ستتوقف آلة الزمن وستنطلق في جولة بأزمنة بعيدة، ستسمع سنابك خيل جوهر الصقلى وقد أتي مصر غازياً وسيستقبلك الخليفة المعز لدين الله وهو يفتتح مدينته وستشاهد الحاكم بأمر الله يتفقد رعيته ليلاً على حماره وبدر الدين الجمالي قائد الجيوش وهو يعيد بناء سور القاهرة وصلاح الدين الأيوبي ينشئ المدارس وقنصوة الغوري يُشيد المباني ذات الزخارف والنقوش البديعة والمؤيد شيخ وهو يهدم سجنه القديم لبناء مسجد من أروع مساجد العصر المملوكي وستبكى لرؤية رأس طومان باي المعلقة على باب زويلة، إنها جولة لن تنساها في شارع المعز لدين الله الفاطمي.
لم يخطر على بال جوهر الصقلي عندما أرسل المعز لدين الله لمصر لضمها للخلافة الفاطمية أن المدينة التي بناها ستتسع لتضم عواصم مصر القديمة بأكملها فيما أصبح شارع المعز لدين الله الفاطمى همزة الوصل بين باب الفتوح وباب زويلة وهو شارع متعرج عربي الشكل والمضمون وكان عصب القاهرة القديمة وهو الشارع الرئيسي الذي أنشأه الفاطميون للمرور لمدينة القاهرة القديمة وكان يسُمي شارع بين القصرين وكانت تمر عبره مواكب الإحتفالات بالمحمل وكسوة الكعبة وهو أيضاً أكبر متحف مفتوح للآثار الأسلامية بالعالم وهو أيضاً مزار أثري وسياحي وسوق تجاري يتردد عليه مئات الآلاف يومياً. يعود تاريخ الشارع لعام 969 ميلادياً ويمتد من باب الفتوح مروراً بمنطقة النحاسين ثم خان الخليلي فمنطقة الصاغة ثم يقطعه شارع جوهر القائد (الموسكي) ثم يقطعه شارع الأزهر مروراً بالغورية والفحامين ثم زقاق المدق والسكرية لينتهي عند باب زويلة. يضم الشارع آثار يعود تاريخها لعصور متوالية منذ العصر الفاطمي وعبر الأموي والمماليك البحرية والمماليك الشراكسة ثم الحكم التركي والذي خلف أيضاً العديد من العناصر المعمارية والمباني الأثرية. تم رصف أرضية الشارع بالجرانيت الأسود الأسواني وبه آثار تاريخية كبوابة الفتوح وسور البلد وزاوية أبو الخير الكليباني والدرب الأصفر وسبيل وكتاب عبدالرحمن كتخدا وقصر الأمير بشتاك ومدرسة السلطان الكامل وحمام أنيال ومسجد السلطان برقوق ومسجد الناصر محمد وبقايا مدرستي الظاهر بيبرس والصالح نجم الدين وسبيل وكتاب خسرو باشا ومسجد الاشرف برسباي ومنطقة بيت القاضي ويمثل الشارع المحور الرئيسي للقاهرة التاريخية وأقدم شوارعها علي الإطلاق في مصر كما يضم كوكبة من أجمل الآثار الإسلامية بالعالم يصل عددها إلى 29 أثراً تنفرد بجمال ودقة وتنوع وضخامة العمارة والزخرفة وتتميز بمساجدها الشامخة كما تضم أيضاً مدارس ومدافن وأسبلة وكتاتيب وقصوراً. مساجد شارع المعز السبع هي بالترتيب الجغرافي من باب الفتوح لباب زويلة هي جامع الحاكم بأمر الله ومسجد سليمان أغا السلحدار وجامع الأقمر ومسجد السلطان برقوق ومسجد الناصر محمد بن قلاوون وجامع الفكهاني وجامع المؤيد شيخ وقد تم إنشاء تلك المساجد بعصور مختلفة وأدخلت عليها تعديلات بمرور الزمن وتم ترميمها وأشهرها مسجد المؤيد شيخ والذي كان سجن خزانة شمائل سابقاً وسُجن فيه المؤيد شيخ لغضب الحاكم عليه آنذاك وفى ظلمة السجن دعا ربه إن أخرجه من سجنه ووهبه ملك مصر أن يهدم السجن ويبنى مكانه مسجد.
عندما تُنهك الفرد من السير بشارع المعز ويشتد بك العطش، توقف قليلاً وإلتقط أنفاسك وأنظر حولك وستجد أكثر من سبيل يروي ظمأك. كانت للأسبلة في مصر وضعاً مميزاً وكانت تنافس المساجد والمدارس في جمالها ويتولى إنشاءها الملوك والأمراء والأعيان تكفيراً عن الذنوب وإستجلاباً للدعاء لذا امتلأت شوارع القاهرة بعشرات الأسبلة التي لم ينقطع عنها الماء وكانت متاحة للجميع وكانت تُبنى من طابقين الأول عبارة عن بئر محفور في الأرض يُخزن فيه ماء النيل والثاني هو حجرة التسبيل وهي مُرتفعة عن سطح الأرض لتوزيع الماء على المحتاجين. جمع شارع المعز بعض الأسبلة ذات الوجهات الفنية والزخرفية التي كان يقصدها العابرين وسكان المنطقة لتروى ظمأهم ويضم الشارع سبع أسبلة هي سبيل سليمان أغا السلحدار وسبيل عبد الرحمن كتخدا وسبيل خسرو باشا وسبيل نفيسة البيضا وسبيل محمد علي بالعقادين وسبيل محمد علي بالنحاسين وسبيل قنصوة الغوري. أما المدارس والكتاتيب، فلم تنتشر إلا في العهد الأيوبي لنشر تعاليم المذهب السني ومذاهبه الفقهية وبلغ أوجه بعهد المماليك وقد إعتمد تخطيط المدارس على النظام المتعامد وهو عبارة عن صحن مكشوف يفتح عليه أربعة أواوين لتدريس المذاهب الفقهية الأربعة ويضم شارع المعز سبع مدارس، هي المدرسة الكاملية ومدرسة السلطان قلاوون ومدرسة الناصر محمد بن قلاوون ومدرسة الظاهر بيبرس البندقداري ومدرسة نجم الدين أيوب والمدرسة الأشرفية ومدرسة قنصوة الغوري
لا تفوتك الكتلة المعمارية المتمثلة في القبة الضريحية والسبيل والكُتاب والخانقاه والمنزل والمقعد على رأس تقاطع شارع الغورية وشارع المعز لدين الله وأنشأها السلطان قنصوة الغوري وتتكون من مسجد ومدرسة وقبة ووكالة وحمام ومنزل ومقعد وسبيل وكتاب. للمسجد ثلاث وجهات أهمها الوجهة الشرقية التي تشرف على شارع المعز لدين الله وبوسطها المدخل الرئيسي بأسفلها دكاكين وبها ثلاثة صفوف من الشبابيك يعلوها طراز مكتوب به بالخط المملوكي آية قرآنية ثم اسم الغوري وألقابه، وتُتوجها شرفات مورقة حُليت أوجهها بزخارف محفورة بالحجر، صدر المدخل محلى بتلابيس من الرخام الأبيض والأسود وتغطيه طاقية من المقرنص الجميل وبطرفها من الجهة القبلية تقوم منارة ضخمة مربعة القطاع لها دورتان تتكون من مقرنصات منوعة وتنتهي من أعلى بحطة مربعة تعلوها خمسة رءوس فيما يؤدى الباب الرئيسي لدركاة مربعة أرضيتها من الرخام الملون الدقيق وسقفها من الخشب المنقوش بزخارف مذهبة ومنها لطرقة تؤدى للصحن. شُيد هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد فهو يتكون من صحن يحيط به أربعة إيوانات اثنان منها كبيران وهما إيوان القبلة والإيوان المقابل له وأما الآخران وهما الجانبيان فصغيران ويحيط بجدرانها وزرة من الرخام الملون تنتهي من أعلى بطراز رخامي مكتوب به بالخط الكوفي المزهر آيات قرآنية وفوق عقود الإيوانات الأربعة طراز مكتوب بالخط المملوكي آيات قرآنية يعلوه إزار من المقرنصات الجميلة. تقع وجهة تلك القبة بمقابل وجهة المسجد وبها المدخل بزخارفه ومقرنصاته وتلابيسه الرخامية المماثلة لمدخل المسجد وبها صفين من الشبابيك داخل صفف، السفلية معتبة بمزررات من الرخام الأبيض والأسود والعلوية على هيئة شبابيك قندلية أى شباكين معقودين محمولين على ثلاثة أعمدة رخامية يعلوها شباك مستدير وتنتهى الوجهة بشرفات مورقة مُحلاة الأوجه بزخارف محفورة فى الحجر ويبرز من تلك الوجهة بنهايتها البحرية سبيل له ثلاث فتحات كبيرة مُعتبة بها شبابيك من المصبعات الحديدية وأرضية رخامية يعلوها كتاب مفتوح من كل جانب من جوانبه الثلاثة بعقدين محمولين على عمود في الوسط ويغطيها رفرف من الخشب محمول بكوابيل خشبية. أمر بإنشاء هذه المجموعة المنصور سيف الدين قلاوون سنة وخصص القبة ليُدفن بها هو وأفراد أسرته كما خصص المدرسة للشعائر الدينية وتدريس العلوم والبيمارستان لعلاج الأمراض ودراسة الطب،
تُعد القبة التي تعلو الضريح أهم جزء بالمجموعة، وتتكون من قاعدة مُثمنة مُكونة من أربع دعائم مربعة بها أربعة أعمدة رخامية مكسوة من الخارج بالرخام الدقيق المطعم بالصدف وتحمل الدعائم والأعمدة عقوداً مدببة تعلوها رقبة مثمنة وبكل ضلع منها نافذة ويعلو الرقبة قبة مستديرة والواجهة الخارجية للمجموعة من الحجر الملون الأحمر والأبيض على شكل مربعات، أما المئذنة فتتكون من ثلاثة طوابق الأول والثاني يأخذان شكل مربع والعلوي مستدير. أما المدرسة المنصورية فتوجد أمام باب القبة وتم تجديد الإيوان الشرقي ويتكون من ثلاثة أروقة أكبرها الأوسط والسقف محمول على أعمدة رخامية تعلوها عقود حُليت هي والشبابيك المستديرة فوقها بالزخارف الجصية. أما البيمارستان فلم يتبق منه سوي قسم من القاعة الشرقية وتضم فسقية من الرخام وأجزاء من القاعتين الغربية والقبلية ومحراب المسجد يعتبر من أكبر وأفخر المحاريب في مصر حيث يكتنفه ثلاثة أعمدة من الرخام تحمل تيجان كأسيه وفى تجويف المحراب فسيفساء من الرخام والصدف الملون. في منطقة النحاسين وبجوار سبيل كتخدا، يقع قصر الأمير بشتاك وقد أمر بإنشائه الأمير سيف الدين بشتاك الناصرى ويتكون من ثلاث طوابق بها مشربيات ليست على استقامة واحدة بل علي جزأين أحدهما غائر، والأخر بارز. أما حمام السلطان الأشرف إينال، فيعود لعام 861هـ وتُطل واجهته علي شارع المعز ويؤدي مدخله الرئيسي لممر منكسر كيلا يري المارة فمن بالداخل. أما قاعة الإستقبال فمربعة ذات سقف من عروق خشبية تتوسطه شخشيخة بها ثمان وعشرون نافذة، وفي الضلع الشمالي فتحة تُفضي لحجرة خلع الملابس ذات أرضية بلاط يغطيها قبو متقاطع وتتوسطها فسقية حجرية دائرية وتحيط بقاعة الإستقبال أربع سدلات ومغطس الحمام مُربع تغطيه قبة ضحلة بسيطة بها فتحات صغيرة للتهوية.