لـوحــات..من وحي الكتب المقدسة

يزخر كلا من العهدين الجديد والقديم «التوراة والإنجيل» بالعديد من القصص المعبرة والأساطير التي تحمل الكثير من العبر الخالدة والتي تفنن المبدعون على مر السنين في البحث عنها وتجسيدها والتعبير عنها بجدارة في لوحاتهم وتماثيلهم.. من الكتب المقدسة.. الوان وأشكال وكثير من الصور ووراء كل صورة حكاية ودرس وعظة وذكري لا تموت..

عـذراء كنيسـة سيسـتـين
رافـائيــل
أحد رموز عصر النهضة بل إن شعبيتها الكاسحة دفعت بعض النقاد لتشبيهها بالموناليزا. ولعل أبرز عناصر اللوحة تكمن في التعابير الغامضة على وجه العذراء وطفلها والتي حاول النقاد والمؤرخين والفلاسفة تفسيرها ومنهم غوته وشرودر وشوبنهاور الذي تحدث عن ملامح الخوف على وجه الصبي، بينما تساءل آخرون عن مغزى إظهار العذراء في حيرة وارتباك. في اللوحة، تقف العذراء وطفلها والقديس والقديسة والملاكان الصغيران على مقعد من الغيم تؤطره ستارتان مفتوحتان لأعلى وتبدو كالهابطة من السماء فيما يتوجه القدّيس بنظره للمسيح وتنظر القديسة للملاكين أسفل اللوحة. ولعل أشهر أجزائها تكمن في صورة الملاكين الصغيرين إلى الأسفل والتي طبعت على ملايين البوسترات والصور التذكارية. كان مقدراً أن تزيّن اللوحة قبر البابا يوليوس الثاني، وقد ُعثر عليها بأحد الأديرة قبل أن تستقر بمتحف مدينة درسدن الألمانية حتى اليوم وتصبح رمزاً للأمومة. أضفت خطوطها المنحنية والعريضة نزولاً وصعوداً وتوازن الكتل وتوزيع الألوان الدقيق ما بين الذهبي والأخضر والبني والأزرق شعوراً بالسلام.

العشـاء الأخيــر
ليــونــاردو دافـنـشـي
من أشهر الأعمال الفنية في العالم منذ أبدعها دافنشي عام 1498 وتكمن أهميتها في التمثيل البليغ للحدث الأكثر أهمية بتاريخ المسيحية كما أثارت اللوحة أيضاً اهتمام الكثيرين بفضل عمليات الترميم التي بدأت منذ القرن الخامس عشر وآخرها تلك التي استمرّت عشرين عاماً وأثارت الجدل حتي إدعي البعض أن اللوحة الحالية «أعيد رسمها» وليس «ترميمها» بيد أنه لا جدال في أن الترميم قد «عدّل» اللوحة وأطال عمرها لتتمتع بها الأجيال القادمة. ومن طرائفها نجاتها بمعجزة من قصف الحلفاء لروما عام 1943 وقد رسمها دافنشي بطلب من دوق ميلانو الذي أراد تجسيد الواقعة وعمل بها نحو 18 سنة في غرفة الطعام بدير سانتا ماريا وفيها، يجلس المسيح على المائدة وحوارييه الإثني عشر فيما يكمن عنصر الإبداع الرئيسي بالمنظور الفني الذي اتبعه الفنان في رسم عناصر اللوحة اذ يوجه كل عنصر فيها اهتمام الناظر مباشرة لوسطها أي لرأس المسيح. تتناول اللوحة الثواني القليلة التي تلت القاء المسيح على الحواريين مفاجأته الصاعقة بأن أحدهم سيخونه قبيل شروق الشمس فيما تكشف بوضوح عن ردود فعلهم ومزيجاً من الرعب والصدمة والغضب. بجانب المسيح، الشخصية المحورية هي يهودا المتآمر وقد تعمّد دافنشي رسم وجهه في الظل بينما بدا خلفه بطرس بلحية بيضاء ووجه غاضب متحدّثاً ليوحنّا المعمدان الذي يظهر بملامح أنثوية مائلاً برأسه ليستمع لبطرس بيد أن الشخص الوحيد الذي يبدو وجهه هادئاً هو المسيح.

بــرج بــابـــل
بيـتر بـروغيــل
ارتبطت بابل تاريخياً بالقائد نبوخذ نصّر والحضارة السومرية وتحوّلت إبّان حكمه لأكبر حواضر العالم القديم لتصبح فيما بعد جزء من مملكة النمرود. في عهده، بدأ بناء البرج الذي اقترن باسم المدينة وأمسي إحدى عجائب الدنيا السبع وذلك في الفترة ما بين القرنين السادس والسابع قبل الميلاد، أي بعد فترة وجيزة من حادثة الطوفان اذ تؤكد المصادر التاريخية إن من نجوا من طوفان نوح وجدوا في بابل ملاذاً لهم. كانوا يتحدّثون لغة واحدة ويعيشون بسلام، إلآ أن الملك النمرود خاف من تفرّق الناس تنفيذاً لأوامر الربّ الذي دعاهم لتعمير الأرض. لذا قرّر بناء برج عظيم يطاول السماء وعلى قمّته معبد ليقترب المؤمنون من الله ولا يبتعدوا عن الأرض. أهم ما يلفت الانتباه هو تركيز الفنان على إبراز عظمة البناء الهندسي والمعماري والزخرفي للبرج والذي يحتلّ كامل مساحة اللوحة تقريباً حيث لا شيء يصرف الاهتمام عن تلك الكتلة الهائلة من الطين واللبن التي تلامس الغيم بإستثناء النمرود أسفل اللوحة الذي يعاين المكان مع أفراد حاشيته فيما راح البعض يسجدون له علامة الطاعة. كان البرج آية في الإعجاز والفخامة حتى قيل أن الربّ غادر عرشه ونزل إلى الأرض ليرى ما يصنعه البنّاءون. وعندما أدرك الأمر، أرسل ريحاً مدمّرة أطاحت بالبناء وحوّلته لأنقاض. أما المصادر التوراتية فتشير إلى أن أكثر من ثلث من شاركوا في تشييد البرج مُسخوا لمخلوقات شيطانية وتم نفيهم عقاباً على عصيان الربّ، نفذ بروغيل لوحته بإتقان مراعياً أدق التفاصيل فيها بيد أن الناظر للبرج يتخيّله أطول بكثير مما يبدو باللوحة إذ يقال أن طوله قارب الـ 300 قدم. ميلان البرج جهة اليسار وتساقط بعض أقواسه وجدرانه يوحي باعتقاد الرسام أن البرج انهار من تلقاء نفسه وبسبب عيوب هندسية وليس بفعل قوى ميتافيزيقية كما ساد الاعتقاد، وبعض المؤرّخين يعتقدون أن قصّة ربط نهاية البرج بغضب الله نشأت مع مجيء باليهود أسرى لبابل ومشاهدتهم البرج فظنوا أن الغاية من إنشائه هي الوصول إلى الله فأحسّوا بالخوف من الفكرة. وعندما عادوا من بابل، نقلوا الإعتقاد وروّجوه حتى ترسّخ في أذهان العامة وأصبح حقيقة. والواقع أن الإنسان لا بدّ وأن يتساءل إن كان البابليون وهم أصحاب حضارة عريقة كانوا على درجة من السذاجة اذ تصوّروا إمكانية الوصول إلى الله. في العصور اللاحقة، أمسي حادث البرج رمزاً لخطيئة الإنسان وتطاوله على الخالق. أما لوحة بروغيل فكثيراً ما يتمّ استحضارها عند الحديث عن أهمية التنوّع الثقافي واللغوي ودور الاتصالات الحديثة في ربط الشعوب برغم الحواجز الجغرافية واختلاف الأديان واللغات والثقافات.

ارميـا يبكـي اورشـليـم
رمبـرانــدت
لعبة رمبراندت المفضّلة «الضوء والظلّ» وتجسيد المشاعر الداخلية من خلال الجوّ العام والملامح الشخصية. في اللوحة، يبدو النبيّ العبراني ارميا الذي تنبّأ بدمار أورشليم عاصمة مملكة يهوذا وتحقّقت نبوءته عندما احتلّ البابليّون بقيادة نبوخذنصّر عاصمة مملكة اليهود الجنوبية عام 586 قبل الميلاد ثم قاموا بتدمير المدينة والهيكل وقتل سكانها ونفي العديد من الوجهاء لبابل. كان ارميا يحذّر قومه من العذاب لانغماسهم بالمعاصي. وعندما تواترت أنباء اقتراب الغزو البابلي تزعّم ارميا الفريق الداعي لعدم المقاومة تجنّباً لما هو أسوأ كما كان رافضاً فكرة أن اورشليم والهيكل ذوي قوى خفيّة لقداستهما فيما صمم الملك والكهّان على المقاومة واعتبروا ارميا وأتباعه من الخونة ومن ثم تم اعتقالهم إلى أن دمّر البابليّون المدينة. قضى ارميا بقيّة حياته باكياً على دمار اورشليم وألّف كتاب «سفر الأحزان». كان العبرانيون آنذاك منقسمين لمملكة إسرائيل جنوباً ويهوذا شمالاً وكانت المملكتان مجرّد حجرين صغيرين على رقعة صراعات الإمبراطوريات المتنافسة لأجل المزيد من النفوذ. في اللوحة، نرى ارميا مسنداً رأسه إلى يده في دلالة علي الحزن الشديد بينما يتّكئ مرفقه على مؤلف ضخم ُكتب عليه «الإنجيل» وفي الخلفية، بناء أسطواني الشكل يرجّح أنه معبد سليمان. المكان شبه مظلم إلا من وهج مباني المدينة المحترقة علي الوجه الغارق في الحزن. والألوان الداكنة المستخدمة بكثافة في اللوحة تعزّز الشعور بفداحة الكارثة وعمق المعاناة.

فريق تحرير النهارده

نحتاج يومياً لمعرفة كل ما يدور في العالم من حولنا فالأحداث تتلاحق في سرعة كبيرة والموضوعات تتنوع علي نحو بالغ وهناك في كل لحظة العديد من الأخبار والأحداث والموضوعات الجديدة في شتى المجالات التي تهم كافة أفراد الأسرة من نساء ورجال وأطفال وشباب

كل مقالات ElNaharda