعة عام 1994 (إستانبول) عن هذا الفن أن حوضاً واحداً ممتلئاً بمسحوق بودرة ألوان (في الوقت الحالي تستخدم بويات ودهون سنتاتيك) يكفي لإنتاج عدد 600 ورقة من الإبرو، كما يعد هذا الفن من الفنون التي لا يمكن تكرار نماذجها أو تقليدها، بل يمكن عمل نماذج مقاربة فقط، ذلك لأن درجة الألوان وحساسية يد الفنان تختلف من يد لأخرى. هناك العديد من الأشكال لفن الإبرو ومنها:

-بطال إبرو وليس من وصفه لكن ينسب إلي مقاس الورق وهو 57*83 سم والآن حجمه عادة 35سم *50سم وهناك من يرسمه مع مقاس 100*70 أو أكثر من ذلك.

-شال إبرو ويشبه نقش قماش حجاب النساء.

-تراكلي إبرو وتعني الممشط.

-جيجيكلي إبرو وهو إبرو مزهر وترسم عليه أزهار القرنفل والبنفسج والتيوليب والسنابل.

-كوملو إبرو وتعني المرمل من الرمل.

-خطيب إبرو وينسب للخطاط خطيب محمد أفندي مؤذن مسجد آيا صوفيا وبه أجزاء من الزهرة وأشكال القلوب وغيرها.

-يظلي إبرو والإبرو المخطط ونكتب أولاً بالصمغ علي الورق آية أو حديثاً وعند وضع الورقة لا يقبل مكان الصمغ الألوان فيظهر الخط.

-عكاسي إبرو: مرخم من الخارج وفارغ من الداخل لكتابة آيات أو نصوص.

أين‭ ‬الإبرو‭ ‬الآن؟

لا شك أن التراث الفني والثقافي الذي تركه السلاجقة والعثمانيون مازال يمثل قوة الدفع والمحرك الأساسي لمعظم الفنون التركية المعاصرة، ولقد إستخدم هذا الفن اليدوي بشكل واسع في العصرين السلجوقي (1070-1299م) والعثماني (1300-1923م) لتزيين وتلوين أغلفة الكتب والدفاتر وكذا فى تزيين لوحات الخط الإسلامي. ومن ثم يعد إزدهار أو تراجع هذا الفن اليدوي التقليدي مرتبطاً برواج فن الخط الإسلامي أو الإهتمام به ذلك لأن الخطاطين كانوا وما زالوا أكثر الناس شغفاً بهذا الفن، وتعد الكتب والمخطوطات التي ترجع للعصرين السلجوقي والعثماني بمكتبات السليمانية وبايزيد والفاتح والبلدية. ومشاهير الإبرو كثيرون بالعصر العثماني منهم محمد أفندي خطيب جامع آيا صوفيا (1773م)، الشيخ صادق أفندي (1846م)، وإبراهيم أدهم أفندي شيخ الأوزبك بتركيا (1904م)، وفي القرن الماضي الخطاط سامي أفندي (1912م)، وساجد أوقاي (1915م)، وسامي نجم الدين أوقياي (1933م)، والخطاط عزيز أفندي (1934م)، وعبد القادر قدري أفندي (1942م)، ونجم الدين أوقياي (1976م)، والخطاط أمين باران، وحالياً حكمت بارودجي جيل وزوجته فوسون بارودجي، والخطاط محمد أوغور درمان.  بيد أنه بعد الإهمال الذي تعرض له الإبرو بزوال الدولة العثمانية منذ عام 1923 حيث كان سلاطينها وباشاواتها وأميراتها يرعون الفنون بشكل بارز؛ عاد هذا الفن لينتشر من جديد على أيدي فنانين أتراك فى الربع الأخير من القرن الماضي. ومن الأدلة على الاهتمام الذي يوليه أتراك اليوم بهذا الفن أن وضعت ستارة ضخمة من القماش ورسوم الإبرو عليها اسم بلال أردوغان، ابن طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية وعروسه ريان، كخلفية للمسرح الذي شهد التوقيع على عقد الزواج يوم 10-8-2003، كما أقيم عام 1997 أول مؤتمر دولي للإبرو في إستانبول.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda