أحد أشهر الآثار بالإسكندرية والبعض يعدها من عجائب الدنيا السبع.. ظلت لعقود طويلة صامدة شاهدة على أجيال غابت وحقب تاريخية توالت.. واليوم اختفت المنارة تاركة خلفها العديد من الأساطير والقصص وسطور من صفحات انطوت بذكريات شعوب وحضارات عاشت بيننا وتركت بصماتها على جدرانها..
أصل البناء
بالغ الجميع فى وصفها حتى أمست أثراً أسطوريا، أكثر المصريين يعتقدون أن مشيدها هو «الإسكندر المقدوني» ومنهم من يعتقد أن بناءها يعود لعصر الملكة «دلوكة» حيث شيدتها خصيصاً لمراقبة أعدائها.
وهناك رأى آخر يقول إن الذي بنى مدينة «روما» هو الذي بنى الإسكندرية ومنارتها والأهرام بمصر، لكن نسبت الإسكندرية إلى (الإسكندر) لاستيلائه على كثير من ممالك العالم.
وقد جاء الكثير في وصفها .. منه أنها بنيت على كرسي من زجاج على هيئة السرطان في جوف البحر وعلى طرف اللسان الذي هو في داخل البحر ووضع على أعلاها تماثيل من النحاس، ومنها تمثال يشير بيده إلى البحر إذا صار العدو على مقربة ليلة واحدة من مدينة الإسكندرية، أما إذا اقترب العدو، وأصبح من الممكن رؤيته بالعين فإن هذا التمثال يصرخ بصوت هائل يمكن سماعه من على بعد ثلاثة أميال فيعلم أهل المدينة أن العدو قد اقترب منهم فيخرجون للحرب.. وتمثال آخر بمثل هذه الغرابة كلما مضى من النهار أو الليل ساعة فإنه يصدر صوتاً واضحاً مختلفاً عن صوت الساعة السابقة وصوته جميل وبه طرب!!
ومن الحوادث التي تذكر عن محاولات الروم التخلص من هذه المنارة التي تهدد دخولهم مصر واستيلاءهم عليها، تلك القصة التي تدور عن أحد ملوك الروم حين أرسل أحد أتباعه إلى «الوليد بن عبدالملك بن مروان»، وجاء هذا التابع واستأمن «الوليد» وأخبره أن ملك الروم يريد قتله، ثم إنه يريد الإسلام على يد «الوليد».. اقتنع «الوليد» وقربه من مجلسه وسمع نصائحه خاصة أن هذا الرجل قام باستخراج كنوز عديدة من بلاد دمشق والشام وغيرها بكتب كانت معه فيها وصفات لاستخراج تلك الكنوز.. وقتها زاد طمع «الوليد» وشراهته حتى قال له الخادم يا أمير المؤمنين إن هاهنا أموالا وجواهر وكنوز مدفونة للملوك مخبأة تحت منارة الإسكندرية وقد قام بدفنها الإسكندر بعد استيلائه عليها وبنى لها نفقا تحت الأرض به قناطر وسراديب وبنى فوق ذلك كله المنارة. وكان طول المنارة وقتها ألف ذراع والمرآة الكبيرة في أعلاه، فما كان من الوليد إلا أن أرسل جيشاً من جنوده وأتباعه ومعهم هذا «الخادم» وهدموا نصف المنارة من أعلاها وأزيلت المرآة.. فهاج الناس وعلموا أنها مكيدة من الروم.. وبعد أن نفذ «الخادم» خطته هرب في البحر ليلاً عن طريق مركب أعده لذلك من قبل.
أما عن المرآة التي كانت في أعلى المنارة، فيذكر أن سبب وجودها أن ملوك الروم بعد الإسكندر كانت تحارب ملوك مصر والإسكندرية فجعل من كان بالاسكندرية من الملوك تلك المرآة والتي يمكن من خلالها أن ترى أي شئ في البحر ومن يجلس تحت المنارة وينظر في المرآة، يمكنه أن يرى ساكنى القسطنطينية.
لم تكن المنارة بناء بسيط التركيب أو التصميم، بل يمكن إعتبارها متاهة حقيقية، فكان من يدخلها يضل فيها ما لم يكن شديد الإلمام بالدخول والخروج لكثرة بيوتها وطبقاتها ومرآتها، وقد ذكر أن المغاربة حين جاءوا في خلافة «المقتدر» في جيش كبير، ودخل جماعة منهم على خيولهم إلى «المنارة»، تاهوا فيها وتاه عدد كبير منهم.
ثم بدأت الكوارث تحل بهذا البناء الأسطورة حين سقط رأس المنارة إثر زلزال قوي اجتاح السواحل كلها عام 777هـ.
وكان في المنارة أكثر من ثلاثمائة بيت بعضها فوق بعض وكانت الدابة تصعد بحملها إلى سائر البيوت من داخل المنارة، ولهذه البيوت طاقات تشرف على البحر، وكان على الجانب الشرقي من المنارة كتابة تم تعريبها فإذا هي تقول (بنيت هذه المنارة منذ عهد مرينوس اليونانية كمرصد للكواكب).
تضاربت الأقوال
وهناك من يرجع فكرة بناء تلك «المنارة» إلى ما قبل الإسكندر الأكبر واليونانيين فيقال إن أبناء «مصرايم بن حام بن نوح» هم الذين بنوا مدناً عديدة منها رقودة (التي هي مكان الإسكندرية الآن) وجعلوا في وسطها قبة على أساطين من النحاس المذهب وصنعوا القبة من الذهب الخالص ونصبوا فوقها منارة عليها مرآة عجيبة قطرها خمسة أشبار وكان ارتفاع القبة 100 ذراع فكانوا إذا قصدهم عدو من الأمم التي حولهم فإنهم يقومون بتوجيه المرآة ناحيته فتلقي عليه أشعة الشمس فتحرقه في الحال، ثلاثة أشكال فأكثر من الثلث مربع الشكل وكان أحمد بن طولون قد رمم شيئاً من المنارة وجعل في أعلاه قبة خشبية ليصعد إليها من داخلها.
وكان في «المنارة» وقود النار الذى يشتعل طوال الليل فيقصد ركاب السفن تلك النار على بعد، فإذا رأى أهل المنار ما يريبهم أشعلوا النار من جهة المدينة ليراها الحراس فيضربوا الأبواق والأجراس فيتحرك الناس وقتها لمحاربة العدو.
ويقال إن «المنارة» كانت بعيدة -في توقيت بنائها- عن البحر فلما كان في أيام قسطنطين هاج البحر وأغرق مواقع كثيرة وكنائس عديدة بمدينة الإسكندرية ولم يزل يغلب عليها بعد ذلك ويأخذ منها شيئاً فشيئاً حتى اختفت تماماً وتوارت عن الأنظار.
ولم يعد «للمنارة» أي وجود الآن.. ولا يتذكرها أحد إلا باعتبارها أحد أهم عجائب الدنيا وربما تكون بقاياها غارقة في البحر.