الكونت دراكولا

مجرد سماعنا لتلك الكلمة، نتخيل صوراً لدماء أنياب رجلاً يتحول ليلاً لخفاش، نري أمامنا عباءة سوداء، صليب عتيق، مياه مقدسة، وتد خشبي، توابيت وبالطبع بعض الثوم. إنها الصورة التقليدية لمصاص الدماء، تلك الشخصية التي إحتلت الجزء الأكبر بأساطير الشعوب وخيال الأدباء. وبرغم كوننا نعيش اليوم بعصر التكنولوجيا والعلم، إلا أن الكثيرين لا زالوا مهوسيين بروايات وأفلام مصاصي الدماء. وقصة مصاص الدماء مازلت تنمو في شعبيتها وتتطور شيئاً فشيئاً وبرغم أن ثقافة مصاصي الدماء تتناقض تماماً مع العصر الحديث وهذا التقدم العلمي الذي نعيشه حالياَ، إلا أننا نجد متعة كبيرة في ترك هذا العالم العلمي والغوص بأعماق الماضي البعيد والغامض ونقحم أنفسنا بالأساطير الشعبية القديمة لنخرج بطلاً نائماً في تابوته منذ مئات السنين.

تعود أصل قصة «دراكولا» الشهيرة لرواية للكاتب برام ستوكر كتبها عام 1897 وقد بنى الكاتب شخصية دراكولا على شخص حقيقي هو أمير والاشيا القاسي والتي حولت مصاص الدماء القديم الطفيلي القذر لشخصية خارقة الذكاء شرير إلى حد ما فالكونت دراكولا كان يقيم بقلعة ويتمتع بسلطات غير محدودة وقدرات تفوق قدرات البشر وكذلك ثروة طائلة فهو عبقري وغامض وخالد، ومع ذلك، نجد مصاص الدماء في الروايات هو البطل التراجيدي صاحب اللعنة الأبدية فهو سريع الزوال تحت ضوء الشمس ولا يخرج بالنهار كما يموت بغرس الأوتاد الخشبية بقلبه. وبرغم وسامته الخالدة فنجده وحيداً لا يستطيع أن يعيش تجربة الحب والرفقة الحقيقية مع إمرأة بشرية.

كان الكونت فلاد دراكولا أو فلاد تيبيس أميراً لمقاطعة والاشيا القريبة من البلقان والتي تقع حالياً ضمن أراضي رومانيا لثلاث فترات بالقرن الخامس عشر. وخلال تلك الفترة، كانت الحرب مستمرة مع الأتراك وقد أنشأ ملك المجر سيجيسموند جماعة سرية تتخذ لها رمز التنين (دراك في الرومانية) وهكذا فإن إسم «فلاد التنين» كان «فلاد دراكولا». كانت الحرب علي أشدها بين الأمراء المسيحيين وبعضهم وبين الأتراك الزاحفين وقد شهدت الحرب هزيمة حملة فارنا الصليبية التي حاولت طرد العثمانيين من أوروبا عام 1431. وبعد السيطرة على ولاشيا، بدأ عهد الرعب الذي اشتهر به خاصة أن الإعدام بالخازوق هو أبشع أساليب الموت والخازوق هو عبارة عن رمح يدق بمؤخرة الشخص حتى يخرج من رقبته، وكان يدهن طرف الخازوق بالزيت ويدخله ببط شديد حتى يضمن ألا تموت الضحية علي الفور، أما الأطفال فكان يضعهم على خازوق يخرج من صدور أمهاتهم وقد ضمن ولاء سكان ولاشيا وفرض نفسه كقوة مطلقة بقتل أكثر من مئة ألف من السكان بالخازوق حتى باتت ولاشيا عبارة عن مقبرة ومستنقع الموت وكانت متعته تكمن في تلك الدماء التي تنسال من المخزوقين وهم أحياء لتملئ الوعاء وليغمس قطعة الخبز ويأكلها كما كان يضع الخوازيق لإرعاب أعدائه خارج المدن التي يهاجمها وإرتفاع الخازوق يحدد مكانة الضحية،

وقد أحس السلطان محمد الثاني بفظاعة المخوزق عندما وجد الجثث لعشرين ألف أسير تركي معلقة على خوازيق خارج حدود ولاشيا عندما وصلها بالجيش، لكن نجح السلطان محمد الفاتح في الإنتصار وهرب فلاد إلى المجر. وكانت تلك بداية نهاية عصر الرعب الذي نشره فلاد إذ لم يكتف بالخوازيق بل كان أيضاً يقطع الأذن والأنف ويحرق ويشوي ويدق رأس الضحية بالمسامير وأحياناً يطلق عليها الحيوانات المفترسة.

بالنسبة للكنيسة آنذاك، كان فلاد بطل قومي وقد لقي تأييد من البابا لمحاربته الأتراك وقوف دون انتشار الإسلام وامتداده كما إستطاع حماية دولته وحماية المسيحية من زحف العثمانيين الكاسح، إلا أن الأتراك نجحوا في النهاية في غزو ولاشيا وقد انتحرت زوجته بأن رمت نفسها من القلعة بداخل مياه نهر أرجيس وفضلت الموت غرقاً علي الإستسلام للأتراك فيما وقع هو في الأسر ويقال أنه كان يقضي وقته في السجن بأن يسلخ الحيوانات حية أو يضع الطيور على خوازيق، وفي النهاية لقى نهايته على يد قتلة أرسلهم الشاه وقد قطع رأسه ووضع في العسل ليحفظ وجه على حاله وأرسل للشاه ليكون دليلاً علي موته، وقد وضع جسده على خازوق ليكن عبرة بعدما إستعمل طريقة الخازوق نفسها لإرهاب شعبه. هكذا كانت حياة الكونت فلاد دراكولا الذي اعتبره الكثيرون جد مصاصي الدماء!

ومن جراكولا، أخذت الأسطورة ذاتها تنتشر وتنمو بقوة وبدأت القصص تنتشر حول مخلوقات مشابهة لمصاص الدماء بأنحاء متفرقة من العالم لكن معظم روايات مصاصي الدماء بدأت في أوروبا الشرقية ودول البلقان ومنها ألبانيا واليونان والمجر ورومانيا. وهناك معتقدات خُرافية كثيرة عن مصاصي الدماء، إذ يُعتقد أن الناس الذين يموتون إنتحاراً أو بطريقة قاسية أو من أدانتهم الكنيسة يصبحون مصاصي دماء. ويُنسب للأساطير الشعبية أنه يمكن القضاء على مصاص الدماء بخرق قلبه بواسطة وتد خشبي. وقد نبش بعض الناس في أوروبا في نهاية القرن السابع عشر الميلادي وحتى بداية القرن التاسع عشر الميلادي القبور بحثاً عن مصاصي الدماء فيما سجلت عدة ثقافات وحضارات بأنحاء مختلفة من العالم تواجداً بشكل ما لشخصيات مشابهة لمصاصي الدماء ووفقاً لتكهنات المؤرخ الأدبي براين فورست فإن مصاصي الدماء والعفاريت الماصة للدماء هي قديمة قدم الإنسان نفسه وربما تعود لعصور ما قبل التاريخ.

وتظل الحقيقة تائهة والأقرب للتصديق والمنطق أن مصاصي الدماء هم وحوش خيالية تحكى قصصهم على أساس أنهم كانوا بشراً تلقوا عضة من خفاش أو من مصاص دماء وعلي إثرها يتم سحب الدم من رقبة الضحايا حتى تصبح نبضات قلبها ضعيفة أي شبه ميتة وتتحول لمصاص دماء ليلاً. تلك الخرافة هي أساساً رواية للكاتب الأيرلندي برام ستوكر كتبها عام 1897 وهذه الرواية التي كانت الأساس وراء إنتاج أفلام دراكولا لا يوجد منها سوى نسخه واحدة طرحت قبل فترة في مزاد علني. وتظهر هذه النسخة المخطوطة والتي هي بعنوان دراكولا بخط الكاتب الأيرلندي لأول مرة للجمهور حيث لم يتم الكشف عن وجودها إلا خلال عام 1984وتقع فى 430 صفحة ويقدر سعرها بنحو 1.5 مليون دولار،

لم يسبق أن ورد ذكر مصاصي دماء حقيقيين إلا في الأفلام وما ذكره بعض الناس من خرافات ومشاهدات اعتمدت على الوهم. وتجرى في بعض أنحاء العالم إحتفالات سنوية ينظمها بعض المعتوهين ممن يصدقون تلك الخرافة لدرجة أن بعضهم يقوم بخلع أنيابه الحقيقة وتركيب أنياب أخرى أطول تشبه ما تمثله أساطير مصاصي الدماء فيما ارتبطت فكرة إطالة العمر،عن طريق اعتماد الدماء كلقاح بالأساطير القديمة إذ قيل أن أحد العلماء ويدعي إنجيليس دي رايس من القرن الخامس عشر وكان قد عمل على دراسة الكيمياء القديمة أملاً في ايجاد علاج لإطالة حياة الإنسان، واستخدم لهذا الغرض دماء أكثر من ثلاث مائة طفل في تجاربه. وخلال القرنين السادس والسابع عشر، أصبح إسم مصاص الدماء كثير التداول حتى أن مارتن لوثر كينغ تحدث عن الحياة بعد الموت وعن وحش يدعي جورج روهر كذلك ذكر العديد غيره شيئاً من القصص والخرافات ذاتها والتي أثبت العلم والطب في زمن الثورة الصناعية من القرن الماضي عدم صحتها وعدم إمكانية تقبل العقل البشري لجدوي حدوثها.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda