كوبنهاغن تنبض جمالاً وتتنفس فرحاً

amsterdam-winter

تظل زيارة كوبنهاغن عاصمة الدنمارك إحدي التجارب الفريدة فهي المدينة التي تنبض جمالاً وتتنفس فرحاً بموقعها علي بحر البلطيق وليس عجباً أن يخرج منها

الفيلسوف الوجودي سورين كيركغارد والعالم الفيزيائي والكيميائي هانزكريستيان أورستيد صاحب قانون أورسيتد ومكتشف الألومنيوم والذي اكتشف أن التيارات الكهربائيةتولد مجالات مغناطسية. أما أديبها هانز كريستيان أندرسون، فحملنا لعالم قصص «الحورية الصغيرة» حيث عالم افتراضي رائع أشبه بأعماق البحر الذي عاشت فيه الحورية الصغيرة التي أرادت أن تتعرف لعالم اليابسة بعدما وقعت في غرام أمير أُنسي وملكة الثلج التي أقحمتنا في تفاصيل الصراع الأبدي بين الخير والشر. تزخر كوبنهاغن التي تعيش بروح التاريخ المتناثر بأبّهة في أرجائها، وكأنه يرفض الرحيل عنها، إنها العاصمة الأكثر كوزموبوليتانية بين عواصم البلاد الاسكندينافية بمرفئها المسالم والثقافة والحفاوة اللتين تستقبل بهما زوّارها. تحتضن المتاحف وصالونات الفن وتنتشر بين شرايينها شوارع تاريخية وأحياء ساحرة حيث يصبح التجوال بينها تجوالاً بعوالم لا متناهية من الجمال المعماري والطبيعي فالمنازل ذات النمط المعماري المتميز بالجدار المستدق تعود للقرن السابع عشر بينما تحدد الساحات المرصوفة بالحجارة والقنوات والسهام النحاسية مفهوم الجمال والهندسة المعمارية الأصيلة والميول المعاصرة التي تبدو بكل تفاصيلها.

حدائق تيفولي هي أوّل متنزه في العالم يعود تاريخه لعام 1843 عندما طلب ملك الدنمارك كريستيان الثامن من المهندس جورج كارستنسين تنفيذ متنزّه ليخلق لأهل كوبنهاغن متنفساً لقضاء ساعات الفراغ وإبعادهم عن السياسة إذ كان يؤمن بالمقولة الرومانية «عندما يشعر الشعب بمتعة الحياة ينسى السياسة». وربما كان إصراره على أن يكون متنزّهاً يستحضر قصص الأطفال الخيالية أساسه أن يعيش الزائر في عالم افتراضي حيث كل شيء جميل وهادئ بعيداً عن السياسة والساسة. يمتد المتنزّه على مساحة 82,717 متر مربع ويمثل كل ركن مدينة خيالية وبه حديقة يابانية تطل علي بحيرة صناعية بجوار برج لهيكل صيني تعيد للأذهان سحر الشرق الأقصى بألوانه وأسراره. وفي المسرح الإيمائي، قد ترهبك الوجوه المقنّعة التي لا تخرج منها الكلمات ولكن حركة الأجساد بليغة لنقل ما لا تقوله الأفواه ويذكر التاريخ أنّ الرومان هم أول من ابتدع المسرح الإيمائي لنقد الكهنة لكن المسرح بكوبنهاغن مستوحي من سحر الصين. وأمام قصر ألف ليلة وليلة، ستسعيد أساطير شهريار وشهرزاد لتتسرب لأنفك ومعدتك روائح الطعام المغربي الحرّيفة تنبعث من مطعم نيمب، تناول الغداء ثم إرتشف الشاي المغربي مع تأمل الشمس وهي تعلن بخيوطها الذهبية عن انتهاء النهار لتتألق خطوط فضية تنثرها الأضواء وتتحوّل الحديقة لمهرجان أنوار تنبثق من كل الزوايا محتفلة بزوارها الذين لا يغادرونها إلا عند ساعات الفجر الأولى.

أما برج رونديتارن أو البرج الدائري، فيقع عند أسفل منحدر حلزوني يصل لقمة البرج المغلف بالآجر الأحمر والبالغ إرتفاعه 34متراً فيما يسترجع الزائر خطى كريستيان الرابع ملك الدنمارك بعصر النهضة والذي بنى هذا البرج عام 1642 وهرولة حصان القيصر الروسي بطرس الكبير وزوجته الإمبراطورة كاثرين الأولى وهما يصعدان بعربة الخيل قمة البرج للإستمتاع بجمال المدينة عام 1716. ومن وقتها، صار كل من يزور كوبنهاغن يرغب في صعود إمبراطوري. شيّد كريستيان الرابع هذا البرج متصلاً بكنيسة ترينيتا ليستخدمه العالم الفلكي تيشو براهي وبقي البرج منصّة مراقبة النجوم وهو برج المراقبة الأقدم الذي لا يزال يعمل في أوروبا. كتبت على الواجهة الخارجية مخطوطة تذكارية وفي الجزء العلوي للبوابة الحديدية، حفرت أحرف RFP التي ترمز لشعار كريستيان الرابع Regna Firmat Pietas أي «الورع يقوّي العهود». وعند منتصف الطريق للسلم الحلزوني، توجد صالة تستقبل معارض الفن المعاصر.

بعد 37 عاماً من المقاومة والمجتمع البديل الأكثر شهرة في أوروبا، خضع شيوخ مدينة كريستيانيا وصدّقوا في سبتمبر 2007 على معاهدة التنازل عن أراضيهم للحكومة ويرسم في نهاية لما عرف بالبلدة الحرة التي بقيت مستقلة عن الدنمارك والإتحاد الأوروبي والمجتمع المحلي منذ ما يقرب من أربعين عاماً. تفوح تلك البلدة الأطويوبية بالفن من هنا وهناك وتظل زيارتها من أكثر التجارب الإستثنائية إذ تضم مزيجاً من السكان متناقضي الهوّية ورواد الفن ومعارضي الفن المثقل، إنهم حرفيون وبيئيون وقدامى الهبيز وهو ما يبدو بوضوح برسوم الغرافيتي التي تزيّن جدران البيوت بأشكال وألوان تدخل البهجة وتثير الرغبة في حمل فرشاة ووضع بصمة لمزاجك الفني. وُصف النشطاء من مؤسسي مجتمع البلدة الحرّة بإحتلالهم ثكنة مهجورة في قلب كريستيانيا بأنهم مجموعة طفيليين ولكن بمرور الزمن أصبحت أفكارهم المتطرفة في إعادة التدوير والأغذية العضوية مفاهيم عالمية ينادي بها الجميع فيما تبقى تلك البلدة صامدة برغم رغبة بعض أثرياء كوبنهاغن في تدميرها والإستفادة من  موقعها.

copenhagen

بأبراجه وخنادقه، يبدو قصر روزنبورغ وقد خرج من إحدى قصص الخيال فهذا المعلم الذي يعود للقرن السابع عشر، كان يقع بعيداً عن المدينة وكان مكتب الجناح الملكي خلال الصيف. وبمرور الزمن، أصبح رائعة معمارية من روائع عصر النهضة يضم مجموعة مذهلة من القطع الفنية والأثاث الملكي وجواهر التاج الملكي. بدأ كريستيان الرابع الذي عرف بملك الشمس بتحويل القصر عام 1606 لمقر الإقامة الصيفية للعائلة الملكية حتي اعتلى فريدريك الرابع العرش في بداية القرن الثامن عشر وبنى فردنيسبورغ سلوت في وسط سيلاند. الجولة بداخل القصر تدخلك عالم الملوك بترفه فالأجنحة الأربعة والعشرون لا تزال على سيرتها الأولى من حيث الأثاث أو لوحات البورتريه التي تصوّر ثلاثة قرون من التاريخ الملكي حتى القرن التاسع عشر فيما تبقى الطبقة السفلية مثيرة لإهتمام الزوار وهي تعرض جواهر التاج الملكي من تاج كريستيان الرابع وسيف كريستيان الثالث المرصّع بالأحجار الكريمة وعدد من ماسات وأحجار زمرد الملكة الحالية مارغريت الثانية. يطل القصر على حديقة الملك وهي متنزه أنيق يحلو الإستراحة برفاهية ملكية.

110914_tivoli-copenhagen

هذا وتتنافس أحياء فيستربرو ونوربرو فبرغم أن فيستربرو يضم المتاجر والحانات والملاهي الليلية، فإن حي نوربرو قد تجاوزه بجذب السياح والسكان المحليين في آن واحد فهو حي سكني وتجاري يمكن وصفه بحي كوزموبوليتاني مكتظ بالسكان والحياة الليلية فيه مفعمة بالحيوية ويقع شمالاً من وسط المدينة خلف البحيرات الضحلة الجميلة وقد تم بنائه إبان القرن الثامن عشر ليكون سداً للحرائق. أما نوربرو أو الجسر

الشمالي، فسمّي على اسم جسر فوق البحيرات المؤدية لشارع التسوّق الرئيسي بالحي وفي الطريق إليه لا بد لك من العبور بالقرب من Assistens Kirkegard المقبرة التي دفن فيها عدد من الفنانين والكتّاب والمفكرين والسياسيين الدنماركيين وفيه أيضاً تمتد شوارع ساحرة مثل Blagardsgade  بمدرّجاته ومطاعمه وElmegade حيث المقاهي العصرية وبوتيكات الأزياء العالمية. وأخيراً، تظل ساحة سانكت هانس الأكثر جذباً في نوربرو إذ تحتشد فيها المقاهي وتقدم تجربة كوبنهاغية أصيلة.

وكما هو الحال بعدة دول، بدلت أطباق السوشي والأكلات السريعة العادات الغذائية للدنماركيين بيد أن سندويش الغداء Smorrebrod يظل الأكثر رواجاً وهو الطعام المفضل الذي يحرص الجميع علي تناوله ظهراً.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda