أمست حملات التوعية العامة التي تقوم بتنفيذها مختلف الهيئات الوزارات كالتوعية ضد المخدرات والضرائب وتنظيم الأسرة والتوعية المرورية وأطفال الشوارع وترشيد استهلاك المياه والكهرباء وأضرار التدخين وغيرها من حملات التوعية ظاهرة اجتماعية متنامية ومطلوبة إذ تمثل خطوة أساسية لرفع مستوى الوعي العام مما يدعم حركة التنمية والتقدم, وبالرغم من أن الإتفاق الباهظ علي مثل تلك الحملات سواء من قبل الدولة أو كيانات المجتمع المدني وشركات القطاع الخاص، إلا أن بعضها يشوبه بعض النقص مما يقلل من فرص نجاحه فهي تهدف في الأساس لرفع الوعي العام وتعزيز مشاركة الجماهير في العملية التنموية التي تديرها وتنفذها الوزارات والإدارات الحكومية والهيئات للتعريف بالإنجازات وتقوية الثقة بين الدولة والجمهور وبين الجهات المسئولة فضلاً عن رفع المستوى الثقافي مما يساهم في تحديث المجتمع وتقبله للأفكار والأنماط السلوكية الحديثة ويدعم تنميته المجتمع، ويظل السؤال هل يستجيب الجمهور لتلك الحملات وهل تحقق مردورد بمكن قياسه وتسفر عن التخلص من الممارسات والسلوكيات السلبية؟ وهل تقضي الحملات المجتمعية والتثقيفية على عادات ضارة متجذرة في المجتمع؟ وهل يستجيب الناس لحملات قد تخالف ما نشأوا عليه من عادات وتقاليد؟
يري الدكتور معز الشهدي عضو ومؤسس والرئيس التنفيذي لبنك الطعام المصري أن لحملات التوعية دوراً كبيراً فى الحد من العادات الضارة وكثير من المشكلات المتأصلة والمستحدثة فحملات التوعية أساسية لتغيير الثقافات السلبية وفرض الإيجابيات بمختلف المجتمعات وهي تعتمد إعتماداً كلياً علي تحديد موقف الجمهور من موضوع الحملة ودرجة تأييدها أو معارضتها ومدي إتفاقه أو إختلافه مع مضمون الحملة يساعد مخططي الحملات الإعلامية في اختيار الوسائل المناسبة والوقت الأمثل للوصول لتلك الجماهير، ولكي تحقق حملات التوعية العامة النجاح المطلوب، لابد من تحديد الجمهور المراد الوصول إليه تحديداً دقيقاً ليس من الناحية الجغرافية فحسب بل من الناحية الإقتصادية والإجتماعية والفكرية والعمرية. ويساعد هذا التحديد في اختيار مضمون الرسالة وقنوات الإتصال المناسبة كما يجب إجراء بحوث ودراسات للحملة قبيل إطلاقها وخلال فترة تنفيذها لتقييم أدائها والتعرف على المشكلات التي تعوق استمرارها ونجاحها وكذلك محاولة القضاء على المشكلات بإيجاد الحلول المناسبة لها فإذا لم يتم تحديد الهدف أو الإستهانة بالأفراد مع عدم وضوح الرسالة فلن تحقق الحملة نجاحاً لذا يظل الأساس وضع خطة واستراتيجية لإدارة الحملة بشكل ناجح وهو ما قمنا به بالفعل في حملة بنك الطعام إذ حددنا بدقة الفئة المستهدفة من الحملة كالفنادق والمطاعم والأفراد ممن يهدرون كميات كبيرة من الطعام ومن مث نجحنا يومياً في إنقاذ من 500 إلي 600 ألف وجبة لتصل للفقراء والمحتاجين وحققت الحملة نتائج مذهلة فيما تم التاكد من النتائج من خلال الدرسات التي تفيد بتحقيقها الأهداف المرجوة وهو الأمر الذي يثبت مجدداً بضرورة تحديد هدف واقعي واحد مبني على إحصائيات حديثة ومعلومات مؤكدة.
ويضيف حليم أبو سيف إستشاري العلاقات العامة بأن حملات التوعية أساسية لتغير سلوكيات المواطنين ولا غني عنها إذ تعد الأساس لتطور الشعوب وتقدمها بيد أنه يري أن حملات التوعية تواجه تحديات كبيرة وصعوبات بالغة يأتي في مقدمتها عدم اهتمام الجمهور برسائلها أو عناده وتمسكه بالسلوك القديم وعدم الرغبة في التغيير بالإضافة لوجود عوامل أخرى تقلل من فرص نجاح مثل تلك الحملات مما يستوجب القيام بتخطيط سليم لمثل هذه الحملات وإتباع الأسس الصحيحة والخطوات العلمية والعملية التي تساعد على نجاحها. وليأتي التخطيط سليماً، لابد أن ييتم بنائه علي أساس دراسة دقيقة للوضع القائم وكيف كان في الماضي وما هي التوقعات المستقبلية المبنية على البحوث والإحصاءات والدراسات مع ضرورة مراعاة كون التخطيط لحملات التوعية العامة يجب أن يخضع لدراسة مستفيضة للخطوات التي يجب اتباعها للتعرف على المشكلة موضوع الدراسة وأسبابها والمتسبب الحقيقي بها كما وجود وسائل الإتصال الحديثة والتكنولوجيا طورت من أداء الحملات إذ أصبح الوصول للجمهور المستهدف أسرع وأكثر فاعلية ودقة. لابد أيضاً من إيجاد طرق للتعاون مع الهيئات والمؤسسسات والحكومات للعمل علي نجاح الحملة وعليه لابد من تكاتف الجهود لإيجاد الحلول المناسبة. وعند توفر الرسائل المناسبة بالأسلوب والإعداد والإخراج الأمثلـ ينبغي التنسيق مع الجهات ذات العلاقة لتحديد الوقت المناسب لبثها ولن يحدث هذا الدعم إلا في حالة اقتناع القيادات العليا بالحكومة بوجود مشكلة كبيرة تستدعي التحرك السريع ولابد ان يتم عمل تقويم مرحلي لا يقتصر على برنامج بعينه وانما تمتد إلى الخطة بأكملها فمن الضروري تقويم مراحل الخطة بصفة دورية للتعرف على النتائج التي تحققت وما بذل فيها من جهد ومال وكذلك متابعة ما لم يتحقق من أهداف وتحديد معوقات تنفيذه أو أسباب إغفاله ومن الضروري إجراء تقويم شامل للحملة فور انتهائها علي أن يستند هذا التقويم على ما حققته الحملة من أهدافها وليس على ما تحقق لها من شرعية أو مشاركة أو اختراق وهي معايير كثيراً ما ضللت القائمين على حملات التوعية العامة عندما يتم استخدامها كمعايير للتقويم، كثيراً ما نسمع عن حملات توعية عامة قامت وتقوم بتنفيذها بعض الجهات الحكومية على اختلاف أهدافها وغالباً ما يعتقد القائمون على تلك الحملات نجاح حملاتهم نتيجة للتغطية الإعلامية من خلال وسائل الإعلام المختلفة وهو ليس الأسلوب الأمثل لتحديد نجاح حملات التوعية العامة وإنما يجب أن تخضع تلك الحملات لدراسة مستفيضة من خلال البحوث والدراسات التقويمية قبل وأثناء وبعد نهايتها لقياس مدي نجاحها.
أما الدكتورة إيمان الغمراوى نائب رئيس شركة إيجى مار للرخام ومدير العلاقات العامة بشركة لافيستا إيفنت ورئيس لجنة محو الأمية بروتاري مصر فتؤكد علي أهمية حملات التوعية بصفة عامة سواء المباشرة أو غير المباشرة والفائدة القصوي التي تعود علي المجتمع من نقل المعلومة التوعوية بصورة علمية فإقامة ندوات كالتحذير والوقاية من فيروس سي أو المخدرات مثلاً قد تفيد فئة معينة من الناس ولكن التوعية تصل أسرع وتحقق الهدف لو كان أسلوبها سهل وشيق ولغتها بسيطة ويزداد تأثيرها لو ارتبطت بالفن مثلاً كأن يتبناها فنان محبوب لديه قاعدة جماهيرية عريضة بالإضافة لأهمية حملات التوعية غير المباشرة متي تم إستخدامها بطريقة صحيحة كإضافتها على سبيل المثال لدروس الأطفال بإستخدام شخصية افتراضية كارتونية محبوبة وما شابه ذلك ومن خلالها يتم دمج المعلومة التوعوية المراد إيصالها لتحقيق الهدف.
أن حملات التوعية شديدة الأهمية لكونها جزء من رسالة المجتمع المدني ككل كما أن لها هدفاً أساسياً إذ تعد إحدي وسائل التغيير الإستراتيجية الفاعلة بالمجتمع فلا يمكن أن تكتمل أية خطة تنموية تضعها دولة أو مؤسسة ما لم تكن حملات التوعية جزءاً أساسياً من تلك الخطة وأداة فاعلة من أدواتها بفضل قدرتها المتزايدة بإستمرار على الدخول في مختلف المجالات وشتى الميادين والاضطراد المتواصل في تزايد وسائلها وتنوع أدواتها وتطور آلياتها الإستراتيجية والتنفيذية بالإضافة إلي المساهمة اللافتة التي تلقاها من قبل الجمهور الذي يعد الضلع الأساسي وربما الأكبر في تنفيذها كشريك رئيسي بها وليس مجرد عاملاً ثانوياً.