الدنيا ربيع

في غضون أيام، يحتفل المصريون بقدوم شم النسيم وهو من أعياد الفراعنة التي توارثتها الأجيال والتي أمست فى العصر الحاضر عيداً شعبياً يحتفل به الجميع من أقباط ومسلمين. ترجع تسمية شم النسيم إلى الكلمة الفرعونية (شمو) ويُرمز بها لدي قدماء المصريين إلى ما بعد الحياة حيث كانوا يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان وفيه بدأ خلق العالم. وأضيفت كلمة (النسيم) إليه لإرتباط هذا اليوم بإعتدال الجو في إشارة لبداية الربيع وطيب النسيم وما يصاحب الإحتفال بذلك العيد من الخروج إلى الحدائق والمتنزهات والإستمتاع بجمال الطبيعة. ويرجع الإحتفال به إلى ما يقرب من خمسة آلاف عاماً وكان الفراعنة قد أطلقوا على ذلك العيد إسم (عيد شموش) وكان قدماء المصريين يقيمون إحتفالاً رسمياً كبيراً فيما يعرف بالإنقلاب الربيعي وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار إبان حلول الشمس في برج الحمل. كانوا يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم قبيل الغروب ليشهدوه ويظهر قرص الشمس وهو يميل نحو الغروب مقترباً تدريجياً من قمة الهرم حتى يبدو للناظرين وكأنه يجلس فوق قمة الهرم. وفي تلك اللحظة يحدث شيء عجيب حيث تخترق أشعة الشمس قمة الهرم، فتبدو واجهة الهرم أمام أعين المشاهدين وقد إنشطرت إلى قسمين. ما زالت هذه الظاهرة العجيبة تحدث مع قدوم الربيع في الحادي والعشرين من مارس كل عام في الدقائق الأخيرة من الساعة السادسة مساء في نتيجة لسقوط أشعة الشمس بزاوية معينة على الواجهة الجنوبية للهرم، فتكشف أشعتها الخافتة الخط الفاصل بين مثلثي الواجهة الذين يتبادلان الضوء والظلال فتبدو وكأنها شطران. ويتحول الإحتفال بعيد شم النسيم -مع إشراقة شمس اليوم الجديد- إلى مهرجان شعبي تشترك فيه طوائف الشعب المختلفة فيخرج الناس إلى الحدائق والحقول والمتنزهات حاملين معهم أنواعاً معينة من الأطعمة التي يتناولونها في ذلك اليوم إذ كان لشم النسيم أطعمته التقليدية المفضلة، وما إرتبط بها من عادات وتقاليد أصبحت جزء لا يتجزأ من الإحتفال بالعيد نفسه والطابع المميز له والتي انتقلت من الفراعنة عبر العصور الطويلة إلى عصرنا الحاضر. وتشمل قائمة الأطعمة المميزة لمائدة شم النسيم ومنها البيض والفسيخ والبصل والخس والملانة وهي أطعمة مصرية ذات طابع خاص إرتبطت بمدلول الإحتفال بذلك اليوم لدي الفراعنة بما يمثله لهم من خلق وخصب وحياة. وقد أخذ كثير ممن يحتفلون بأعياد الربيع في دول الغرب والشرق كثيراً من مظاهر عيد شم النسيم ونقلوها في أعيادهم الربيعية.

البيض‭ ‬الملون‭.. ‬هرج‭ ‬ومرح‭ ‬وفرح‭ ‬

يُعتبر البيض الملون مظهراً من مظاهر عيد شم النسيم ومُختلف أعياد الفصح والربيع في العالم أجمع، وإصطلح الغربيون على تسمية البيض (بيضة الشرق) بدأ ظهور البيض على مائدة أعياد الربيع أو شم النسيم مع بداية العيد الفرعوني نفسه أو عيد الخلق حيث كان البيض يرمز إلى خلق الحياة كما ورد في متون كتاب الموتى وأناشيد (أخناتون الفرعوني). وهكذا بدأ الإحتفال بأكل البيض كأحد الشعائر المقدسة التي ترمز لعيد الخلق، أو عيد شم النسيم عند الفراعنة. أما فكرة نقش البيض وزخرفته، فقد إرتبطت بعقيدة قديمة أيضاً إذ كان الفراعنة ينقشون على البيض الدعوات والأمنيات ويجمعونه أو يعلقونه في أشجار الحدائق حتى تتلقى بركات نور الإله عند شروقه بحسب زعمهم فيحقق دعواتهم ويبدأون العيد بتبادل التحية (بدقة البيض) وهي العادات التي ما زال أكثرها متوارثاً إلى الآن. أما عادة تلوين البيض بمختلف الألوان وهو التقليد المتبع في جميع أنحاء العالم، فقد بدأ في فلسطين ثم انتقلت تلك العادة إلى مصر وحافظ عليه الأقباط بجانب ما توارثوه من الرموز والطلاسم والنقوش الفرعونية. ومنهم إنتقلت عبر البحر الأحمر إلى روما وإنتشرت في أنحاء العالم الغربي في أوروبا وأمريكا، وقد تطورت تلك العادة إلى صباغة البيض بمختلف الألوان والتي أصبحت الطابع المميز لأعياد شم النسيم والفصح والربيع حول العالم.

الفسيخ‭.. ‬عنوان‭ ‬الحياة‭ ‬وبدايتها

ظهر الفسيخ أو السمك المملح ضمن الأطعمة التقليدية في العيد لدي الأسرة الفرعونية الخامسة عندما بدأ الإهتمام بتقديس النيل أو نهر الحياة (الإله حعبى) عند الفراعنة الذي ورد في متونه المقدسة عندهم أن الحياة في الأرض بدأت في الماء ويعبر عنها بالسمك الذي تحمله مياه النيل من الجنة حيث ينبع -حسب زعمهم. وقد كان للفراعنة عناية بحفظ الأسماك وتجفيفها وتمليحها وصناعة الفسيخ والملوحة وإستخراج البطارخ.

بصل‭ ‬شم‭ ‬النسيم

ظهر البصل ضمن أطعمة عيد شم النسيم في أواسط الأسرة الفرعونية السادسة وقد إرتبط ظهوره بما ورد في إحدى أساطير منف القديمة التي تروى أن أحد ملوك الفراعنة كان له طفل وحيد وكان محبوباً من الشعب وقد أُصيب الأمير الصغير بمرض غامض عجز الأطباء والكهنة والسحرة عن علاجه وأقعد الأمير الصغير عن الحركة ولازم الفراش عدة سنوات، إمتُنِع خلالها عن إقامة الأفراح والإحتفال بالعيد مشاركة للملك في أحزانه. وكان أطفال المدينة يقدمون القرابين للإله في المعابد في مختلف المناسبات ليشفى أميرهم وإستدعى الملك الكاهن الأكبر لمعبد آمون فنسب مرض الأمير الطفل إلى وجود أرواح شريرة تسيطر عليه وتشل حركته بفعل السحر وأمر الكاهن بوضع ثمرة ناضجة من ثمار البصل تحت رأس الأمير في فراش نومه عند غروب الشمس بعد أن قرأ عليها بعض التعاويذ ثم شقها عند شروق الشمس في الفجر ووضعها فوق أنفه ليستنشق عصيرها كما طلب منهم تعليق حزم من أعواد البصل الطازج فوق السرير وعلى أبواب الغرفة وبوابات القصر لطرد الأرواح الشريرة. وتشرح الأسطورة كيف تمت المعجزة وغادر الطفل فراشه وخرج ليلعب في الحديقة وقد شفى من مرضه الذي يئس الطب من علاجه. ومن ثم، أقام الملك الأفراح في القصر لأطفال المدينة بأكملها وشارك الشعب في القصر في أفراحه، ولما حل عيد شم النسيم بعد أفراح القصر بعدة أيام قام الملك وعائلته وكبار رجال الدولة بمشاركة الناس في العيد كما قام الناس -إعلاناً منهم للتهنئة بشفاء الأمير- بتعليق حزم البصل على أبواب دورهم كما إحتل البصل الأخضر مكانة على مائدة شم النسيم بجانب البيض والفسيخ. ومما هو جدير بالذكر أن تلك العادات التي ارتبطت بتلك الأسطورة القديمة ما زالت من العادات والتقاليد المتبعة إلى الآن في مصر وفي بعض الدول التي تحتفل بعيد شم النسيم أو أعياد الربيع.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda