قصر البارون.. تحفة فنية رائعة

قصر البارون إمبان، قصر أثري بالغ الروعة والجمال يقع في قلب منطقة مصر الجديدة بالقاهرة بجمهورية مصر العربية، في شارع العروبة تحديداً على الطريق الرئيسي المؤدي إلى مطار القاهرة الدولي ويشرف القصر على شارع العروبة وابن بطوطة وابن جبير وحسن صادق، صممه المعماري الفرنسي Alexandre Marcel الكسندر مارسيل (1860 – 1928) وزخرفه Georges-Louis Claudeجورج لويس كلود (1879 – 1963 ) واكتمل البناء عام 1911

شيده المليونير البلجيكي البارون إدوارد إمبان)، والذي جاء إلى مصر من الهند في نهاية القرن التاسع عشر بعد فترة قليلة من افتتاح قناة السويس، حيث بقى في مصر واختار مكاناً صحراوياً (في ذلك الوقت) لبناء قصره في وسط ضاحية مصر الجديدة بالقرب من القاهرة العاصمة والسويس كذلك، فوقع اختياره على تصميم مهندس فرنسي الذي كان يعرض تصميماً لقصر يتبنى الطرازين الأوروبي والهندي في معرض هندسي في باريس عام 1905 حيث أعجب به البارون واشتراه ليكون من أولى البنايات التي زينت لصحراء مصر الجديدة في عام 1911 حيث جمع في تصميمه بين أسلوبين معماريين أحدهما ينتمي إلى قصر عصر النهضة خاصة بالنسبة للتماثيل الخارجية وسور القصر، أما القصر نفسه فينتمي إلى الطراز الكمبودي بقبته الطويل المحلاة بتماثيل بوذا وقد جلب رخام القصر من إيطاليا والكريستال من تشيكوسلوفاكيا ويشغل القصر وحديقته الواسعة مساحة 12,500 ألف متر وانتهى بناء القصر عام 1911.

وهو يعتبرتحفة معمارية فريدة من نوعها على اعتبار أنه القصر الوحيد في العالم الذي لاتغيب عنه الشمس طوال النهار، وتم ذلك بتشييد قاعدته الخرسانية على «رومان بلي» تدور على عجلات بحيث يلف القصر بمن فيه (كل ساعة) ليرى الواقف في شرفته كل ما يدور حوله ويتبع الشمس في دورانها على مدار ساعات النها زود القصر بالخدم والحشم وابتدأت فيه حفلات السهر والسمر وارتاده رواد المجتمع الذين كانوا محور حفلاته حتى وفاة البارون في بلجيكا سنة 1929 بمرض السرطان.

افتتاح القصر..
في يوم افتتاح القصر دعا البارون إمبان السلطان حسين كامل الذي انبهر عندما صعد إلى البرج ولم يصدق عينيه، فالقاهرة كلها أمامه، ورأى السلطان حسين أهرامات الجيزة من مكانه من فوق البرج وتملكت الغيرة من قلب سلطان مصر ورفض أن يكون في عاصمة ملكه ماهو أعلي وأجمل من قصره فأوحى للبارون أن يهدي القصر إليه ولكنه اعتذر في أدب جم فخرج السلطان غاضباً ولم يجد البارون إمبان أمامه حلاً سوي بناء قصر آخر مجاور لقصره وأهدائه لسلطان البلاد، ونفذ البارن إمبان الفكرة وبني قصراً ثانياً في زمن قياسي وأهداه للسلطان حسين كامل ولكن السلطان رفض الهدية وأصر علي أهدائه القصر الأصلي واعتبر إمبان خارجاً علي طاعته، وأمام غضبة السلطان حزم البارون حقائبه وغادر مصر حتي تهدأ الأمور، بعد شهور قليلة تبدلت الأوضاع في مصر، وعاد البارون إمبان من جديد إلى مصر ثم كانت الفكرة التي طرأت على ذهن البارون وهو الاقتصادي الفذ، وهي إنشاء شركة واحة هليوبوليس التي أنشأ من خلالها ضاحية مصر الجديدة والتي أراد من خلالها إقامة مجتمع من المساكن للطبقة الأرستقراطية والجاليات الأجنبية خاصة البلجيكيين المقيمين بالقاهرة.

إنشاء ضاحية مصر الجديد..
وترجع فكرة بناء القصر إلى البارون إمبان الذي عرض على الحكومة المصرية فكرة إنشاء حي في الصحراء شرق القاهرة واختار له اسم (هليوبوليس) أي مدينة الشمس واشترى البارون الفدان بجنيه واحد فقط، حيث إن المنطقة كانت تفتقر إلى المرافق والمواصلات والخدمات، وحتى يستطيع البارون جذب الناس إلى ضاحيته الجديدة فكر في إنشاء مترو مازال يعمل حتى الآن وأخذ اسم المدينة «مترو مصر الجديدة» إذ كلف المهندس البلجيكي أندريه برشيلو الذي كان يعمل في ذلك الوقت مع شركة مترو باريس بإنشاء خط مترو يربط الحي أو المدينة الجديدة بالقاهرة، كما بدأ في إقامة المنازل على الطراز البلجيكي الكلاسيكي بالإضافة إلى مساحات كبيرة تضم الحدائق الرائعة، وبني فندقاً ضخماً هو فندق هليوبوليس القديم الذي ضم مؤخراً إلى قصور الرئاسة بمصر، ثم قرر البارون إقامة قصر، فكان قصراً أسطورياً، وصمم بحيث لا تغيب عنه الشمس حيث تدخل جميع حجراته وردهاته، وهو من أفخم القصور الموجودة في مصر على الإطلاق، وتضم غرفة البارون بالقصر، لوحة تجسد كيفية عصر العنب لتحويله إلى خمور، ثم شربه حسب التقاليد الرومانية وتتابع الخمر في الرءوس، أي ما تحدثه الخمر في رءوس شاربيها القصر من الداخل حجمه صغير جداً فهو لايزيد علي طابقين ويحتوي علي 7 حجرات فقط، الطابق الأول عبارة عن صالة كبيرة وثلاث حجرات 2 منهما للضيافة والثالثة استعملها البارون إمبان كصالة للعب البلياردو، أما الطابق العلوي فيتكون من 4 حجرات للنوم ولكل حجرة حمام ملحق بها، وأرضية القصر مغطاة بالرخام وخشب الباركيه، أما البدروم (السرداب) فكان به المطابخ والجراجات وحجرات الخدم.

وصف القصر..
يقع القصر على مساحة 125 ألف متر، الذي استلهمه من معبد انكور وات في كمبوديا ومعابد أوريسا الهندوسية، فشرفات القصر الخارجية محمولة على تماثيل الفيلة الهندية، والعاج ينتشر في الداخل والخارج، والنوافذ ترتفع وتنخفض مع تماثيل هندية وبوذية، أما داخل القصر فكان عبارة عن متحف يحتوى على تحف وتماثيل من الذهب والبلاتين، كما يوجد داخل القصر ساعة أثرية قديمة يقال أنها لا مثيل لها إلا في قصر باكنجهام الملكي بلندن توضح الوقت بالدقائق والساعات والأيام والشهور والسنين مع توضيح تغيرات أوجه القمر ودرجات الحرارة.صنعت أرضيات القصر من الرخام والمرمر الأصلي حيث تم استيرادها من إيطاليا وبلجيكا، وزخارفه تتصدر مدخله تماثيل الفيلة كما تنتشر أيضاً على جدران القصر الخارجية والنوافذ على الطراز العربي وهو يضم تماثيل وتحفاً نادرة مصنوعة بدقة بالغة من الذهب والبلاتين والبرونز، بخلاف تماثيل بوذا والتنين الأسطوري. ويتكون القصر من طابقين وبدروم (السرداب)، وبرج كبير شيد على الجانب الأيسر يتألف من 4 طوابق يربطها سلم حلزوني تتحلى جوانبه الخشبية بالرخام، وعلى درابزين (سور) السلالم نقوش من الصفائح البرونزية مزينة بتماثيل هندية دقيقة النحت وقد صمم القصر بطريقة تجعل الشمس لا تغيب عن حجراته وردهاته أبداً، واستخدم في بنائه المرمر والرخام الإيطالي والزجاج البلجيكي البلوري الذي يرى من في الداخل كل من في الخارج وبه برج يدور على قاعدة متحركة دورة كاملة كل ساعة ليتيح لمن يجلس به أن يشاهد ماحوله في جميع الاتجاهات، وكان الطابق الأخير من القصر هو المكان المفضل للبارون إمبان ليتناول الشاي به وقت الغروب وكان حول القصر حديقة غناء بها زهور ونباتات نادرة كما يوجد بالقصر نفق يصل بين القصر والكاتدرائية العريقة كنيسة البازيليك الموجودة حتى الآن في آخر شارع العروبة الذي يوجد به القصر.

الطابق الأول..
ويتكون الدور الأرضي من صالات ضخمة تحتوي على عدد كبير من الأبواب والشرفات، وفي قاعة المائدة وزعت رسوم مأخوذة من مايكل أنجلو ودافينشي ورامبرانت وحمل كل ركن من الأركان الأربعة عمودا يحمل تمثالاً رفيع الصنع من التماثيل الهندية الثمينة أما البدروم (السرداب)، فيضم مجالس واسعة، وأماكن إقامة الخدم، وأفراناً ضخمة، ومغاسل رخامية وتتصل الغرفة بحجرة الطعام عن طريق مصعد غاية في الفخامة مصنوع من خشب الجوز وعلى جدران قاعة المائدة رسوم مأخوذة من مايكل أنجلو، وليوناردو ودافينشي، ورامبرانت وأرضيات الحجرات من الباركيه، وكل غرفة لها حمامها الخاص تكسو جدرانه بلاطات مصنوعة من الفسيفساء ذات الألوان الزرقاء والبرتقالية والحمراء في تشكيلات لونية بديعة.. وبسلم رخامي مزين بدرابزين يضم تماثيل هندية صغيرة دقيقة الصنع والصنعة نصعد إلى الطابق الثاني الذي يتألف من صالة كبيرة و35 غرفة نوم لكل منها حمامها الخاص الذي تكسوه بلاطات من الفسيفساء.

الطابق الثاني..
أما الطابق الثاني من القصر، فيحتوي على عدة غرف واسعة تطل على شوارع القصر الأربعة وفي هذه الغرف شرفات غطيت أرضها بالفسيفساء الملونة، كما توجد بكل شرفة مقاعد ملتوية لو جلس أحد على أي منها، أحاطت به التماثيل من كل جانب.

سطح القصر..
أما سطح القصر الأسطوري، فقد كان أشبه بمنتزه تستخدم في بعض الحفلات التي يقيمها البارون، وجدران السطح عليها رسوم نباتية وحيوانية وكائنات خرافية، ويصعد إليه بواسطة سلم مصنوع من خشب الورد الفاخر، فقد كان أشبه بكافيتريا كانت تضم موائد كبيرة وكانت جدران السطح مزينة برسوم نباتية وحيوانية.

برج القصر..
أما برج القصر فإنه يتحرك ليدور حسب اتجاه الشمس، حيث إنه مثبت على قاعدة دوارة يديرها محركان، فتلف كل ساعة لفة كاملة، تجعل من يجلس بداخل هذا البرج يشاهد ما حوله دون أن يتحرك من مكانه وهو يستمتع بالهدوء والجمال.

التماثيل..
التماثيل الموجودة بالقصر جلبها البارون إمبان من الهند حيث يوجد عدد من ثماثيل الفرسان المصنوعة من الرخام الأبيض وهي ذات ملامح رومانية تشبه فرسان العصرين اليوناني والروماني، ويوجد في يد كل منهم سيف وتحت قدمه رأس مقطوعة، بالإضافة إلى تماثيل الراقصات يؤدين حركات تشبه حركات راقصات الباليه بالإضافة إلى تماثيل الأفيال المنتشرة على مدرجات القصر وفي شرفات أبوابه.

القصر بعد وفاة البارون..
ولقد توفي البارون إمبان في 22 يوليو عام 1929 ومنذ هذا التاريخ تعرض القصر لخطر الإهمال لسنوات طويلة، وتحولت حدائقه التي كانت غناء يوماً ما إلى خراب، وأصبح القصر مهجوراً، وتشتت جهود ورثته ومن حاول شراء القصر واستثماره، إلي أن اتخذت الحكومة المصرية قراراً بضمه إلى قطاع السياحة وهيئة الآثار المصرية اللتين باشرتا عملية الإعمار والترميم فيه على أمل تحويله إلى متحف أو أحد قصور الرئاسة المصرية ولم يفتح القصر إلا مرات معدودة المرة الأولى عندما وضعت الحراسة على أموال البلجيكيين في مصر عام1961، ودخلت لجان الحراسة لجرد محتوياته، والمرة الثانية عندما دخله حسين فهمي والمطربة شادية لتصوير فيلم الهارب، والمرة الثالثه عند تصوير أغنية للمطرب محمد الحلو بطريقة الفيديو كليب أما الرابعة فقد تمت بطريقة غير شرعية إذ أن بسبب إغلاقه المستمر، نسج الناس حوله الكثير من القصص الخيالية، ومنها أنه صار مأوى للشياطين.

قصر البارون وجماعة عبدة الشيطان..
تلك الأجواء الغامضة التي أحاطت بالقصر المهجور دفعت جماعات من الشباب في منتصف عام1997 فى حادثة شهيرة إلى التسلل إلى القصر ليلاً وإقامة حفلات ماجنة من أضواء ساطعة، وصخباً وضجيجاً ورقصاً كل ليلة داخل القصر وموسيقى تنبعث منه.

الوضع النهائي لقصر البارون إمبان..
في الاحتفال بمئوية مصر الجديدة، وجد قصر البارون إمبان حلاً بعد معاناة استمرت 50 عاماً فبعد نصف قرن من الزمان أصبح القصر مصرياً بعد أن أبرم المهندس محمد إبراهيم سليمان اتفاقاً مع ورثة ملاك القصر جان إمبان حفيد البارون إمبان بشراء القصر مقابل منحهم قطعة أرض بديلة بالقاهرة الجديدة ليقيموا عليها مشاريع استثمارية.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda