تُعد ظاهرة أطفال الشوارع أحد أبرز الظواهر الإجتماعية الآخذة في الإنتشار بمختلف أنحاء العالم النامي والمتقدم وهي ظاهرة ليست حديثة بل هى نتاج مجموعة متعددة من العوامل منها العنـف والتفكك الأسري والعوامل الإقتصادية التى تدفع بالأطفال للشارع للبحث عن عمل لمساعدة الأسرة على المعيشة أو الإنفصال عنها وكلاهما له تأثير علي نمو هذه الظاهرة بشكل ملموس. ويعد مصطلح أطفال الشوارع مصطلح فضفاض يختلف الناشطون الإجتماعيون في تعريفه، إلا أن التعريف الأعم والأشمل يؤكد أن كل الأطفال تحت سن الرشد ممن يقضون ساعات طويلة من النهار في الشوارع دون رقابة أسرية هم أطفال شوارع حتي ولو كان لديهم سقف يأويهم آخر النهار. ولاتزال بعض الجمعيات والمؤسسات والافراد تعاني من الخلط بين طفل الشارع والطفل العامل، والطفل المعرض للخطر أو المحروم من الرعاية الأسرية بصفة عامة، بل أن الكثيرين يرغبون في تغيير مصطلح أطفال الشوارع لقسوته وعدم تماشيه مع مفاهيم وثقافة المجتمع المصري، فيما يرى الباحثون الإجتماعيين أن ظاهرة أطفال الشوارع حقيقة قائمة وأن المصطلح علمي صحيح والتركيز على استخدامه هو أول خطوة للتصدي للظاهرة وهو الإعتراف بوجودها فلا توجد أي غضاضة أو حساسية في التسمية فالظاهرة ليست قاصرة على مصر وحدها بل تكاد تكون عالمية.
ترتبط ظاهرة أطفال الشوارع بمصــر بالثقافة السائدة في المجتمع وتعتبر عرضاً ظاهرياً لأسباب ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأبعاد الإجتماعية والثقافية والإقتصادية والمجتمعية والسياسية بالمجتمع فقد تبين من خلال دراسة وضع أسر أطفال الشوارع أن هناك تغير كبير قد طرأ علي البنية الأساسية للأسرة المصرية أدي لإختلاف الأدوار بها وخاصة دور المرأة التي أصبحت هي العائل الرئيسي للأسرة والذي أثر علي طبيعة العلاقات الإجتماعية داخلها وإنتشار ثقافـة العُنــف والخــرس الأسري مما أدي لتفاقم الظاهرة كما تبين الإنخفاض الشديد بالمستوي التعليمي للوالدين وتفشي الأمية وعدم اهتمام الأسرة بتعليم أطفالها وتشجيعهم للعمل في بعض المهن الخطرة لزيادة الدخل. وعادة ما ينتمي هؤلاء الأطفال لأسر كبيرة الحجم والتي يتجه أفرادها لكثرة الإنجاب مع عدم وعيهم بالمشاكل والصعوبات التي يجلبها كثرة العدد من حيث الإنفاق والرعاية إذ غالباً ما لا تتحمل تلك الأسر مسئولية التنشئة الإجتماعية والإعالة الكاملة لأفرادها فيدفعوا بهم للشارع كما تعتبر الظاهرة من الظواهر الحضرية فتتزايد بتزايد التحضر الناتج عن تصاعد معدلات الهجرة من الريف للحضر أما المناطق التي يقطنها هؤلاء الأطفال مع أسرهم فغالباً ما تكون بداخل المناطق العشوائية التي تعتبر البؤرة الأولي والأساسية المعززة والطاردة لأطفال الشوارع إذ أن غالبية هؤلاء الأطفال ينتشرون ويولدون ويعيشون بتلك التجمعات فبداخلها تتعدد مجالات ممارسات أطفال الشوارع كما تعد الظاهرة ذكورية في غالبيتها إذ يمثل الذكور أعلي نسبة بفئة أطفال الشوارع مقارنة بحجم البنات وعلي الرغم من قلة عددهن أمام الذكور، إلا أنهم يواجهن مشكلات أكثر ويحتجن لخدمات ورعاية أكثر إذ تمثل الفتاة بالنسبة لبعض الأسر أو لمن يتولي رعايتها مصدراً للرزق حيث تتواجد في الشارع للتسول أو العمل كخادمات بالمنازل أو بغرض ممارسة الدعارة مما يترتب عليه ظهور جيل جديد من فئة الأمهات الصغيرات اللاتي يتعرضن لمخاطر صحية أو نفسية قد تؤدي أحياناً بحياتهن هن وأطفالهن. أما الحالة الاقتصادية فغالباً ما تكون متدنيــة برغم ظهور حالات كثيرة لأطفال شوارع ينتمون لأسر ميسورة مادياً ولكن يفتقد أطفالها لمشاعـر الإهتمام والرعاية داخلها.
يتميز مجتمع الشارع بنظام يعيش فيه الأطفال وفق قوانين وثقافة تعكس سمات هذه الحياة وتعطي مؤشرات اجتماعية واقتصادية وديموجرافية متباينة تظهر في تمركز أكثر من 60 % من أطفال الشارع بالقاهرة الكبرى أما الوجه البحري فيمثل نسبة 30 % من الأطفال وأخيراً يمثل الوجه القبلي نسبة 10 % من الأطفال، ويرجع ارتفاع نسبة الأطفال بالقاهرة للجاذبية التي تتميز بها حياة المدينة من تنوع فرص العمل وإمكانية الإختفاء من الأسر التي قد هرب منها الأطفال أو من مخالفات قد قاموا بها في المناطق التي نزحوا منها. وليستطيع هؤلاء الأطفال العيش والتكيف في الشارع لابد من مزاولتهم بعض الأعمال لجمع المال اللازم للإنفاق علي احتياجاتهم ومنها بيع المناديل أو بعض السلع البسيطة أو مسح زجاج السيارات أثناء إشارة المرور أو التسول وإدعاء المرض أو العمل بمواقف الأتوبيسات وسيارات الأجرة ومسح الأحذية بالإضافة لورش الميكانيكا وغيرها. وفي بعض الأحيان يتم استغلال هؤلاء الأطفال من قبل القادة وهم أطفال الشارع ممن قضوا سنوات طويلة في الشارع وانخرطوا في مجتمع الجريمة مما جعلهم محترفي شارع يستطيعون السيطرة علي الأطفال الصغار والضغط عليهم للعمل لصالحهم في أعمال غير مشروعة كنقل وتوزيع المخدرات والممارسات الجنسية وبيع الأطفال الرضع مقابل حمايتهم في الشارع.
تتراوح الفئات العمرية لأطفال الشوارع ما بين سن 4 سنوات إلي15 سنة تنتشر الأمية بين معظمهم لدفع الأسرة بهم لسوق العمل المبكر لزيادة الدخل وإهمال الجوانب التعليمية أو لهروبهم من أسرهم وتواجد الأطفال بالشوارع للعمل والتسول، وينتشر بين الأطفال ظاهرة التسطيح ويعني بها ركوب أسطح القطار أو الترام للتنقل بين الشوارع والمحافظات الأمر الذي ينتج عنه تعرضهم للحوادث المختلفة التي قد تؤدي بحياتهم أو تسبب لهم عاهات مستديمة، ورغم انتشار هذه العادة بين الأطفال أمام العاملين في هذه المواقع إلا أنه لم يتم ردعها من قبل المسئولين بسبب ضعف الرقابة وانعدام النظام الخاص مما يتسبب في حوادث كبيرة لا نجد لها مبرر غير الإهمال. وينتشر بين أطفال الشوارع جميع الأمراض الجلدية وأمراض سوء التغذية نتيجة وجودهم بالشارع بإستمرار مع عدم وجود وسيلة للحصول علي حقوقهم الصحية وعدم معرفتهم بالعادات الصحية السليمة وأكلهم فضلات الطعام وتدخين السجائر وتعاطي المواد المخدرة الطيارة كالكلة والبنزين أو بعض أدوية السعال أو تعاطي الحشيش والحبوب المخدرة بأنواعها.
وللحق، إهتم المسئولين برعاية هذه الظاهرة وتوصيل مشاكل أطفال الشوارع لصانعي القرار كما شجعت صفوة المجتمع للمشاركة في تبني قضايا أطفال الشوارع وتأهيلهم رياضياً وفنياً وعلي رأسهم المايسترو سليم سحاب الذي أنشأ فرقة كورال مصر وتضم أطفال الجمعيات ومنها أطفال الشوارع كما تبنت بعض الشركات العالمية سفر أطفال لحضور أو المشاركة في فرق كرة القدم في مونديال 2010 بجنوب أفريقيا و2014 بالبرازيل.
وأخيراً وليس آخراً، حاول أن تسهم بالقضاء علي تلك الظاهرة في خطوات بسيطة، ضع في سيارتك عصير ومياه وبسكويت لمنحه للأطفال بدلاً من النقود ولا تعطي نقود للطفل في الشارع فالمسئول عن تشغيله هو من سيأخذها كما لا تستخدام العنف مع الأطفال بل إبتعد أو إغلق شباك سيارتك بهدوء. ولا تقنع الطفل بركوب سيارتك كيلا تتعرض للأذي ممن يراقبون الطفل.