بداية لا بد أن نعرف أن الغيرة إحدى المشاعر الإنسانية التى لا يجب إغفالها أو التعامل معها بكونها ذنباً يستوجب طلب المغفرة، بل علينا أن نراها عاملاً أساسياً لبناء شخصية الطفل بشكل سوي، كما أنها أمر طبيعي بين الأشقاء وزملاء المدرسة أو الأصحاب في النادي، فالغيرة قد تكون عامل بناء وقد تكون عامل هدم ويجب على الوالدين تفهم مشاعر الأبناء والاعتراف بالسلبيات التى توتر العلاقة بينهم والتعامل معها بحكمة لتكون سبباً فى مزيد من النمو والنضج لشخصية الأبناء.
وتبدأ مشاعر الغيرة فى الظهور لدى الطفل الأول الذى يحتل العرش وحده بلا منافس من كل أفراد الأسرة وخاصة الوالدين، إذ يجد نفسه يتنازل عن كل هذا العرش رغماً عنه ليحتل أحضان الأم وليد جديد.. ينظر إليه الأب بكل حنان وإعجاب ويتجاهل الطفل الأول الذى لا يملك أن يكتم مشاعره من الغيظ والضيق من هذا المنافس الجديد فنجده يعانى من قدر كبير من التوتر ويعبر عنه صراحة برفضه وكرهه للمولود الجديد واللجوء أحياناً لحيلة نفسية دفاعية لتقليل حدة التوتر والألم النفسى لديه بأن يرتد لمرحلة مبكرة من طفولته يجذب بها انتباه الوالدين وتدعى «النكوس»، حيث يتبول على فراشه ويطلب الرضاعة واستخدام أدوات المولود أملاً فى نيل الاهتمام والرعاية وهروباً من مواجهة ألم الصدمة وخيبة الأمل بحلول الضيف الجديد.
وكيف نتعامل معه؟
أولاً.. يجب أن نتقبل أحاسيس الغيرة هذه بهدوء وبدون انزعاج وبدون إنكار، حيث إن بعض الأمهات تدعى أنه الحب المبالغ فيه أو عدم الفهم من الطفل وليست الغيرة! والأسوأ من ذلك قد تنتاب الأم مشاعر الذنب إذا ما شاهدها الطفل سوف يعتقد فعلاً أن والديه قد ارتكبا خطأ فى حقه، وهو الأمر الذي قد يزيد من الإحساس بالغيرة والغيظ إزاء المولود الجديد وقد تتحول لكراهية.
قد يعبر الطفل عن غيرته بالكلمات فيجب تشجيعه على التعبير عن أفكاره ونؤكد له أن اهتمامنا به كإنسان كبير يختلف كلياً عن اهتمامنا بهذا الوليد الصغير الذى يحتاج لرعاية خاصة فى الأكل والنوم وتغيير ملابسه .. حيث يجب على الأم أن توضح له وتؤثر عليه بطريقة ما كيف أن المولود الجديد لا يستطيع الجلوس أو الكلام أو الفهم أو اللعب أو التحكم فى عمليات الإخراج، ولا يستطيع الخروج من البيت أو اللعب.. وبالتالى تنمى عنده الإحساس بالفخر لأنه الأكبر سناً والقادر على القيام بكل ذلك وحده، وحين يعقد الطفل الأكبر مقارنة بينه وبين الوليد ويطلب من الوالدين أن يكون هو الأقوى والأحلى منه، يجب أن نوافقه على ذلك ونشرح له كيف أن الحياة أفضل كلما كبرنا واعتمدنا على أنفسنا، يمكن للوالدين أن يوفرا للطفل فرصة لتحمل بعض المسئولية فى رعاية الوليد الجديد بأن يساعدها فى إحضار بعض الملابس له أو تحضير مستلزمات الحمام له، وهكذا يجد نفسه يلعب دور الراعى والأب مع الحرص الشديد أثناء ذلك لعدم تركه بمفرده مع الوليد الصغير لئلا يؤذيه بقصد أو بدون قصد، فغالباً ما يرغب الطفل فى حمل الوليد مما يشكل خطورة عليه.
مع استمرار حب الوالدين واهتمامهما بالطفل الأكبر وعدم إغفال تشجيعه والخروج معه منفرداً يستعيد الشعور بالاطمئنان والراحة، ولا بد من التمهيد لولادة الطفل الجديد قبل ميلاده بشهور للإعلان عن قدوم هذا الضيف بدون حماس زائد أو إظهار أى مشاعر فرحة مبالغ فيها، وينبغى علينا تجنب ألا يشعر الطفل بالذنب نتيجة لمشاعره السلبية تجاه الوليد عن طريق السماح له بالتعبير عنها بالكلمات ثم توجيه هذه الأحاسيس للناحية الإيجابية بالتأكيد على مكانته فى الأسرة وأنه ما زال محبوباً ومتميزاً ونحتاج مساعدته فى أحيان كثيرة.