مايكل أنجلو:عذاب الروح وفلسفة السعادة السوداء

وُلد في السادس من مارس 1475م بقرية كابريز بمدينة فلورنسا الايطالية لعائلة بيونروتي المرموقة. مارس النحت منذ الصغر ليبلغ فيه شأناً عظيماً.. وتعداه، ليتفوق فى مجالات فنية أخرى.. عن مايكل أنجلو.. المثال والرسام والشاعر والمعمارى.. سطور من حياته ومفاتيح الموهبة الفنية المتدفقة..

أبدع في التصوير حين عهد إليه بمشاركة دافنشي تزيين إحدى قاعات فلورنسا لتخرج أعمال أنجلو مفعمة بعمق التعبير وتجريد الأحداث علي حين جاءت رسومات دافنشي تحليلية دقيقة. ولعل أعظم أعماله فى التصوير هو تزيين سقف «معبد ستاين» بالفاتيكان وكان عملاً شاقاً ظل يمارسه وهو مستلقي على مسافة قريبة من السقف لا تتيح له فرصة النظر للعمل عن بعد. كما كان انجلو شاعراً قديراً، تناولت بعض أشعاره معاناته أثناء رسم سقف السيستاين بأسلوب ساخر. أما أهم أعماله المعمارية، فكانت تصميم مكتبة «لورنازينا» و«معبد مديشي».

«عذاب الروح.. حياة»
برع في النحت وأبدع أعمالاً كثيرة أهمها تمثال «داوود» و«الرحمة» و«موسى» و«هرقل» و«باخوس». تخطي حدود عصر النهضة وحلق في أفق الإنسانية كرمز لعبقرية أبدعت في تجسيد صراع الإنسان وعذاب الروح الأسيرة وهي تتخبط في ظلام الدنيا. وكان رمزاً لذلك الصراع الذى ظل أسيراً له يستعذبه ويطوق نفسه بخناقة وكأنه لا يريد الخلاص منه.
وجد في حياته أرضاً خصبة لتلك الفلسفة السوداء حيث فقد أمه في طفولته وعاش في كنف مرضعته زوجة قطاع الأحجار. التحق بمرسم «دومينكو جيرلاندايو»، لكنه كره الرسم وتطلع للنحت والتحق بمدرسة «لورنزو دي مديتشي» وتتلمذ على يد برتولدو الذي تلقى تعليمه من دوناتللو.
عاش بداخله العالم الوثني والديني المسيحي يتصارعان. ولا تلبث روحه المولعة بالعذاب أن تتطلع خلف أسوار حديقة سان ماركو بجوها الأفلاطوني إلى لهيب الصراع الديني والاجتماعي الذي يشعله سافونارولا ويمضي انجلو متأثراً به وإن لم يتأثر فنه ويشارك في الأحداث وتلظى نفسه باللهيب الذي أحرق جثمان سافونارولا في ثورة عارمة.

«الباحث عن الرحمة»
ومن جراء الحزن والأسي، صاغ -في الثالثة والعشرين- تمثاله الشهير «الرحمة» بكنيسة القديس بطرس ممثلاً صراع النفس الدائم مع الأسى. بعدها أتم عملاقه «داوود» لتلفت عبقريته البابا يوليوس الثاني الذي دعاه ليقيم له مقبرة تكون صرحاً بروما للفن العظيم ويتحقق الحلم لأنجلو بإقامة صرح كبير يحيط به أربعون تمثالاً ملحمة من المرمر يسجل في مقاطعتها أعماق من تأملاته وفكره.
كانت حماسته لمشروع يوليوس الثاني كبيرة وامتد هذا الحماس للبابا فأرسل أنجلو إلى محاجر كرارا لينتقي أحجار صرحه وكان أنجلو سعيداً بالتكليف حيث كان يود أن يكون المبدع الكامل لعمله كنحات وصانع ومهندس معاً، لكن خط الصراع -أحد محاور حياته- ضيق عليه الخناق ليقف العمل مع تكليف البابا أنجلو بتزيين سقف مصلى السستينا.
أتم أنجلو سقف الكنيسة وعاد ليوليوس الثاني ولكن البابا مات وجاء يوليوس العاشر مكلفاً أنجلو بتصميم واجهة كنيسة «سان لورنزو» ومصلى «آل مديتشي».
وبعد سنوات من الثورة والمرض، استأنف العمل في مشروع يوليوس الثاني ليتمه بعد أن جاوز الخمسين خلال أكثر من خمسة وثلاثين عاماً ويختصر الصرح الذي لم يكتمل والتماثيل الأربعين في مجموعة يقف وسطها تمثال «موسى» عملاقاً من التعبير النحتى ينتصر على هزال فن النحت بعد الإغريق بل يتفوق على نحاتي اليونان القدماء الذين جعلوا محور التصوير جمال الجسد في حين تخطى مايكل انجلو هذا المحور ليجعل من النحت ملحمة للتعبير عن أعماق الكون وفكرة الأبد مشاركاً أفلاطون وسقراط رؤيتهم عن الفن كوسيلة لتمثيل الروح الداخلية للأشياء والطبيعة كعدو يأسر الروح الإنسانية ومن أجل هذا درسها ليتفوق عليها.

«من الحب والشجن..»
كانت نفسيته مهيأة لتحول صوفى عميق حيث عاش في صراع بين الوثنية والمسيحية لتصفو روحه بتعيينه مهندساً لكنيسة القديس بطرس ليلتقى بعدها بالحب في صورة «فيتوريا» وفصل جديد من فصول القدر الشقى. راعه جمالها الروحي.. كانت محبة وشاعرة وفي نفسها جمال عصر النهضة. أراد أن ينحت لها التماثيل، استعصت عليه، فراح يكتب الغنائيات لحبهما العنيف. كانت روحاً من القداسة فتحت لنفسه عالم الصفاء الديني وكانت مثله حزينة الروح محلقة في غياهب فكرة الموت تتغلب على خيانة زوجها بالتطلع إلى الله. أرادت إن تمنح حياته العاصفة بعض الهدوء وعاشت قريبة منه في روما ولكن الموت عاجلها وفارقته وحيداً يبكي القدر مرات ومرات… نعاها بسخرية من القدر قائلاً «هل يستطيع الموت أن يزهو اليوم بأنه أطفأ شمس الشموس؟!» كما رثاها قائلاً «إن الحب قد انتصر وها هي ذي تحيا به على الأرض وفي السماء بين القديسين». قدره لا يرحمه وسلسلة من الأحداث المريرة فيموت بعد فيتوريا صديقه الحميم ومساعده «أوربينو» الذي عمل معه في صرح يوليوس الثاني وعند موته رثاه قائلاً «أمس في المساء، مات أوربينو وتركني آسفاً ضائعاً حتى ليبدو لي أن أموت معه من أجل حبي له.. لقد كان رجلاً عظيماً وفياً، منذ ارتحل زاولتني

رغبة العيش وفارقتني السكينة
وصهرت الأحزان روحه وسكنت نفسه هذه التعبيرات الدرامية الجبارة التي غزت هواء الفن في روما وأرسلت عواصفها في أناقة فن البندقية فبعثت في أعمال تينتوريتو قبساً من وهج مايكل انجلو وملامح من ابداعاته.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda