رحلة سريعة على الورق وبين السطور تنقلنا حول العالم في لحظات لنتنسم فضائل الشهر الكريم ومظاهره حول العالم ، من أقصاه إلى أقصاه من بلادنا العربية في تونس، إلى بلدان لا ترى الشمس في أبعد أرجاء أوروبا، فيا للعجب أن تتجمع القلوب والأفئدة لتسبح وتصوم من أجل إله واحد..
يتم حساب رمضان فلكياًً لذا قد تختلف مواعيد بدء الشهور الهجرية في تركيا عنها في البلاد الأخرى، ويمثل الشهر الكريم مناسبةً لإعلان الأتراك عن هويتهم الإسلامية وإظهارها للحفاظ عليها من الهجمات العلمانية.
ومن أهم المظاهر الاحتفالية إنارة مآذن المساجد من المغرب وحتى الفجر، وهو ما يسميه الأتراك «المحيا»، ويوجد في تركيا أكثر من 77 ألف جامع أشهرها مسجد «السلطان أحمد» الأمر الذي يعني أن تركيا تظل مضاءةً طوال ليالي رمضان. يسعى الرجال والنساء والأطفال للمساجد لصلاة التراويح، وبعدها، يقوم الكبار بتوزيع الحلوى على الصغار لترغيبهم في الحضور كل يوم، أيضًا نرى الإقبال على الحلويات التي تشتهر بها تركيا والمشروبات المختلفة كالتمر الهندي والكركديه المصري مما يوضح تواصل المجتمع التركي مع المجتمعات الإسلامية الأخرى.
من المعروف أن الدين الإسلامي دخل النرويج عن طريق المهاجرين المسلمين الذين تركوا بلادهم الأصلية واستقروا في الأراضي النرويجية، وقد سعى هؤلاء المهاجرون لترسيخ دعائم الإسلام في البلاد بإفتتاح المطاعم والمحال التجارية الخاصة بهم. ولا يواجه المسلمون هناك صعوباتٍ في المعيشة لأن قوانين البلاد تكفل حرية العبادة بدون الإخلال بحقوق الآخرين، فعلى سبيل المثال يتم تقنين مستوى صوت الآذان الخارج من مكبرات صوت المساجد بحيث لا يتجاوز صوت الكلام العادي. ويأتي شهر رمضان هناك ويواجه المسلمون مشكلةٍ تحديد بدايته لصعوبة الطقس وانتشار الضباب وتساقط الجليد طوال العام، فيتم اللجوء لموعد بدء الشهر في أي بلد آخر. بعدها، يتم تعميم الموعد على جميع المساجد بالنرويج، وبذلك نجد أن المسلمين هناك يصومون معًا، الأمر الذي لا يتوفر في أي بلد غربي آخر تقريبًا، يواجه المسلمون مشكلةً أخرى خلال الصيف، وهي طول فترة النهار بحيث تمتد ساعات الصوم لأكثر من عشرين ساعة بفعل الموقع الجغرافي للنرويج، وهناك يستقدمون الأئمة من الدول الإسلامية، وبخاصة مصر. أما العمل، فيتم تنظيمه بحيث يعمل المسلم أقلَّ من المعتاد على أن يعوِّضه بعد انتهاء الشهر الأمر الذي يرفضه بعض المتعنتين ضد الإسلام. تنتشر أيضاً الخدمات الخيرية وتنظم المساجد موائد الرحمن لتنمية المشاعر الدينية في نفوس المسلمين الذين يحاولون نقل عادات مجتمعاتهم العربية فنجد مثلاً انتشار الأكلات المصرية بين المسلمين المصريين كما تحرص المتاجر التي يمتلكها مسلمون على تقديم احتياجات الصائمين من المواد الغذائية.
يمثل شهر رمضان في تونس مناسبة للتكافل الاجتماعي وإحياء التراث الإسلامي للمجتمع التونسي من انتشار «موائد الرحمن» في كافة أنحاء البلاد وصور التضامن الاجتماعي المختلفة ومنها تقديم المساعدات للأسر الفقيرة وتنظيم قوافل تضامنية تقدم الهدايا والمال للمحتاجين. نجد أيضًا الرئيس «زين العابدين بن علي» يحتفل بليلة نصف الشهر في «قصر قرطاج»،وتهتم الدولة بالمسلمين المقيمين في خارج البلاد فتبعث بالأئمة لإحياء الليالي الرمضانية ووصل المغتربين التونسيين بالمجتمع التونسي كما تحرص على إرسال الأئمة في مساجد الدول القريبة كإيطاليا وفرنسا. وعلى المستوى الشعبي نجد الإقبال على المساجد للصلاة ودروس الدين التي تزيد جرعتها خلال رمضان. كما تنظم الجمعيات الخيرية الأنشطة الثقافية والدينية ومسابقات تحفيظ القرآن الكريم التي تقام لكل المراحل العمرية.
في هولندا، يبذل المسلمون قصارى جهدهم في ضوء الإمكانيات المتاحة لهم كأقلية ليمر شهر رمضان الكريم بأفضل النتائج الروحانية. يستعيض مسلمو هولندا عن دور الحكومات بالمنظمات الإسلامية غير الحكومية والشركات التجارية الخاصة وترتبط في أكثر الأحيان بحالة كل بلدة على حدة، وفي حين تخلو شوارع كبري المدن الهولندية من أي مظاهر خارجية توحي باستثنائية الشهر الكريم، فإن مقرات المساجد والجمعيات الإسلامية والمقاهي وسائر الأماكن العامة التي يتجمع فيها أبناء الأقلية المسلمة تعكس بوضوح أهمية الشهر لدى المسلمين على اختلاف أعمارهم وقومياتهم وانتماءاتهم. كما تشهد مساجد هولندا التي يزيد عددها عن الثلاثمائة إقبالاً شديداً وتضيق بالوافدين وخاصة ابان صلاة العشاء والتراويح اذ تحول ساعات العمل الرسمية في هولندا دون تمكن المسلمين من أداء صلوات النهار خاصة الظهر والعصر في المساجد. ويقدر القائمون على مسجد «النصر» في مدينة روتردام –أكبر مساجد هولندا- عدد المصلين في صلاة العشاء والتراويح ما بين أربعة وخمسة آلاف مصل. كما يشهد المسجد موائد الإفطار الجماعية التي تقام بتمويل من المحسنين للفقراء من أبناء الأقلية المسلمة بالإضافة لحلقات الدروس اليومية التي يقوم عليها دعاة محليون ودعاة ضيوف يستقدمون من البلاد الإسلامية للوعظ والدعوة، وقد أصبح الالتفات حول برامج رمضان في القنوات التلفزيونية الفضائية التي تبث من الدول العربية والإسلامية في السنوات الأخيرة، جزءًا من تقاليد المسلمين ويبدأ الأمر بمتابعة صلاة التراويح مباشرة من مكة المكرمة، ويتواصل بمشاهدة المسلسلات والبرامج والأعمال الدرامية والترفيهية.
في البرازيل، يعد شهر رمضان من المناسبات عظيمة القيمة لدى المسلمين الذين ينتظرونه لتجديد انتمائهم الديني، تعلن الغالبية قدوم الشهر وفق تقويم مكة المكرمة، والبعض الآخر يختار بلدًا آخر فيصوم على إعلانها، تختلف عاداتُ المسلمين في الشهر الكريم عنها في باقي أيام السنة، فالسيدات المسلمات يرتدين الحجاب حتى ولو كنَّ لا يرتدينه خارج الشهر ومنهن من تستمر في ارتدائه بعد انتهاء الشهر تأثرًا بالدفعة الروحانية التي حصلت عليها. ومن عادات المسلمين قبل الإفطار أن يكثر الزحام أمام محلات الحلويات اللبنانية والسورية القريبة من المسجد أو التابعة له، ويغلب الطابع الشامي على موائد الإفطار في اذ تعد أغلبية المهاجرين من السوريين واللبنانيين. هناك ميزة في الإفطار في البرازيل اذ تعتبر برامج الإفطار الجماعية والأسرية أهم ما يُميز السلوك العام للأسر المسلمة البرازيلية في هذا الشهر وتكون برعاية مؤسسة خيرية تحرص على تقديم الطعام المجاني للفقراء أو الذين يسكنون في مناطق بعيدة عن المساجد ويتعذر عليهم الإفطار مع أسرهم وإما من محسنين أغنياء.
وتهتم المؤسسات الإسلامية العربية وبخاصة الخليجية في إقامةِ الولائم كما يهتم القائمون على المراكز الإسلامية بإقامتها للتعريف بالإسلام، ولهذه الوجبات أثرٌ سياسي إيجابي على المسلمين هناك اذ تُظهرهم كتلةً واحدةً مما يدفع الساسة لخطب ودهم لثقلهم السياسي. بعد الإفطار يتوجه الرجال والصبية وبعض النساء لأداء صلاة المغرب وقد يتناول البعض الفطور بالمسجد، ويهتم المسلمون البرازيليون بأداءِ صلاة التراويح باعتبارها من العلامات الأساسية لشهر رمضان. ومن أبرز المساجد في البرازيل مسجد عمر بن الخطاب بمدينة «فوز دي كواسو» ومسجد أبي بكر الصديق بضاحية «ساوبرناندرد دي كاميو» وهي الضاحية التي يعتبرها البعض عاصمةَ المسلمين في البرازيل حيث تنتشر بها المراكز الإسلامية مثل مكتب هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية ومكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي. كما يهتم المسلمون هناك بمشاهدة البرامج الدينية على القنوات العربية التي يصل بثُّها إلى البرازيل.