تظل الخيانة مفهوماً يرفضه المجتمع الشرقي المحافظ ولا تقبله أياً من المجتمعات الأخري وحتي الأكثر إنفتاحاً وتطوراً. يري فيها الجميع إساءة بالغة وسبب قوي لهدم الأسرة وبلوغ الرباط المقدس نهايته. أشكالها عديدة وجميعها تطورت بفعل التطور الذي لحق بكل شيء. وفيما كانت في الماضي تستلزم كثير من الجهد والمراوغة، أمست اليوم من أسهل ما يكون. فقط جهاز كمبيوتر ووقت كاف للدردشة مع من تريد وفي الأغلب مع من تضعه الفرصة في براثن مواقع التشات وقتما تجلس أنت إليه. ومن اللقاء المُختلس والنظرة المسروقة، إنتشرت اليوم ظاهرة الخيانة الإلكترونية والتي لا تتطلب أي جهد بل وتحقق الأمان الكاف بقدرتك الكبيرة علي إخفاء تفاصيلك وحقيقتك أو كشفها متي أردت. عن دوافعها ونتائجها وما يترتب عليها ورؤية الفرد والمجتمع لها، كان هذا الحوار.
بدون تحيز، من المسئول عن الخيانة؟
أياً كان نوع الخيانة، فلها دوماً طرفان ودوافعها الأساسية تكمن في فقدان ركائز العلاقة الأساسية كالحب والإحترام والشعور بالذات وغياب الواعز الداخلي والعقيدة. قد يبحث الرجل عن إمرأة تشغل وقت فراغه وتمنحه ما يفتقده وقد تدفع كثرة الضغوط المرأة بدورها للبحث عن وسائل مُساعدة للتنفيس ويكون التشات هو الحل للتعبير عن القلق وسد الحاجة النفسية والتغيير لواقع تتوق إليه ولا تجده أو مشاعر تفتقدها. فالمرأة المُصابة بالغيرة المرضية أو المتسلطة، يبحث زوجها عن مساحة للحرية فبقدر مراقبتها الشديدة له يبحث بدوره عن مساحة للإنطلاق وتكون الدردشة الإلكترونية هي الحل. ومع إنتشار مواقع التواصل الإجتماعي التي غزت المنازل بدون إستثناء ودأب الجميع علي إستخدامها، تبدلت القيم والأخلاقيات وتأثرت الأجواء الأسرية وخاصة أن تلك المواقع مُتاحة علي مدار الساعة وحتي علي الموبايل مما زاد الهوة إتساعاً وأدي لعدم إستقرار الحياة الزوجية. ومع إستمرار تلك الممارسات والإنغماس في العالم الإفتراضي، إنتشر ما أصبح يُعرف اليوم بالخيانة الإلكترونية أو الخيانة عبر الإنترنت.
كيف تري السبب وراء إنتشار تلك الظاهرة؟
برغم كون الخيانة ظاهرة موجودة منذ قديم الأزل، إلا أن إنتشار وسائل التكنولوجيا الحديثة ساعد علي إنتشار ظاهرة الخيانة الزوجية عبر الإنترنت. في الماضي، كان الأمر يحتاج لجهد ووقت فمتي أراد رجل أن يكلم إمرأة مثلاً، كان عليها ترقُبها ومتابعتها كما كنا نري في الأفلام. الأصل في الخيانة هو إغتصاب حق ليس لك وإقامة علاقة مع غير ذو صفة فيظهر طرف دخيل ليس له حق في الوقوف بداخل دائرة الأسرة ويُعبر بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن الرغبة في إقامة علاقة مع طرف آخر مرتبط بالدائرة ذاتها. وكما ذكرت، كان هذا الطرف يعاني للوصول للطرف الآخر وقد يمل ما لم يجد إستجابة. أما اليوم، فالحال تبدل والمعاناة اختفت والتسلية لا تستلزم سوي الإسترخاء ومتابعة من تريد دون تعب إذ بفضل التكنولوجيا فبرسالة أو إتصال، يصل الفرد لأي شخص. تلعب الصدفة أيضاً دوراً كبيراً فإذا إتصل رجل بإمرأة علي خلاف مع زوجها، قد يلقي حديثه قبولاً وقد تطرب أذنها لكلام معسول هو لا يعنيه فتبدأ قصة وتصل لحد إدمان الحديث وتقع المرأة بدون أن تدري في براثن الخيانة. أحياناً، يكون هذا القبول وقتي فقد رأيت بعض الحالات التي تأتي وتخبرني عن فترة كانت تعاني خلالها من ضيق دفعها للإنخراط بمثل تلك الممارسات وإقامة علاقة عابرة عبر الإنترنت أو التليفون واليوم تشعر بالذنب. وفي أحيان أخري، قد تدمن المرأة تلك الممارسات خاصة في حالة ازدياد الهوة بينها وزوجها. في الماضي، كانت الخيانة صعبة وهناك عوائق تحول دون حدوثها فكنا نري الفرد يتردد ألف مرة وقد يستيقظ ضميره ويتراجع عن قراره ولكن الآن تكة زر ويقع في الخيانة بل وأحياناً لا يراها خيانة بل أمراً طبيعياً متي إقتصر علي التشات دون لقاء. قد يلجأ أيضاً البعض لإقحام الآخرين من غير المتخصصين بأدق تفاصيل الحياة كوسيلة للتفريغ وطلب التعاطف دون النظر لتحول الأمر لعادة تجعل القائم عليها أسيراً لتأثيرات مشاعرية ومشاركة الوجدانية زائفة تجعل من الطرفين لصيقين ضمن قصة ويجدا أنفسهما في النهاية غير قادرين علي التخلص من هذا السلوك.
كيف إنتشرت الخيانة عبر الإنترنت؟
الخيانة هي العدول عن مذهب أو عقيدة أو مبدأ. فالمرأة مثلاً تري رجل وتعتقد أنه الأنسب ويتم الزواج. وبمرور الوقت، تقل القناعات وتكتشف المرأة عندها عدم اكتفائها بالرجل فتبدأ بالبحث عن بدائل مشروعة أو غير مشروعة. ويبقي الأساس في كون العقيدة الراسخة تنبع من داخل الفرد وتنمو بعطاء الآخر وعندما يقل العطاء تضعف العقيدة ويبدأ الفرد في البحث عن إحتياجاته بعيداً عن شريكه. أنا دائماً أبحث عن السبب الحقيقي فعندما أري أطفال الشوارع مثلاً، أقول إبحثوا عمن جعلهم كذلك وحاكموا الدولة التي لم تكفل لهم حياة كريمة بل أطلقتهم في الشارع. نفس الفكرة عندما تأتي لي إمرأة تشكو من إنصراف زوجها عنها، أبدأ في البحث عن مدي إكتفاء الزوج بإحتياجاته فمتي ضيقت الزوجة علي زوجها أو بخلت في عطائها تجاهه، سيبحث عنها بالخارج فان قفلت باب العطاء العاطفي فسيبحث عنه لدي أخري والعكس صحيح. يحدث ذلك أيضاً عندما يقسو الأهل علي الأبناء صغاراً مما يدفع بالأبناء وخاصة الفتيات للبحث عن إحتياجاتهم خارج أسوار المنزل. وللعلم، الإنسان بطبعه طماع فهو كائن مادي ودائم اللهث خلف شهواته والغريزة مُكون رئيسي من مكونات نفسيته. وهنا تبرز أهمية الواعز الديني الذي يقلل من أهمية الإحتياج المادي في مقابل عطاء أكبر من الله سبحانه وتعالي لذا فطلما لجأ الفرد لله فسيقوي علي نفسه. أري أن العقيدة هي حجر الأساس وللأسف أغلب المصريين اليوم ليس لديهم عقيدة بل إقتصر الأمر علي أداء المناسك وغاب الجوهر الحق مما أضعف من قدرة الفرد علي مجابهة نفسها والتحكم في شهواته.
هل تؤدي الدوافع دوماً لعلاقة غير مشروعة؟
ليس شرطاً فما يحرك المرأة هو عواطفها وليس رغبتها الجنسية، والمراة أقل إندفاعاً نحو الخيانة عن الرجل فلابد أن يكون لديها دافع للخيانة بيد أنه في أغلب الحالات يتم اللعب معها علي الوتر العاطفي وهو أهم إحتياجاتها التي لا يلبيها رجلها فيتركها فريسة للكلام المعسول من آخر. أما الرجل، فتحركه رغبته الجنسية فهو شهواني والشهوة تبدا من العين فعندما يري فيشتهي فيحب فيطارد فيفترس فيخون أو علي الأقل يحاول جاهداً.
هل هي مشروعة وما حكمها علي الطرفين؟
أي خيانة هي غير مشروعة للطرفين ومهماً كانت أسبابها فهي دوماً حالة غير مُبررة بل وتصل ٌلي درجة الجريمة التي تستدعي معالجة السبب الحقيقي في المرتبة الأولي. وللعلم، لم يعد مسلسل الخيانة الإلكترونية الحالي يقتصر على الرجل بل أصبح للمرأة دوراً هاماً في برامج الدردشة بهدف التسلية أو الفضفضة إذ وجدت فيه المرأة التي لا تلقي إهتماماً من زوجها مُتنفساً جيداً للحديث، فالمرأة أكثر ذكاء ودهاء من الرجل في الصيد الإلكتروني بحكم جلوسها بالمنزل لساعات أطول، فتحاول ملأ فراغها أو تقليد صديقاتها. وكذلك الرجل، فبحكم عمله الدائم وخروجه من المنزل ومقارنة زوجته بالأخريات، يجد ضالته في التويتر والواتس آب والفيسبوك وغيرها. كلاهما يسعى للتعرف علي واقع جديد فيجدا أنفسهما في حلبة سباق الخيانة الإلكترونية. والعديد من العلاقات الأسرية إنهارت لسوء استخدام التقنيات الحديثة مما إنعكس سلباً علي الأسرة ككل. وللعلم، تجتاح تلك الظاهرة العالم العربي وهي أساس العنف الأسري الذي بلغ ذروته. نحن نواجه مشكلة تحتاج لتفكير كيلا نصبح كالصيد السهل. قد تغفر الزوجة لشريكها بعض أخطائه لتتجنب غرق السفينة، إلا أن الرجل قلما بل نادراً ما يغفر الخيانة ولو إقتصرت علي الدردشة إذ يراها خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه.
هل تؤدي تلك الخيانة للطلاق؟
كثير من الحالات ترددت علينا بسبب الخيانة الإلكترونية وخاصة من قبل الزوجات اللواتي عرضن علي محادثات أزواجهن مع أخريات كدليل علي الخيانة. قد يقع الطلاق في بعض الحالات. ولكن بالنظر لمثل تلك الحالات والتروي في الحكم عليها، نحاول فهم الدافع الأساسي ورائها ونساعد المرأة علي الرجوع لسببها الرئيسي. ليس معني ذلك أن المراة بريئة تماماً فهي تتحمل أيضاً نسبة 50% فالضعف الإنساني هو ما يدفعها لمثل تلك الجريمة بيد أنه يوجد دوافع تخفف العقوبة ولكن لا يبرأها تماماً.
كيف إذن نتجنب مثل تلك الممارسات؟
يظل كل ما ذكرت دلالات ينبغي أن تنبه لوجود خللاً ما فإذا وجد الزوج أنه لم يعد محور اهتمام زوجته التي تنشغل عنه بالإنترنت والعكس، لابد أن يعي وجود فتور بالعلاقة يستوجب الإصلاح. ينبغي العمل علي تجديد العلاقات الزوجية كل فترة وتقييمها والبحث عن الأسباب وتقديم الحلول لحياة أفضل. وتظل التوعية الدينية والإجتماعية والنفسية والأخلاقية والصحية من أهم سُبل محاربة إنتشار تلك الظواهر إذ يُدرك الفرد الأضرار الناجمة عن تلك العلاقات المحرمة. أري أن المكاشفة المستمرة والحوار المفتوح بوابة حل المشكلات قبل تفاقمها ويظل الحوار الوسيلة الأمثل لتقوية العلاقة وتحقيق الإستقرار ومتي تعسر التفاهم، يجب التوجه للمختصين بهذا المجال.