ولدت صافيناز ذو الفقار وهو الاسم الحقيقى للملكة فريدة فى الخامس من سبتمبر عام 1921 وهى الزوجة الأولى للملك فاروق الاول ملك مصر والتي تزوجها وهو في سن الثامنة عشر فى 20 يناير سنة 1938 ، وكانت هى فى السادسة عشر. كان الزواج حدثاً تاريخياً سعيداً لم تشهد مصر مثله منذ أجيال إذ تجلت مظاهر الإبتهاج على الشعب بمختلف طوائفه وطبقاته قبيل حفل عقد القرآن وبعده بعدة سنوات. ربما كانت الأقرب لقلبه وربما كان الأحب لروحها إلا أن صغر سنهما معاً حالت دون إستمرار الزواج الذي إمتد لعدة سنوات وأسفر عن بنات فاروق وغاب عنه ولي العهد.
رحلة اوروبا كانت البداية
هى كريمة صاحب السعادة يوسف ذو الفقار باشا وكيل محكمة الإستئناف. من مواليد مدينة الأسكندرية وقد تلقت تعليمها الإبتدائى بمدرسة نوتردام دى سيون الفرنسية بمحطة الرمل وكانت إحدي المدارس العريقة آنذاك مما ساعدها على إتقان اللغة الفرنسية كما كان لها هوايات خاصة فكانت بارعة فى العزف على البيانو والصيد وقد عُرف عنها منذ صغرها ميلها للبساطة فى ثيابها وزينتها
كانت الرحلة الملكية إلى أوروبا فى شتاء 1937 هى الخطوة الأولى فى سبيل القران الملكى السعيد إذ طلبت الملكة نازلى من والدة صافيناز (فريدة فيما بعد) السماح لإبنتها بمصاحبة العائلة المالكة فى رحلتها إلى سويسرا وكانت تلك الرحلة هى بداية العلاقة التى ربطت بين قلب الفتاة الصغيرة وملك مصر الشاب إذ مهدت الرحلة لصداقة متينة بين الملكة فريدة وصاحبات السمو الأميرات شقيقات الملك فوزية وفائزة. كان الأمر كله مفاجأة ففى ذات أمسية من شهر أغسطس 1937 حيث كان الملك فاروق بمصيفه بالأسكندرية، قصد بسيارته سراى سعادة يوسف بك ذو الفقار ليطلب يد كريمته ثم أُعلنت الخطبة رسميا ً فيما بعد. وللحق، ازداد حب الشعب للملك بعد زواجه من الملكة فريدة إذ كان الشعب يقدر تلك الشخصية الرائعة والتى إعتقد أنها بالفعل خُلقت لتكون ملكة.
عاماً كامل للشبكة الملكية
توالت هدايا فاروق على خطيبته فريدة ولعل كان أثمنها كان الشبكة وهي عبارة عن عُقد ثمين نادر أهداها إياه بمناسبة عقد القران السعيد وهو حلية نادرة المثال ذات ثلاثة أفرع من الماس الأبيض وتنتهى الأفرع من الناحيتين بمساكتين ذات ماستين نادرتين وقد بلغ ثمنه حوالى 27.000 جنيهاً وقتها وإستغرق صنعه فى باريس عاماً كاملاً وكان من مفاخر معرض باريس الدولى. أما التاج الذى أهدته الملكة نازلى إلى الملكة فريدة بمناسبة زواجها فكان عبارة عن تاج تتوسطه زُمردة نادرة وفى أعلاه ماسة برسم قلب وقد بلغ ثمنه إنذاك حوالى 7000 جنيه. صُنع جهاز الملكة فريدة فى أشهر محلات الأزياء الفرنسية وقد حظى محل «ورث» بشرف صُنع ثوب الزفاف ومحل شانيل بصنع أثواب الملكة نازلى. كان ثوب الملكة فريدة مصنوع من الدنتلة الفضية الثمينة وله كُمان طويلان وذيل قصير وفوق الثوب إرتدت جلالتها بالطو من قماش خفيف مفضض تّكون منه الذيل الذى بلغ طوله خمسة أمتار وغطى بالتُل الخفيف. كان الزواج إسطورياً وكان العروسان الشابان محاطان بحب الشعب ومباركة العائلة المالكة وأعين العالم بأسره تترقب زواج ملك مصر المُفدي في زمن كان لمصر شأناً آخر ومكانة شديدة الرفعة. صاحب الإحتفال بعقد القران والزفاف الذى تم يوم الخميس الموافق 20 يناير 1938 سيلاً من العروض والمهرجانات فإنتشرت فى الشوارع والطرقات وجميع ميادين العاصمة فرق لفرسان العرب فى عروض فروسية بخيولهم العربية الأصيلة فيما رمتدت العروض لعدة ليالى متتابعة، وفى يوم عقد القران، إزدحمت شوارع القاهرة وشرفاتها بعشرات الآلاف من المصريين والأجانب فى إنتظار موكب الظهور العظيم والذى بدأ سيره مع الظهيرة من سراى عابدين وحتي سراى القُبة العامرة فبدا كأنه مهرجان وبدت القصور الملكية خلال ليالى الإحتفال وكأنها قطع ماس تتلألأ حيث تمت إنارة كافة القصور ودور الوزارات ومن ثم تحولت الليالى إلى نهار مُشرِق على نحو يدعو للسرور والبهجة كما تم إنارة مجرى نهر النيل من بدايته أمام فندق سميراميس، وكانت الأنوار التى تنعكس على مياهه من زينات الذهبيات والقوارب أشبه بأشعة سيالة. كان حفل القران قبيل ظهر الخميس 20 يناير بقصر القبة حيث تجمع معظم النبلاء والأمراء والوزراء ورجال الدولة للمشاركة فى الإحتفال بعقد القران الذى لم يحضره سوى جلالة الملك ويوسف باشا ذو الفقار والد الملكة ووكيلها وشاهدا الزواج وفضيلة الأستاذ الأكبر ورئيس محكمة مصر الشرعية فضيلة الشيخ محمد مصطفى المراغى والذى قام بعقد القران. كان الشاهدان هما دولة على ماهر باشا وسعيد ذو الفقار باشا. وبعد عقد القران، تم توزيع علب مِلَبِس ثمينة على المدعوين وتوزيع شيلان كشمير فخمة على أصحاب الفضيلة العلماء. وقبيل الساعة الخامسة والربع من مساء نفس اليوم، وقف جلالة الملك فاروق الأول فى إحدى شُرفات سراى القبة ينتظر وصول عروسه والتى وصلت وبرفقتها الأميرة نعمت مختار فإستقبل جلالته العروس ثم صعد إلى جناحه الخاص وبعد عدة دقائق خرج صاحبا الجلالة إلى الحديقة. بلغ طول الكعكة الخاصة بالقران نحو خمسة أمتار وكانت من صُنع حلوانى الخاصة إبراهيم على يوسف وإمتدت مائدة الفرح لمدة يومين وكانت ذاخرة بكافة أنواع الأطعمة العربية والفرنسية وعدد من التورتات التى زينها الشعار الملكى . وبعد أن إنقضت أيام الإحتفال الرسمية قصد الملك فاروق ومعه عروسه مساء يوم الإثنين 24 يناير إلى قصر أنشاص ليقضيا هناك أسبوعين فى هدوء الريف.
أين يقيم الملوك؟
جرت العادة فى الدولة المتحضرة أن يُخصص لأولياء العهود قصور مستقلة يقيمون فيها بعيداً عن مقر الملك لكن الملك فاروق سواء كان ولياً للعهد أو ملكاً آثر البقاء مع والدته الملكة نازلى وشقيقاته، وبعد عقد الخطبة الملكية رأت الملكة نازلى أن تتخلى للعروس عن السرايات الملكية حتى تقيم فيها مع الملك وتقيم هى فى سراى المغفور له والدها بالدقى ، فلم يوافق الملك فاروق وأصر أن تظل جلالتها بجواره طفلاً وملكاً وخطيباً. وعلى ذلك، إستقر الرأى على أن تقيم مع جلالة الملك وعروسه فى سراى القبة وأن يخصص لها ولصاحبات السمو الملكى الأميرات الجناح الذى كان يقيم فيه جلالته قبل الزواج مع تغيير طفيف على نظام الصالونات والردهات وكان هذا خلال فصل الشتاء، أما فى فصل الصيف، قتقيم الملكتان معاً كذلك فى سراى المنتزه على أن تقيم الملكة فريدة مع جلالة الملك فى السراى القديمة التى تطل على الميناء بينما تقيم الملكة نازلى والأميرات بالسراى الجديدة التى شيدها الملك الراحل قبل وفاته. بعد أن تمت الخطبة بين الملك فاروق وصافيناز ذو الفقار، إختار لها الملك إسم فريدة لكونه يبدأ بحرف الفاء وهى عادة أطلقها الملك فؤاد إذ سمى جميع أولاده بأسماء تبدأ بحرف الفاء بإستثناء إبنه إسماعيل من زوجته الأولى شويكار.
مظروف يحمل كلمة النهاية
جاء طلاق الملك فاروق والملكة فريدة إثر قصة الحب الجميلة التي جمعتهما بمثابة صدمة شديدة للجميع وأثار كثير من التشاؤلات علي الصعيدين الرسمي والشعبي وتعددت الروايات والأقاويل حول ذلك الطلاق. البعض أرجعه لرغبة فاروق في إنجاب طفل ذكر ليكون ولياً للعهد فيما أرجعه آخرون لكراهية الملكة فريدة لحياة القصر وما بها من مفاسد وعدم قدرتها على احتمال حياة المجون والعبث التي كان يحياها الملك فاروق مع رفقائه من أعضاء الحاشية الملكية الإيطالية الفاسدة، بينما راح البعض يؤكد أن السبب وراء الطلاق هو شكوك الملك فاروق فى الملكة فريدة حيث تصور وجود علاقة تربطها بوأحد الأمراء. وبقيت فريدة الأقرب لقلب فاروق وأم بناته ومعشوقته الأولي ولعل أحد الأسباب الرئيسية وراء الطلاق يكمن في التشابه ما بين طباعهما فكلاً من فاروق وفريدة شديدا الكبرياء والإصرار علي موقفهما ولا يلينا ولا يعدلا عن رأيهما ولربما أيضاً صغر سنهما عند الزواج حال دون إمكانية مد جسور التأقلم والتناغم فكان فاروق عنيداً لا يقبل النقد وكانت فريدة شديدة الإعتزاز والكبرياء فلم تمنحه الهالة والتقدير والتفخيم الذي يسعي إليها ملكاً مثله. كان توقيت طلاق الملك فاروق للملكة فريدة فى 17 نوفمبر من عام 1948شديد الحساسية إذ كان الشهر المذكور شديد الدقة بالنسبة لأوضاع الجيش المصري في فلسطين. وفي يوم 10 نوفمبر، طلب نجيب سالم باشا مدير الخاصة الملكية مقابلة الملكة فريدة على وجه الإستعجال وأبلغته بإستعدادها لمقابلته على الفور في جناحها الخاص ومن ثم جاء نجيب باشا ومعه ظرف سلمه للملكة وكانت فيه ورقة طلاق.