تظل القراءة أحد الأمور المحورية والهامة جداً بحياة أي مجتمع أو دولة فهي عنوان وطريق الحضارات والسبيل لتنمية المهارات وتعزيز القدرات المعرفية والفضول لدى الأفراد، وما من حضارة نمت وتطورت إلا وكانت القراءة والعلوم منصة ازدهارها، فهي تفتح آفاقاً فكرية وتهذب الفكر والسلوك وتتيح أمامهم المجال لفهم أوسع للحياة. هناك مجموعة من الأسباب تعوق حالياً عملية القراءة كالهواتف النقالة والإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي وهنا ويبقى التساؤل هل كف الشعب عن القراءة؟ وهل فقدت القراءة مكانتها في حياتنا؟
أوضح المهندس عمرو نصر المستشار التنفيذي لمجموعة MCV أنه برغم الثورة الإلكترونية التي نعيشها وإنتشار المعلومات في كل مكان وتدفّقها بغزارة بداخل منازلنا، لا زال للكتاب أهميته فنسبة التعامل مع الكتب الورقية فاقت التوقّع وتحول الكتاب وقرائته من شكله الورقي لشكله الإلكتروني، وانتشر إنتشاراً واسعاً. إذن فالقراءة لم تختفي بل هي متواجدة ولكن بشكل مختلف بسبب إبتكار شاشات لهذه الكتب تضاهي الصفحات الورقية للكتب التقليدية وصار بالإمكان قراءة محتويات الكتاب على أجهزة الكمبيوتر أو المحمول هذا وتحتل كتب الروايات المرتبة الأولى من حيث الرواج وهي تجذب فئة الشباب تليها الكتب العلمية والكتب الإجتماعية وكتب التسلية والترفيه والأمر يختلف وفقاً لإهتمامات الأفراد وثقافتهم ولكن المشكلة في المحتوي الذي لا يضيف أحياناً لقرائه معلومة أو معرفة أو حتي إستمتاع بمحتوي قصة أو رواية، فقديماً كان المحتوي الجيد هو الذي يشد إنتباه الجمهور ويشجعهم علي القراءة ولكن الآن أصبحنا نتلفت أكثر لكل ما هو تافه فالمشكلة ليست في أن الشعب أصبح لا يقرأ بل الكارثة التي يجب أن نعالجها هي ماذا يقرأ الشعب لذلك لابد من التحكم أكثر في إصدار الكتب وهو أمر صعب تحقيقه أو السيطرة عليه والفاصل هنا ثقافة القارئ وميوله.
وتضيف هالة عمر رئيس مجلس إدارة هالة للنشر والتوزيع وعضو إتحاد الكتاب العربي بأن الشعب لم يغفل القراءة تماماً ولكن حدث إنخفاض لافت والمشكلة سببها عدة جهات فالبداية في عدم إهتمام المدارس بالقراءة فقديماً كان هناك حصة للقراءة نجلس فيها ونتناقش ونستمتع بالقراءة وكان هناك إهتمام بالذهاب لمكتبة المدرسة بتشجيع من المدرسة والبيت وكانت هناك مسابقات وأنشطة ورحلات ثقافية للمكتبات المختلفة واليوم لدينا مشكلة في التعليم ولا يوجد إهتمام بالقراءة من قبل المدارس. وعلي المستوي التربوي بالمنزل، أثرت سرعة إيقاع الحياة ومشاغل الآباء وسعيهم لتوفير إحتياجات المنزل فلم يعد الأبناء يشعرون بأهمية القراءة التي لم يوجههم أحد لأهميتها في المرتبة الأولي ودورها في تكوين وتطوير الطفل وتأسيسه من البداية. ومن جانب آخر، أثرت الميديا والإلكترونيات والتطور التكنولوجي في تأخير الرغبة علي القراءة فإستخدام التكنولوجيا بإفراط يقتل الإبداع وأغلب الشباب علي إختلاف أعمارهم معتمدين علي الوسائل الإلكترونية وعلينا أن نعيد النشاطات اليدوية بكل أشكالها ومنها القراءة لتمنية عقول أطفالنا وشبابنا. أضف لذلك ركود الحالة الإقتصادية وإرتفاع سعر الكتب بسبب غلاء الورق والأحبار وجميع الوسائل المستخدمة في طباعة الكتاب مقارنة بالدخل الأسري ومن ثم أصبح الآباء يوفرون بصعوبة الإحتياجات الأساسية مع عدم تمكن الدولة من تنظيم المعارض الخارجية فلا يوجد إستراتيجية حول كيفية الإدارة وسير العمل في المعرض مع إهمالها غير المبرر للمكتبات ودور النشر، علينا جميعا أن نتدخل لإسعادة للقراءة لرونقها مرة أخري فبالقراءة تحيي الشعوب ولا يوجد تطور بدون قراءة وإطلاع.
ومن جانبه، أضاف شريف رياض رئيس قطاع العلاقات الخارجية بمكتبة الأسكندرية أنه لا زال هناك نسبة متوسطة تقبل علي القراءة ولكن ليس مثل الماضي حيث كانت القراءة هي الوسيلة الوحيدة للإطلاع علي العالم والتعرف علي ثقافات أخري من خلال السفر عبر الكتاب، ولكن ظهورالإنترنت والوسائل الحديث هو السبب الرئيسي والحقيقي الذي يقف خلف تراجع القراءة بشكل كبير جداً مقارنة بالسنوات الماضية حيث كان البحث عن المعلومة والوصول إليها يحتاج لرحلة بين الكتب والمجلات والدراسات في حين لا يحتاج الفرد اليوم سوى بضع دقائق للبحث عن المعلومة والعثور عليها على مواقع الإنترنت ومن ثم لا يحتاج وقتاً إضافياً لقراءة وتصفح مجموعة أخرى من المعلومات في سبيل الوصول لمبتغاه مما يعني أن مجموع المعلومات والفائدة التي ستتحصل لديه لن تتعدى حدود تلك المعلومة التي يبحث عنها بل إنه قد لن يتعرف كذلك على أصول ما يبحث عنه لأن هدفه الأساسي الحصول على المعلومة بشكلها النهائي دون تحقيق فهم عام حول الحالة الكلية التي أحاطت بتلك المعلومة كل ذلك أدي الي أن القراءة أصبحت حالة ثانوية فقد تراجعت نسبة ممارستها بشكل كبير جداً ولكن لا زال عدد من الأشخاص يفضلون إستخدام الكتاب وتصفح ورقه وعلينا ايجاد حلول متاحة وممكنة بأسرع وقت سواء من خلال تفعيل دور العائلة في تشجيع أبنائها على القراءة وضبط أوقات الأبناء في إستخدام الإنترنت بالإضافة إلى ضرورة تفعيل دور المدرسة في تشجيع الطلبة على القراءة وإرتياد المكتبات.
وأكدت الدكتورة سرية صدقي أستاذ مناهج وطرق التدريس بكلية التربية الفنية أن القراءة فقدت مكانتها في التعليم وبالتالي في حياتنا، تحولت القراءة في المدارس الي الحفظ والتلقين مما لا ينمي حب القراءة ومن ثم علينا غرس حب القراءة فـي نفس الطِفل وتربيته على حبها لتصبح عادة يمارسها ويستمتع بها بدلاً من تنشأته علي حفظ معلومات لا تخص حياته أو مجتمعه،والسبب الرئيسي هنا هو المدرسة قبل البيت ومن هنا يخرج لنا جيل غير ملم بالقراءة. وللحق، لدينا شريحة لازالت حتي الآن ملمة بأهمية القراءة وهي من الجيل القديم لأننا نشانا علي حب القراءة في البيت والمدرسة حيث كان البيت عامراً بمكتبة ولو صغيرة تضم الكتب والمجلات المشوقة وكان أفراد الأسرة ولا سيما الأب من القارئين والمحبين للقراءة،فإن الطفل سيحب القراءة والكتاب فالطفل عندما يرى أباه وأفراد أسرته يقرأون ويتعاملون مع الكتاب سيقلدهم، ويحاول أن يمسك بالكتاب وتبدأ علاقته به، أما عن المدرسة فهي من تتحمل المسئولية أكثر في توجيه سلوك طلابها نحو القراءة والبحث والمعرفة، فعلينا أن نحبب أطفالنا في القراءة ونجعلها جزءاً من سلوكهم في المدرسة وخارجها.
وأخيراً، أوضحت سها الترجمان مدير عام فندق رمسيس هيلتون أننا فقدنا جيل لا يستوعب فكرة القراءة والرجوع مرة أخري للكتاب بسبب إنتشار وسائل التكنولوجيا الحديثة التي سهلت الحصول علي المعلومة بدون مجهود يذكر ومن ثم أصبحت العملية سهلة ولا تحتاج لعناء وبحث وإطلاع مثلما كانت في الماضي ولكن علينا العودة مرة أخري لنشر ثقافة القراءة من خلال دعم المكتبات الموجودة بداخل المدارس أو من خلال عمل معارض لتشجيع الطلاب علي القراءة مرة أخري وعلي وزارة الثقافة العمل بكثافة علي تنمية روح المعرفة لدي الشباب علي وجه الخصوص فضلاً عن ضرورة التعاون مع وزارة التربية والتعليم لإستعادة تلك العادة المحببة التي لها أثراً بالغ الأهمية علي تقدم الشعوب ونموها ويكون لها رأيها المؤثر وصوتها المسموع لدى الجهات والمؤسسات المعنية بالكتاب والقراءة وإكتساب المعرفة وبصورة خاصة التعليم والإعلام الذي يقع علي عاتقه عبء بالغ الأهمية أيضاً.