في مدينة يحتضنها المحيط الأطلسي شمال فرنسا تدعى مدينة «نانت» ولد طفل صغير، كان مولعاً بالبحر وسفنه وبحارته يعشق الجغرافيا يقضي نهاره في القوارب الشراعية يتتبع أخبار الرحالة والمكتشفين، يصعد على متن السفن يكتشفها ويمسك بمقودها، ويحلم برؤية العالم أجمع، إنه الكاتب والأديب الفرنسي، والذي يعتبر من رواد أدب الخيال العلمي.. الروائي الفرنسي جول فيرن.
نشأته وبداياته
ولد (فيرن) في فرنسا عام 1828، وكان أبوه مالك سفن برجوزاي من ضمن سكان النخبة البرجوازية لهذه المدينة الجميلة، كان له ثلاث شقيقات وأخ واحد سافر يوماً إلى الهند في صباه ليحضر زفاف قريبته هناك فطال سفره وحينما رجع طلب منه والده أن يتوقف عن السفر نهائياً، وأن ينهي دراسته أولاً وهذا ماكان حيث تخرج فى كلية الحقوق في باريس.
الحلم يبدأ في التحقق
رفض «جول فيرن» أن يضع روب المحاماة على جسمه، وأخذ يحلم ويحلم، وازداد اهتمامه بعشق الجغرافيا، وأخذ يقرأ عن الاختراعات الحديثة التي كانت الثورة الصناعية تزيد من اهتمام الناس بها في هذا الزمن، لذلك انخرط في الجمعية الجغرافية بباريس سنة 1865، ولكنه سرعان ما انصرف إلى الكتابة والتأليف وكانت أغلب موضوعاته حول المخترعات العلمية التي ظهرت خلال القرن التاسع عشر بالإضافة إلى المخترعات الخيالية التي كان يتنبأ بها، وألف كتابين في الجغرافية الأول بعنوان «التاريخ العام للرحلات العظمى وللرحالة العظام» في ثلاثة مجلدات، والثاني بعنوان «الجغرافية المصورة لفرنسا».
مغامرات.. مغامرات
عبر «فيرن» المحيط على متن باخرة بريطانية من ليفربول إلى نيويورك ثم قام برحلة إلى شلالات نياجرا، ولكنه انتهى إلى كتابة روايات الخيال العلمي فكتب أول كتبه بعنوان «خمسة أسابيع في بالون» سنة 1863 ضمنها كل معلوماته عن القارة الأفريقية والرحلات الاستكشافية، فهي تصف رحلة في بالون تقطع القارة الأفريقية من الشرق إلى الغرب من زنجبار حتى تنتهي إلى سواحل المحيط الأطلسى، ثم كتب رواية «ثلاثة إنجليز وثلاثة روس» ثم توالت رواياته أشهرها «حول العالم في ثمانين يوماً»، معظم رواياته جادة هازلة واقعية وخيالية علمية وأسطورية.
رائد لن يتكرر
يعتبر (فيرن) من أوائل الذين جمعوا بين (العلم – المغامرات) في إطار جذاب وغريب وظهر ذلك جلياً في جميع رواياته، وقد حققت روايته (عشرون ألف فرسخ تحت الماء) نجاحاً باهراً في عام 1870 لتدلل على هذا الأمر، ورغم ظهور العديد من كتاب أدب الخيال العلمي بعد تجربة (فيرن) الناجحة ولكن (فيرن) مازال محط إعجاب هذا النوع من الكتب في جميع أنحاء العالم وقد ترجمت روايته إلى جميع لغات العالم الحية كما تحولت بعد خمسين عاماً إلى عين لا تنضب من الأفكار للأفلام السينمائية، تنبأ كذلك بالغواصات والنفاثات والصواريخ وكبسولة الفضاء والصعود إلى القمر(رحلة إلى سطح القمر).. تنبأ بما سيحدث في المستقبل من أحداث واختراعات.. منذ مائة وثلاثين عاماً كتب عن رحلة إلى مركز الأرض سحرت العقول وأخذت بألباب كل من يقرأها حتى الآن.
أديب لم يأخذ حقه
في آخر لقاء في حياته قال «أكبر حسرة في حياتي أني لم أحتل مكانتي التي استحقها في الأدب الفرنسي».. تناقض يثير العجب، كان مشهوراً في فرنسا وفي البلاد الأخرى ولكنه كان لايصنف من ضمن أدباء فرنسا اللامعين مثل فولتر وروسو وهيجو أو بروست، فهو مشهور بالأدب الصغير أو ما كان يعرف على أنه «أدب أطفال»، وعندما رشح نفسه بالأكاديمية الفرنسية رفضوه لأنهم قالوا إن هذا انتقاص للأكاديمية أن تنزل إلى مستوى أدب الأطفال، كان أشهر كاتب في زمانه ولكنه محتقر من قبل المؤسسات الرسمية للأدب الفرنسي، وهذا من عجيب التناقضات!! فقد تجاوزت أعماله المائة بين رواية وقصة وكتابة شعر.
مئوية جول فيرن
في سنة 2005 احتفلت فرنسا والعالم بمئوية جول فيرن، وأقيمت الاحتفالات في المدن كباريس ومدينة نانت تكريماً لهذا الرجل.. مهرجانات، وموسيقى وجاز ،ورقص شاركت فيه فرق من كل البلاد وخصوصاً من تلك البلدان التي زارها وكتب عنها في رواياته، وأقامت مدينة نانت مهرجاناً صرفت علية ببذخ صارخ وقامت بصنع شخصيات رواياته، وصنعت كبسولة الفضاء العملاقة التي تخيل انطلاقها إلى القمر وكانت من الضخامة بمكان بحيث ترى نفسك كالنملة حين يحضر الفيل العملاق، وجعلوا الفيل من بلاد الهند بحجم عملاق كالديناصور بل أكبر وعلى ظهره هودج المهراجا وراقصاته ومغنيه وموسيقاه وطافوا حتى المساء في جميع أرجاء المدينة لقد تحول إلى أسطورة بعد وفاته…حقاً، إن مطربة الحي لا تطرب!!
حياته الشخصية
عاش «جول فيرن» وسط عائلته ورزق بولد وكان ابنه هو من جمع أعماله الأخيرة ونشرها، أصيب في أواخر حياته بالمياه الزرقاء على عينيه، فجعلت بصره بالكاد يرى أشعة الشمس ولكن مخيلته بقت حادة مضيئة كالشمس ذاتها توفى عن عمر يناهز السابعة والسبعين بمرض السكري سنة 1905
صدر الكثير من الكتب عن حياته وآخرها كتاب بعنوان «تناقضات أسطورة» للمؤلف المخرج لوسيان بويا.