منذ الخامسة من عمري، لطالما وجدت متعة كبيرة في السير بمنتصف حجارة الطريق مع محاولة تجنب الخطوط الفاصلة بين الأحجار. إنها عادة لازمتني شأن كل الضغار من عمري ولا زالت حتي الآن أحد الممارسات الشائعة للأطفال في الطريق. كانت تلك هي السعادة كما رأيتها آنذاك ولم تراودني الأفكار حول سر سعادتي بتلك الممارسة العفوية البريئة كسائر الأطفال من عمري ممن لم يتعرضوا بعد لتعقيدات الحياة ومعضلاتها.
ومع بلوغي عمر الثالثة عشر، لم تكن السعادة أمراً أفكر فيه علي هذا النحو بل أمست شعوراً دفيناً بالسكينة ينتابني عند رؤية أصدقائي أو الرقص بشكل عشوائي على نغمات البوب وأشياء أخري بسيطة كانت تبث بداخلي شعوراً خفياً بالسعادة والبهجة. واليوم قد أشرفت علي الخامسة والعشرين من عمري تبدلت كافة تلك الصور والمشاهد وأمست السعادة مفهوماً أكثر عمقاً ورحلة أبحث خلالها عن كثير من القيم والمباديء وتنتابني خلالها العديد من الأسئلة بعضها أجد الإجابة عنه فيما تظل علامات الإستفهام عالقة بذهني الصٌغير برغم سنوات عمري الآخذة في الإزدياد ويظل السؤال بداخلي «ما هي السعادة؟» و«هل أنا سعيدة؟»
أشعر بالسعادة مع إحتساء فنجان القهوة الأول الساخن كل صباح، أشعر بالسعادة مع رؤيتي سعادة أمي وبسمة أصدقائي وعندما أنتهي من كتابة مقال أو موضوع يشغلني، جميعها تضيف لي شعوراً بسعادة إستثنائية وومضات صغيرة لكن ثمينة من السعادة، أبذل قصارى جهدي لتثبيتها بذاكرتي بيد أن السؤال يزداد إلحاحاً «ما هي السعادة؟» و«كيف أصل إليها؟» و«هل يمكن أن تكون أكثر من مجرد ومضات صغيرة كشيء أطول أمداً أستدعيه عند الحاجة؟»
بدأت القراءة ملياً عن هذا الموضوع والتحدث مع أشخاص لديهم نفس الأسئلة وساروا على نفس الدرب وبعد أكثر من عام من البحث الواسع بدأت ألمس بداية الخيط، وأصبح من الواضح أن جوهر الجواب كان أن السعادة يجب أن تأتي من الداخل ويجب ألا تعول فقط على العوامل الخارجية. ووصلت لإستنتاج مفداه أنه لا بد لي من صنع سعادتي الخاصة ومصدرها يجب أن يكون بداخلي، وبالتالي فهي لن تنتهي ولن تعتمد على العوامل الخارجية المتقلبة. وكان السؤوال لكن كيف يمكنني صنع تلك السعادة الداخلية على أية حال؟ في أحد أيام الشهر الماضي وصلتني رسالة بالبريد الإلكتروني تدعوني إلى حضور ورشة عمل بعنوان «الطريق إلى السعادة» وهو الأمر الذي أثار اهتمامي وفضولي على الفور لأسباب واضحة، وكان من المقرر أن تقود الورشة ساندرا شاما كار، وهي مستشارة نمط حياة مصرية معتمدة ومؤسسة «يلا يوجا»، وكانت الورشة ستنعقد لمدة يومين في فندق موفنبيك بالعين السخنة، وقررت أن أخوض هذه التجربة على أمل العثور على المزيد من الإجابات على الأسئلة التي تدور في ذهني على الدوام.
وصلت إلى وجهتي مع حوالي 25 صحفي آخرين مثلي واستقبلتنا المساحات الخضراء والهواء النقي، وصوت الأمواج تنكسرعلى الشاطئ أراحتني على الفور وأثارت فضولي عما كان ليأتي. وبعد إجراءات الدخول بقليل، دخلنا جميعا غرفة كبيرة حيث دخلت علينا إمرأة ترتدي الأبيض ويعلو وجهها إبتسامة وَدودة، أضاءت ساندرا عوداً من البخور واستدارت نحونا وقبل الخوض في أي شيء روت لنا قصتها والتجارب التي مرت بها والتي أوصلتها إلى المعلومات التي كنا جميعاً ننتظر سماعها بفارغ الصبر. وكان أول ما عرضته ساندرا قصة خطواتها خلال فترات شخصية صعبة وشكوكها وحزنها الذي قادها إلى تجربة اليوجا الكونداليني في محاولة لتدريب عقلها للتعامل مع السلبية المحيطة بها وتنمية حس أقوى.
وبعد مروري بتجربة إيجابية مع الآثار الجسدية لليوجا، كنت متشوقة لمعرفة كيف يمكن لهذه التمرينات أن تؤثر على العقل والروح، ولم تبخل علينا ساندرا بأية معلومات وأخبرتنا كيف ساعدتها ممارسة اليوجا يومياً في تركيز أفكار وإعطائها القوة لمواجهة يوم مرهق قبل التعامل مع مرض شخص عزيز جداً على قلبها. وأوضحت أنها حتى النهاية كانت قادرة على استحضار قوة ليس فقط لنفسها ولكن لعائلتها أيضاً. وكان صوتها إما مبتهج وودود أو ثابت وواثق حينما قالت لنا أنها تعتقد حقا في قوة الطاقة وأنه يمكننا تحقيق السعادة ببساطة من خلال اتخاذ قرار بذلك وخلق جو لأنفسنا يعزز صنع السعادة الداخلية، وقالت أننا بهذه الطريقة لن نكون فقط قادرين على التغلب على المصاعب والتحديات ولكن سنتمكن من نشر تلك السعادة حولنا كذلك. وفتنتني الفكرة على الفور واستمعت بإنتباه إلى كل ما كانت تقوله لأنني شعرت فجأة بشرارة في ذهني ورغبت بشدة في نشر السعادة!
خلال الإجتماع الأول، شرحت ساندرا كيف تمكنت من السفر إلى مخيم للاجئين السوريين في اليونان ونشر بعض الإيجابية التي تشتد الحاجة إليها وكيف تحدثت مع اللاجئين وساعدتهم بأي طريقة ممكنة قائلة «قد لا أكون قادرة على إحداث أي تغيير مادي أو جوهري ولكن أعتقد أنني قادرة على تقديم الإغاثة العاطفية والنفسية لكثير من الناس هناك». كما عملت ساندرا في التنسيق بين اللاجئين والمنظمات الناطقة باللغة الإنجليزية وممثلين مثل المحامين والأطباء والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والإغاثة الأوروبية وغير هذا وأمضت وقتاً مع النساء للإستماع إلى همومهم حول أوضاع المخيم واحتياجاتهم ورفع التقارير إلى المسؤولين وأضافت «أنوي أن أعود في نهاية هذا العام للمتابعة». لم تكن هذه أول مهمة لها في مساعدة الآخرين فقد أدارت ساندرا في السابق تدريب نمط الحياة وبدأت حملة لتمكين المرأة وتخطط لحملة للتوعية بالمخدرات في المدارس قريباً.
«يبدو أن مساعدة الآخرين هي الهدف النهائي من السعادة»، هكذا بدأت ساندرا تشرح كيفية اتخاذ الخطوات للوصول إلى تلك المرحلة المهمة بدءا بما أسمته الأركان الأربعة للسعادة، أولها تحويل التوتر إلى نجاح ومن المهم أن نفهم أنه كما للتوتر آثار سلبية علينا فلديه آثار إيجابية أيضاً فالتوتر مفيد للغاية لأنه يجبرنا على التركيز بشكل أفضل والتوصل إلى حلول خلاقة للمشاكل الصعبة في فترة قصيرة من الزمن «يجب أن نتعلم أن نترك المقادير تجري، فلم تكن لنا سيطرة على الأمر من الأساس». وإذا فالدرس الأول هو السماح للتوتر بالوجود عند اللزوم ثم تركه يذهب لأن الحياة ليست تحت سيطرتنا وما قدر سيكون. ولكن في الوقت نفسه لا يجب أن ننشغل بالتوتر لأننا قد نحتد بحيث يتأثر سلوكنا تجاه الآخرين وبالتالي فإن الحل هو الإعتراف بأن سلوكياتنا متأثرة بالتوتر وأن نبدأ في صنع ترياق لمساعدة أنفسنا على الإسترخاء وإيجاد التوازن بين التوتر والإسترخاء أمر بالغ الأهمية.
إثر تلك المقدمة المليئة بالمعلومات، اتجهنا للخارج إلى حديقة جميلة تطل على البحر حيث جلسنا على الحصير الأصفر لبدء التمرين الأول للتخلص من التوتر ونشر طاقتنا سعيدة وأوضحت ساندرا أن كل شخص لديه طاقة محيطة به وأن هناك سبل لتوسيع طاقاتنا من أجل نشر الإيجابية حولنا. وفي البداية تعلمنا التحية المعتادة لبداية اليوجا الخاصة بالتوتر، وبدأنا مع تمارين تنفس بسيطة وحركات الذراع التي نشطت قلوبنا وحمست عقولنا، وأوضحت ساندرا الغرض من كل حركة قمنا بها، واعتمد الكثير منها على التنفس الصحيح والسماح للعقل بالتركيز على التنفس بحيث يمكن التخلص من التوتر من خلال أن عقولنا صبت تركيزها على التنفس بحيث سكتت باقي الأصوات في أدمغتنا.
بعد العشاء اجتمعنا من أجل محادثة هامة أخرى وهي فن التواصل، والتي كانت مثيرة جداً للإهتمام لشخص منطو مثلي.وأوضحت ساندرا نقطة مهمة ينساها غالبية الناس عند التواصل مع الآخرين، وهي أن «مفتاح التواصل الجيد هو إدراك أن كل إنسان متفرد وذو قيمة»، حيث لدينا نقص في الفهم يأتي من أننا ننسى أن الشخص الذي نتحدث إليه لديه أفكار ومشاعر متفردة، ونحن نميل إلى التركيز فقط على أنفسنا، لذلك صممت ساندرا لعبة من لعب الأدوار لاختبار العديد من الطرق المختلفة التي يمكن التواصل من خلالها ومع أخذ مشاعر الشخص الآخر في الاعتبار يمكن أن نصل إلى حل وسط.
وفي صباح اليوم التالي إلتقينا مع ساندرا في وقت مبكر لبدء يومنا مع جلسة يوجا منعشة جعلتنا نستقبل الصباح بعقول مستريحة وطاقة أفضل من أي وقت مضى، في نفس حديقة شاطئ البحر علمنا أن الإهتزازات الناجمة عن أناشيد ممارسي اليوجا يمكن أن تكون جيدة جدا لموجات الدماغ وثم علمنا عن وجود علم قديم يسمى الأيورفيدا والذي يركز على نوعية الطعام الذي نستهلكه وكيف أن الغذاء يمكن أن يؤثر على حالتنا العقلية والعاطفية وأن تحقيق التوازن بين الفئات الرئيسية الثلاث من خفة وثقل وحيوية هو ما يمكن أن يساعدنا في الوصول إلى السعادة من خلال ضبط هذه المكونات. وبعد ذلك تعاونا جميعاً في تحضير وجبة الغداء من المكونات الصحية مثل الخضر والفواكه والبذور، وكان ذلك تغييراً حقيقياً وفهمنا ما يقصد بالطعام الخفيف.
وأخيرا وصلنا إلى نهاية الرحلة مع تمرين أخير لمساعدتنا في الوصول إلى السعادة. فإن السيطرة على العقل هي السيطرة على العالم، وهذا يعني أننا بحاجة إلى فهم كيفية عمل عقولنا ويمكننا السيطرة على أفكارنا ورغباتنا لتحقيق النتائج التي نريدها. وتمشينا دون ان نتحدث وركزنا على التنفس وتدريب عقولنا على استئصال الأفكار غير المرغوب فيها في تسع ثوان.
الملخص أني عدت إلى البيت بعقل مليء بالأفكار حول حقيقة راسحة وهي أنه لا يوجد مفتاح واحد يفتح الباب إلى السعادة بل يجب أن أعمل بجد كما هو الحال مع أي شيء وأن أجمع جميع المكونات لصنع مصدري الخاص للسعادة ومن ثم أكون قادرة على نشر تلك الطاقة.