هل تتفاءل أم تتشاءم؟

نظرة المرء للحياة تؤثر على رؤيته لتفاصيل الكون من حوله فالمتفائل يرى الأمور من زاويتها الإيجابية ولا يرى المتشائم سوى مزيداً من السلبيات.. ولأننا بشر.. نتفاءل ونتشاءم ويبقى السؤال..

هل للأمر علاقة بالنشأة وظروف البيئة أم بالطبيعة البشرية أم هو أبعد وأعمق؟
الأشقاء يختلفون فى ردة فعلهم تجاه الأحداث فهناك من يأخذ الأمور ببساطة وسلاسة فيما نجد الآخر متشائماً ينبش بين السطور الضيقة عما يثير ضجره ويرى الوجه المظلم فى كل ما يحيط به، والأشخاص الذين يعانون من التشاؤم يؤثرون سلباً على من يعيش معهم سواء كانوا أزواجاً أو أبناء، فيما تشير الأبحاث العلمية إلى أن المتفائل يعيش أكثر من المتشائم ويضفى حيوية ونشاطاً على كل من حوله وتختلف ردود أفعال الأشخاص وتتباين ومنها ما هو سلبى ومنها ما هو شديد الإيجابية بسبب الفروقات العضوية مابين دماغ الشخص المتفائل والمتشائم الأمر الذى يظهر واضحاً فى الفحوصات الإشعاعية التى تبين عمل الدماغ.

فى الاختلاف.. حياة
تقوم الحياة -فى الأساس- على فلسفة التناقض وهى مبنية على وجود الشىء ونقيضه بشكل علمي دقيق، فالليل يعقبه نهار والشمس يقابلها ظلام والخير يتزامن مع الشر والرجل تقابله المرأة والمسالمة والتسامح يجابه العنف.. إنها مدرسة الحياة التي قامت علي أساسها عدة مدارس فلسفية، ففى آسيا تحدثت الفلسفة الصينية والهندية وأخرى نشأت فى اليابان وتايلاند على نظرية الاختلاف والتوافق وتناولتها بشكل أكثر شمولاً منها فلسفة «اليونغ يانغ» والتى قامت علي أساس التأكيد علي أن الحياة تقوم على وجود الشىء ونقيضه مجتمعان فى قالب واحد، وتكمن المتناقضات دوماً فى رموز مختلفة ويكون الاختلاف مكملاً للآخر وإن كان نقيضه التام كالسالب والموجب والفاعل والمفعول به والذكر والأنثى والليل والنهار والخير والشر ويبقى أكثر الرموز تناقضاً شعار مهنة الصيدلة إذ نجد الثعبان ينفث سمه بالكأس في دلالة علي النقاء والشفافية فالسم القاتل هو ذاته الدواء الشافى.

وللحق لا يوجد متفائل أو متشائم على طول الخط فالأساس في الإنسان التقلب ووجهي العملة الواحدة هما سمتان يتجاوران داخل النفس وتغلب إحداهما على الأخرى فى أوقات بعينها فتصبح السمة الغالبة التي يراها الناس كما لا نتجاهل أيضاً الظروف المحيطة والعوامل البيئية وتراكم تجارب الحياة فالحكم العام باطل وثبات الحالة ضرب من المحال في ضوء المتغيرات الدائمة والتقلبات المحيطة.

أنت مسئول عن نفسك..
لا نبالغ حين نقول إن الفرد هو المسئول الأول والوحيد عن رؤيته لأمور الحياة بصورة سلبية تشاؤمية أو إيجابية تفاؤلية فإسلوب التفكير وطريقة التعامل مع أحداث الحياة هما البوابة الرئيسية لاختراق الذات، وقد أثبتت التجارب أن ذوى التفكير التشاؤمى يحملون هموم الدنيا والآخرين ونراهم شديدى الانهزام والتخاذل يعانون من الاكتئاب وتغلب عليهم الكآبة والملل وينثرونه علي العالم المحيط، وعلى النقيض، نرى المتفائلين يهزمون ببطء وتكون شكواهم أقل وأعمارهم أطول وحيويتهم أكثر حتى تفكيرهم يكون أقل عرضة للتدهور فالبحث فى دقائق الأمور ودقة التنفيذ والحركة الدائمة ينعكس على شخصية المرء ويسهم في تحديد مستوى تفكيره، وأشارت الدراسات النفسية إلى أن ذوى التفكير التشاؤمى يعاملون هفوات الحياة اليومية بكونها أخطاء مدمرة وينتابهم شعور بتأنيب الضمير الدائم ويتحرون عن الذنوب والآثام ويلصقونها بأنفسهم واصفين ذاتهم دوماً بالفشل والتخاذل ومتخيلين علي طول الخط أنهم من أولئك الكائنات الذين لا يستحقون الحياة وغيرها من معالم تلك الرؤية السوداوية التي قد تقود صاحبها لإنهاء حياته بالانتحار أو السقوط في هاوية المخدرات مثلاً.
وتكمن المفاهيم الأساسية للصحة النفسية في استواء الشخصية فالأصل ليس في انعدام المشكلات ولكن في القدرة على تقبل الألم والفشل ومراجعة الذات، وكما أن التشاؤم علي طول الخط أمر شديد السلبية فالتفاؤل الجم أيضاً مؤشر خطر وفي كلتا الحالتين يحتاج المرء لمراجعة ذاته، ولأنه بشر يمر الإنسان بمواقف بها كثير من التشاؤم والهزيمة فالنجاح ليس أبدىاً ولا الفشل صفة أزلية التصقت بصاحبها والحياة لا تسير على وتيرة واحدة، ويبقى الفرد هو الحكم على قدرته فى ضبط سلوكه الذاتى إزاء المواقف المختلفة وعليه اختيار الأفضل مع الاعتدال بوجه عام إذ قد تؤدي شدة التفاؤل للسطحية وشدة التشاؤم للانتحار، لا شيء مطلق.. لا تفاؤل مطلق ولا تشاؤم مطلق وإنما الوسطية والجمع ما بين شقيهما هو الذى يحقق الراحة والتوازن النفسى والبداية دوماً صعبة إذ تلزم الكثير من الجهد والمثابرة فالمتفائل يرى ضوءاً غير موجود والمتشائم أحمق يجد الضوء ولا يصدقه وأفقر الناس من عاش بلا أمل لأننا نسقط لننهض وننام لنصحو أكثر نشاطاً، ولا ننسي أننا بشر نمر بحالات حزن وفرح ويسر وعسر والزمن وحده كفيل بحل مشاكل الحاضر وجعلها مجرد ذكري، وقديماً قال الحكيم «كنت أشتكى من عدم وجود حذاء فى قدمى حتى رأيت رجلاً بلا قدم» وأعرب الفيلسوف «خير لنا أن نضىء شمعة من أن نمضى حياتنا كلها نلعن الظلام» فيما أشار صانع السعادة «حسبى السعادة فى هذه الدنيا ضمير نقى ونفس هادئة».

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda