الإسكندرية الساحرة الخالدة ليست بحراً ونسيماً عليلاً فقط ولكن أيضاً قيمة بكل ما تحتويه من حضارة وكنوز، وجزء كبير من كنوز هذه المدينة الغراء يتجمع في حي من أشهر أحيائها وهو«العطارين» الواقع في وسط المدينة المكون من شارع رئيسي وعدة حارات تنتشر بها تجارة الأنتيكات بكل أشكالها فهنا كل ما هو قديم يصبح له قيمة وتتراوح هذه القيمة حسب القدم, فكلما كان أقدم كان أقيم وأثمن. ولا يمكن للزائر أن يمر بالإسكندرية دون أن يطلع علي التاريخ الذي يتجمع هنا في صورة أثاث وتحف وكتب موزعة في عدة حوانيت في شوارع المنطقة التي تتميز بطابع شعبي.
وإذا كان الزائر في أية منطقة في الإسكندرية يستطيع الوصول بسهولة إلي العطارين عن طريق الاستعانة بسيارة أجرة، المهم ألا يربط نفسه بميعاد محدد للزيارة لأنه بعد عدة خطوات داخل هذه السوق لن يشعر بمرور الوقت.
وتبدو المتاجر لأول وهلة متواضعة وصغيرة لكن ما إن نخطوا بداخلها حتي نستشعر الثراء والانبهار: موبيليا علي الطراز الفرنسي، الإنجليزي، الإيطالي أو التركي، ساعات سويسري أو ألماني لا تزال تدق عقاربها، كتب مغلفة بالأتربة تقبع علي الأرفف وغيرها من الأشياء التي لا يقل عمرها عن خمسين عاماً.
وهنا سوف يجد الزائر حتماً شيئاً يقتنيه وبكل الأسعار, فإذا أراد «الرفايع» مثل علب السجائر أو كاميرا قديمة أو تابلوه أو فازة وغيرها من هذه الأشياء فهي موجودة بوفرة في معظم المحلات وأسعارها تبدأ من عشرين أو ثلاثين جنيهاً لتصل إلي آلاف الجنيهات. كلها من مخلفات
الحروب ومنازل الملوك والأمراء أو البشوات،أما قطع الموبيليا فترتفع أسعارها حسب قيمتها وعمرها, ولايزال الطراز الفرنسي هو المتربع علي العرش, فيصل سعر حجرة سفرة موقعة من «نابليون» إلي ملايين الجنيهات وهذه النوعية من الموبيليا والأشياء ذات القيمة المرتفعة كالسيف أو الجالية تتركز علي الأخص في معظم محلات شارع الليثي في المنطقة، وإذا كانت الطرز الأوروبية قد ظلت دائماً هي الأثمن والمطلب الأول للمترددين علي المكان فقد دخل اليوم الطراز التركي والعربي في المنافسة أيضاً، فعند محلات«حبشي» نجد جميع المعروضات من شغل الأرابيسك والصدف.
مع الوقت أصبح التجار في هذه السوق من المهارة لدرجة أنهم أتقنوا أيضاً الترميم والإصلاح، فبنقرة واحدة علي أي قطعة خشبية يستطيع أحدهم معرفة ما إذا كانت بحالة جيدة أم لا وإصلاحها علي الفور إذا لزم الأمر.
والسوق مقسمة إلي شارع العطارين الرئيسي وعدة حواري حسب نوع المعروضات: نجف, إكسسوار, موبيليا, أو حتي أبواب وشبابيك قديمة حيث قبلة كل من تشتاق نفسه إلي اقتناء جزء من التاريخ وهي متعة لا يعرفها سوي من زار المنطقة وشاهد بنفسه, فزيارة الإسكندرية لن تكتمل إلا بالمرور علي هذا الحي العتيق.