يظل إختلاف الطباع بين الزوجين أكبر عقبة يواجهها كلاهما فقد يكون أحدهما رومانسياً يحب التعبير عن الحب بالكلام والورود بينما يكون الآخر عملياً لا يلتفت لتلك الأمور ويعبر عن حبه بالأفعال، قد يكون أحدهما شديد النظام بينما الآخر شديد الفوضوية بل حتى فكرة العصبية والهدوء والصوت العالي والصوت المنخفض وغيرها كما أن ثمة اختلافات صغيرة قد لا تبدو مهمة، لكنها قد تكون السبب الذي يشعل فتيل المشاكل في بيت الزوجية ويفجر الخلافات بين الزوجين فعلي سبيل المثال هو يحب السهر وهي تفضل النوم باكراً، هو يعضق النوم في الظلام الدامس بينما هي تحب أن تفضل الضوء الخافت، هو يحب الأجواء الباردة وهي تحب معتدلة الحرارة. وفوق ذلك كله ذوقه في الطعام لا يشبه ذوقها، فهو لا يطيق السمك وهي تضعه على قائمة أطباقها المفضلة. ماذا يحدث بعد أن تهبط مركب العشاق على أرض الزواج ويكتشف كل طرف أن شريك عمره لم يكن ملاكاً أو نسخة طبق الأصل منه، وأن هناك إختلافاً بينه وبين من أحب واختار من حيث الهوايات والطعام المفضل والعادات اليومية وغيرها من أمزجة وسلوكيات فقد يجد بعض الأزواج أن «هذا السلوك البيتوتي» مزعج لزوجته «التي تفضل الخروج والتسوق ولتستمر الحياة بين الزوجين، لابدّ تأن يقبل كل طرف الآخر بما فيه من علل وسلوكيات تزعجه بدورها، كما أن اختلاف السلوكيات والأمزجة بين الزوجين أمر طبيعي فكلاً منهما قادم من بيئة مختلفة ولا ننسى أن للصفات الوراثية أيضاً دوراً ليس بملامحنا فقط بل بطباعنا أيضاً فما بالك برجل يتزوج من إمرأة من بيئة مختلفة وعائلة مختلفة و تربت بطريقة مختلفة بيد أن القدر جمع بينهما تحت سقف واحد ليتكشفا فيما بعد عادات وطباع كل منهما وهنا تقع الصدمة والخلاف ،ففي بداية الزواج يستنكر كل طرف من الزوجين تصرفات الآخر وتقع المشاكل ولكن بعد فترة وجيزة، يبدأ الطرفان في تكوين مجموعة من الطباع والعادات تناسب كليهما بغرض التفاهم والوصول لإتفاق يمكّنهما من الحياة بسعادة معاً.
ويظل الإختلاف سنة من سنن الحياة وإختلاف الطباع ووجهات النظر والعادات والسمات الشخصية للزوجين أمر طبيعى ولكن يجب أن يتعلم الزوجان كيفية الإتفاق وهي حكمة إلهية فالناس يختلفون في الصفات في حين أن الله قد جعل من سنة الحياة أن يعيش الناس سوياً فيعيش الإبن مع أبيه والزوجة مع زوجها والأخ مع أخته برغم الإختلاف وهناك اعتقاد خاطئ بأن السعادة الزوجية قائمة على التناسخ بين الزوج والزوجة سواء في الأفكار أو الآراء أو المعتقدات بيد أن العديد من الأدلة تؤكد خطأ ذلك الإعتقادولعل الدليل الأكبر هو كون الحياة الزوجية السوية تقوم على التكامل فما يفتقده الزوج يتوفر بالزوجة والعكس صحيح حتى يحققا السعادة والرضا. لكل طرف نقاط قوية وأخري ضعيفة وهو أمر لا يعيب الفرد ولكن برغم ذلك فغالباً ما نقوم بملاحظة العيوب والسلبيات لدي الطرف الآخر، متجاهلين ما به من مزايا إيجابية تدعم موقفه، لذا ليكون الإختلاف مصدرا للسعادة بالحياة الزوجية لابد من إبراز نقاط القوة الموجودة لدى الشريك لتحقيق أقصي إستفادة منها أما تلك العلاقة .المثالية فضرب من الخيال يبعدنا عن الواقع، ولأننا لا نستطيع تشكيل الواقع كما يصوره لنا خيالنا فغالباً ما نرفضه.
وليكون الإختلاف مصدراً للسعادة بالحياة الزوجية، لابد من تقبل الواقع عن اقتناع ورغبة في إيجاد نقاط إلتقاء بين الزوج والزوجة بل وتحفيز القوة ليس في رفض الواقع أو انتقاد الشريك بل في الإستفادة من اختلافات الشريك والتي يجب النظر إليها على أساس كونها الجزء المفتقد بشخصية الأخر ومن ثم تقبلها وعدم مقاومتها بل وتمعن النظر فيها لإستكشاف مزاياها فقد تكون هناك مزايا لا يستطيع الطرف الآخر إدراكها في ظل الإعتقاد في ثقافة رفض الآخر بإختلافاته كما يتيح وجود إختلافات بين الزوج والزوجة الفرصة للإعتماد المتبادل بينهما، فما يفتقده الزوج قد يجده لدي الزوجة والعكس مما يضفي علي الحياة الزوجية تجدداً مستمراً وشعوراً دائماً بالإحتياج وبالتالي قوة الترابط والتكامل كما قد يعود وجود اختلافات بين الزوجين بالفائدة على العلاقة ذاتها متي تم توظيف تلك الإختلافات لصالحها العلاقة فإختلاف طبيعة الزوج عن الزوجة في طريقة التعبير عن الحب أو التفكير أو الهوايات والميول يجعل تلك الإختلافات بمثابة توابل للحياة الزوجية لا يستطيع الزوجان الإستغناء عنها لما تضيفه من تجدد دائم للحياة. وختاماً، الإختلاف هو أولى خطوات الإتفاق فقد خلقنا الله مختلفين فلا يوجد شخص صمم خصيصاً لأجل الآخر وإذا لم تتواجد صفة مختلفة، لظل المجتمع على ما هو عليه ولم يتقدم خطوة واحدة فجميعنا نحمل أفكاراً من شأنها التلاحم مع أفكار شخص آخر ومن الممكن أيضاً أن تكون مكملة له إذا كانت مختلفة معه. ورغم إختلاف الطباع والسلوكيات بين الأزواج، إلا أنهم يسعون للوصول إلى نقاط اتفاق بآرائهم لتسير حياتهم علي النحو المطلوب برغم المحاولات المتكررة للبحث عن إمكانية تغيير أحدهما لطباعه حتى يتوافق مع الآخر ولكن هذا ربما بعد مضى فترة من الزمن ليست بالقصيرة على بدء الحياة الزوجية وذلك من خلال إتساع رقعة الإنصات لكلام أحدهما حتى يصغي الطرف الآخر لإرضائه قدر المستطاع.
يجب أن يتعلم الزوجان أن التنازل دون إهانة هو أساس العلاقة الزوجية وأن هذا التنازل يجب أن يكون من الطرفين بل إن أي علاقة إنسانية تتطلب دوماً الأخذ والعطاء ولا يجب أن يظل أحد الطرفين هو المعطاء على الدوام بينما يستمر الآخر في أنانيته فوقتها تصبح علاقة تطفلية وليست شراكة وصداقة وعلاقة تستمر طيلة العمر كما يجب أن يعلم الزوجين أن اختلاف الشخصية لا يعني عدم وجود توافق بل بالعكس وللوصول لهذا التوافق يجب التنازل عن شيء معين يريده الطرف الآخر ليتمكن من كسب رضاه ومسايرة الحياة مشيراً إلى أن تحقيق ذلك يحتاج لمعادلة هامة تتمثل في ضرورة تنازلهما معاً بحب واقتناع وليس من طرف واحد و من الضروري أن يشعر كل طرف بأهميته من حيث إقناعه بأن الطرف الاخر تتنازل عن شيء يحبه لأجل إرضاء الآخر كما لابد أن سيعي كل طرف لإرضاء الآخر وهو أروع ما بالعلاقة الزوجية. وليعلم الزوجين أن الحب صفة موجودة لدينا بالفطرة لذلك يعتبر تبادله بين الزوجين الوسيلة الأنجح لإستمرار الحياة الزوجية السعيدة لأنها منبع الحنان كله وبفضلها يشعر الزوج بالأمان وتوفّر لغة الحوار بين الزوجين ضرورية جداً بإعتبارها دليلاً للتواصل الفكري والروحي، وعلى كل طرف احترام الآخر وضرورة الإستماع لوجهات نظره والزوجان اللذان يفتقدان لغة الحوار هما في الحقيقة غريبان ويجهلان بعضهما البعض فالزوج ييأس من الزوجة التي لا تصغي إليه ولا تتفاعل مع ما يطرحه من أفكار إذ يشعر ببرودها وجمودها في التعامل معه. وهنا يلجأ للصمت إستسلاماً للمشكلة ولعل تلك من أخطر الطرق المؤدية لإنهيار الزواج، وعليه، فمبادرات فتح الحوار من الأمور الهامة والضرورية التي يجب أن تتوافر بين الزوجين إذ تساعدهما علي تغيير المواقف السلبية وتجنبهما الوقوع في تناقضات واختلافات وتقرّبهما من بعضهما البعض. هناك أيضاً الثقة والصراحة وهي من الأمور الهامة بين الزوجين ومن الضروريات التي تتطلبها الحياة الزوجية إذ تسهم في التخفيف من حدة المشاكل بينهما وتكملها الصراحة الزوجية التي تكمن في طرح الأسباب التي تترتب عنها مشكلة الخلاف الأساسية وذلك لإعتمادها على الصدق والبوح بالأمور السلبية التي يكرهها كل طرف منهما بالآخر. هناك اعتقاد خاطئ يسود مجتمع الأزواج وهو ضرورة البوح بماضيهم لبعضهم البعض، لكن هذا أمراً غير ضروري لأن الزواج معناه الاساسي الإنفصال عن الماضي، فالعديد من الأزواج يظنون أن الحديث عن مغامرات الماضي وفضح أسرارهم مجرد تسلية وتمضية وقت لكنهم في الحقيقة يجهلون مدى خطورتها حيث تزرع الشكوك لدى الشركاء وخاصة فيما يتعلق بالحديث عن العلاقات العاطفية السابقة كما أن هذا النوع من الأحاديث يزيد من حِدّة المشاكل ويمكن لأي الشريكين استخدامها كسلاح ضد الآخر مع بروز أول خلاف بينهما ومن الأفضل أن يتحدّثا عن مغامراتهما الطفولية التي لا تخرج عن نطاق العائلة لأنها تساهم وبدرجة كبيرة في تعزيز الثقة بينهما.
أما الإحترام والتقدير فأساسيان للحفاظ علي قوة ومتانة العلاقة فوضع الزوجين لخطوط حمراء لبعض الأمور أمراً ضرورياً فلا يجوز أن يتجاوز أي منهما الآخر أو يقلل من احترامه أو مكانته كما يجب ترك مسافة مقدسة بينهما لا يمكن لأي شخص أن يتعداها ويظل الإحترام من الصفات المطلوبة بين الزوجين في محيط العائلة فبمجرد فقدانه تغيب روح المحبة وتنتشر العدوى بين أفراد الأسرة وخاصة الأبناء مما يجعل البيئة الأسرية فاسدة والإحترام مطلوب خاصة خلال نقاش الزوجين فعلى كل طرف احترام الآخر والإستماع لرأيه ولو كان معارضاً له وتقديره بمراعاة حالته النفسية وخاصة فيما يتعلق بالمرأة التي تعتبَر كائناً حساساً بالفطرة فهي بحاجة ماسة لإحترام زوجها لها لأنه يزيدها ثقة بالنفس ويعزز من شخصيتها ومكانتها بين أفراد العائلة.
وأخيراً وليس آخراً، تلعب العلاقة الحميمية دوراً مهماً ورئيسياً في استمرار العلاقة الزوجية والتفكير بأنها مجرد وسيلة للإنجاب من الأمور التي تزيد من تدهور العلاقة وسرعة نهايتها فهي قبل أن تكون وسيلة للإنجاب فهي رغبة مولودة من الحب وفقدانها يدفن كل شعور جميل يكنّه الفرد للآخر كما أنها مقياس لقدر الحب، وعلى الزوجة مراعاة هذا الأمر كثيراً لأنه من الأولويات التي يهتمّ بها الرجل في زوجته وإن لم يحصل علىه فطريق الخيانة مفتوح أمامه، لكن من جهة أخرى، فممارسة الحب بطريقة خالية من المشاعر والأحاسيس تخرّب العلاقة بين الزوجين وتتسبّب في نفور أحدهما من الآخر وهو ما طرحه الكاتب سيرج شومييه في كتابه «نظام الحب» حيث أوضح الطرق الصحيحة لإستمرار الحياة الزوجية وكانت نصيحته الأخيرة ضرورة الإبتعاد عن الملل الزوجي نتيجة الروتين والتفكير بأشياء جميلة كالخروج في نزهة مرة علي الأقل أسبوعياً والحديث بأمور المستقبل.