صعيدي عاشق لمصر.. جراح عيون متمرس في مهنته وعاشق أيضاً لها.. أديب رحلات مستتر تقرأ أسفاره في ريشته وألوانه.. وأخيراً، هو العاشق المحب والزوج الوفي والأب الحنون.. توليفة إنسانية نادرة تتأملها فتقع أسير بساطتها وتلقائيتها ورونقها وسحرها الأخاذ.. إنه الفنان الطبيب د. فريد فاضل، معه كانت تلك السطور المفعمة بالألوان والصور والأحاسيس وأمل لا ينتهي وإبداع لا يهدأ..
أنت من مواليد مدينة أسيوط، فكيف أثرت تلك البيئة على فنك وشخصيتك؟
أعتز كثيراً بانتمائي لصعيد مصر وإن لم أعش به. الصعيد يشكل لي عشقاً خاصاً وحالة إبداعية مستمرة، فهو قطعة غنية بروح مصر وآثارها. أعشق الترحال إليها في رحلات لا هدف منها سوى التقاط ما لا يمكن رؤيته للعين المجردة أو المتجول العادي بين الطرقات ولا تخفي علي العين العاشقة للجما ل الخفي والأسرار الدفينة فعيني المحبة تستلهم صور الجمال خلال هذه الرحلات التي ألتقي فيها بنماذج مصرية لا تتكرر، أستوحي منها وجوه وصور لوحاتي،
التقيت يوماً بشاب مصري من أهل الصعيد كان يبيع التين بالقاهرة، والتقيت به في بلدته بسوهاج في واحدة من رحلاتي واستضافني في منزله وقمت هناك بجولات ممتعة حول مدينة أخميم ورأيت تمثال «ميريت آمون» والتي تسمى هناك باسم «العروس» ويتميز بتفاصيل جمالية كثيرة، بالإضافة للعديد من الأماكن البعيدة عن خطوط حركة السائح العادي لأشاهد ما لا يمكن رؤيته في أي جولة سياحية عادية. وللحق، الصعيد غني وشديد الثراء بالعديد من التفاصيل التي قد لا نجدها في أي مكان آخر في مصر.
برعت في رسم البورتريه.. بمن تأثرت من بين فناني العالم بوجه عام؟
في الواقع، تأثرت بكثيرين ولعل من أهمهم الفنان الإيطالي الأشهر «ليوناردو دافنشي» وقد تأثرت به بشكل خاص إذ جمع ما بين العلوم والفنون في آن واحد، فأنا بصفتي طبيب عيون بالأساس، قد استفدت من علم التشريح ووظائف الأعضاء للتعرف على تركيب جسم الإنسان بشكل سليم ومعايير التوافق والتناسب بين أجزائه. تأثرت كذلك بالفنان الأمريكي«سارجنت» والذي أتقن فن البورتريه بشكل كبير وتميز بضربات فرشاته المحكمة والمتمكنة، هناك أيضاً رائد الانطباعية الفرنسي «رينوار» والذي أحببت أعماله جداً وقمت برسم بعضها، وقد تميزت رسوماته وخاصةً رسومات الأطفال بالرقة والجاذبية، عشقت ضرباته الهشة للفرشاة على اللوحة. وأيضاً الفنان الإسباني «فيلاسكيس» والذي برع في استلهام روح الشخصية في بورتريهاته المتعددة، وهو ما أحاول فعله دوماً وأتمني دائماً تحقيقه بنجاح.
المنزل المستقر وعلاقتك بزوجتك د. منى زكي، ماذا يمثلون بالنسبة لك؟
بيتي هو ملاذي، وعلاقتي بزوجتي هي قمة نجاحاتي، فقد تعرفنا قبل الزواج بفترة حيث أعجبت بفني ورسوماتي، كما كنت أقدر عملها وجهودها في خدمة المجتمع خلال فترة دراستها بالجامعة الأمريكية، ومنذ تعارفنا، تميزت علاقتنا بكثير من الإعجاب والاحترام المتبادل والتفاهم والاستقرار والتقارب الروحي والعقلي، حيث يمكننا التناقش في أي قضية في الوجود أياً كان الموضوع ونصل دوماً إلي حلول وسطي في كافة متعلقات الحياة. تتميز زوجتي بتعدد الاهتمامات والخبرات فهي تكتب كثيراً وتقرأ للكثيرين بالإضافة لحب السفر والترحال وهو ما خلق منها شخصية مميزة للغاية تتكامل معي بشكل رائع وكبير، ونشجع بعضنا البعض دوماً، وأنا تعبيراً عن حبي وتقديري الشديد لها قمت بتوثيق علاقة المحبة تلك من خلال رسوماتي حيث تعددت البورتريهات التي قمت برسمها لها لتصل لثمانية تابلوهات موزعين في عدة أماكن.
في معرضك الأخير (بحري) يبدو التأثر واضحاً بالبيئة الساحلية، فهل تهتم كثيراً بزيارة كل مكان ترسمه، أم تعتمد على قوة الخيال؟
في رأيي أنه لابد للفنان من التعرف الجيد على ما يرسمه، فلا بديل عن زيارة المكان حيث يحدث التفاعل المطلوب لخلق لوحة جميلة، فمثلاً عندما كنت أنفذ لوحات معرضي «صحراء ..واحة، ووادي» عام 2006 قمت بعمل زيارات لكل الواحات المعروفة في بر مصر كواحات الداخلة والخارجة وواحة سيوة الرائعة، وكانت رحلة في عمق الصحراء الجرداء ليس لها مثيل، حيث تنتقل العين فجأة من محيط لا نهائي من الرمال الساكنة لبقعة خضراء تحوي ألف نخلة وكأنه حلم. هذا يولد نوعاً من الاحتكاك بالمكان وبالتالي استحضاره بشكل مناسب عند رسم المشهد المطلوب، ولذلك أسافر وحدي دائماً لخلق هذا النوع من الأحاسيس.
لديك العديد من الهوايات كالكتابة والعزف، ألم تفكر يوماً فى استغلالها؟
لقد كان هاجسي ومازال هو المزج بين الرسم والكتابة، حيث أصدرت كتاباً بعنوان «الأمثال والأقوال» أتحدث فيه عن عدد من الأقوال المأثورة من خلال لوحاتي، وقد لا قى نجاحاً كبيراً، هذا بالإضافة لكتاب بعنوان «موناليزا» وهو عرض لأحد معارض دافنشي، وفيه يبرز إعجابي الشديد به، بالإضافة لمشروع مؤجل في أدب الرحلات أتحدث فيه عن رحلاتي داخل وخارج مصر للبحث عن فكرة أو لوحة جديدة.
معرضك الذي حمل عنوان «ترانيم المساء» فيه لمحة دينية لا تغفلها عين، فما الدافع وراءها؟
أردت من خلال لوحات هذا المعرض أن أتحدث عن مفهوم السعادة المستتر والذي قد لانجده سوى لدى البسطاء الذين يتوجهون لله دوماً بالابتهال والشكر، فالسعادة ليست في الغنى والمال، فهناك من امتلك المال ولم يشعر بالسعادة لبعده عن الله. الكثير من الأمور الجميلة في حياتنا والتي تستحق الشكر هي أمور «مجانية» لا نوليها قدرها كالصحة والحب، لذا أردت تصوير وجوهاً ضارعة مبتهلة تؤدي لله حق شكره على كل نعمه، اعترافاً مني بالسعادة الخفية التي لا نعلم قيمتها.
ارتباطك بمصر يبدو واضحاً في العديد من معارضك ولوحاتك، فما السر وراء الإبداعات المتوالية في حب مصر؟
من خلال لوحاتي عن مصر والمصريين من أبناء بلدي أحاول وصف مصر بعيداً عن الواقعية المصمتة، وذلك ليس بهدف التوثيق التاريخي فحسب، بل بهدف استلهام عبقرية المكان التي قد لا نراها سوى في أماكن مثل مصر ففي معارضي «روح مصر» عام 2004 ومعرضي «الصعيد من جديد» و«بحري»، أحاول وصف مصر من خلال رؤية جمالية بحتة تبتعد عن كل ما اعتقده أو فكر فيه المصريون من قبل وبعيداً كذلك عن نمط الواقعية الذي اتخذه الفنانون الغربيون والمستشرقين في الماضي، فمن رسم المشاهد المصرية منهم وقع في فخ النمطية والرغبة في التوثيق والتسجيل الجامد رغبةً منه في الحفاظ على تلك الحضارة في عيون الآخرين، مما خلق نوع من الجمود أو الاصطناع، والنمطية مثل الفنان الأمريكي «بريدجمان» والذي صور أعياد المصريين القدماء بدفة جامدة. أحاول من خلال لوحاتي إضفاء نوع من الحميمية على مشاهد الآثار والتراث لدينا من خلال تداخل صور من ماضينا العظيم وآثارنا الخالدة مع لمسات من خيالي. الأمر الآخر الذي أحاول إبرازه من خلال لوحاتي هو سمو الرموز المصرية القديمة باعتبارها مفاهيم سامية أكدتها تلك الحضارة، وليست مجرد آلهة وثنية كما يحلو لكثيرين القول.
ما أحدث إبداعاتك على نفس الوتر؟
أستعد لمعرض بعنوان Egypyophelia …Egyptomania وهو اسم يحمل من الناحية اللغوية معنى الولع والعشق لمصر، وسيكون بعيداً عن النمطية.